تنتشرُ في العديد من المدن العراقية مظاهرُ الاحتفاء والتمجيد بضحايا المواجهات المسلحة مع تنظيم داعش، وإذ تُرفع لافتات النعي السوداء بأسماء الشهداء من قتلى القوات المسلحة فضلا عن مقاتلي الحشد الشعبي وأبناء والعشائر في المدن والاحياء المختلفة. تزخرُ مواقعُ التواصل الاجتماعي ومنها "الفيسبوك" بمنشورات عراقية يوثق ناشروها بالنص والصورة والفيديو تضحية واستشهاد أولئك المقاتلين مع فيض من التعليقات والاشادة العاطفية والوطنية بهم وبتضحياتهم. ولا تخلو التعليقات من إشارات منتقدة أو متشفّية بالصورة أو مقطع الفيديو.
خسائر الحشد الشعبي أكبر من خسائر الجيش
يرى مراقبون أن النسبةَ الأعلى في أعداد الضحايا وقعت بين صفوف مقاتلي الحشد الشعبي خاصة اثناء المواجهات الأولى مع مسلحي تنظيم "داعش" بُعَيدَ سيطرتهم على مساحات شاسعة من البلاد وإطباقهم على مدينتي الموصل وتكريت في حزيران من العام الماضي، ويفسر المراقبون ذلك بعدم اكتمال تدريب مقاتلي الحشد الشعبي وتسليحهم وتأهيلهم للمعارك آنذاك، فضلا عن الاندفاع العاطفي للانخراط في صفوف المُلبيّن لدعواتٍ ذات صبغة دينية ووطنية لمواجهة تمدد داعش.
الى ذلك دعا أحد أعضاء مجلس النواب الثلاثاء إلى تشكيل "مؤسسة لشهداء مقاتلي الحشد الشعبي"، على غرار مؤسسة الشهداء، لإنصاف عوائلهم.
إذ أشار بيانٌ للنائب عن التحالف الوطني عبود العيساوي، الى انه بعد التضحيات الكبيرة التي يبذلها مقاتلو الحشد الشعبي من جميع الطوائف والمكونات و"سيل دمائهم في ارض العراق الطاهرة لتخليص البلد من دنس تنظيم داعش الإرهابي"، أصبح من الواجب إنصاف عوائلهم وإعطائهم كامل الامتيازات التي تحصل عليها عوائل الشهداء في مؤسسة الشهداء. بحسب البيان
يعترف أبو وارث، وهو قائد كتيبة قتالية في الحشد الشعبي، بعدم توفر إحصاءات عن ضحايا الحشد الشعبي في المعارك، وبرغم نفيه المبالغات التي تطلق أرقاما غير واقعية برايه، يقرّ في حديثه لإذاعة العراق الحر بأن عمليات التفجير الانتحارية وتفخيخ الصهاريج من قبل داعش تسببت بإيقاع خسائر في القوات العراقية والحشد وليس المواجهات القتالية المباشرة.
وردا على الادعاءات بان ضعفَ إعداد وتدريب وتجهيز مقاتلي الحشد الشعبي كان من عوامل سقوط العديد منهم، يرى أبو وارث أن ذلكجزء من الحملة التشويهية لدور الحشد الشعبي وترتبط بالإفلاس السياسي للبعض و"ليس للدواعش فحسب"، بحسب تعبيره.
بهذا الشأن لاحظ الخبير الأمني رحيم الشمري أن اعداد ضحايا الحشد الشعبي من قتلى وجرحى في المعارك سجلت زيادة عن تضحيات افراد الجيش والقوات الامنية، مفسرا ذلك بأسباب تتعلق بكفاءة الإعداد والتسليح ودوافع المشاركة، بين تلبية لدعوات المرجعية الدينة و دوافع وطنية، أو للثأر والانتقام من حيفٍ وأذى نال كثيرين على يد عناصر تنظيم "داعش" والجماعات المساندة له في بعض المناطق، ولاحظ الشمري خلال حديثه لإذاعة العراق الحر انخفاضا في اعداد قتلى الحشد الشعبي في معارك تحرير محافظة صلاح الدين مقارنة بعمليات سابقة ضمن المواجهة مع داعش.
نعوش الشهداء الى النجف، هل تكرر مشاهد حرب الثمانينات؟
تمثل مقبرة وادي السلام في النجف إحدى أكبر المقابر في العالم، ويحرص ملايين المسلمين الشيعة في العراق والعديد من البلدان على دفن موتاهم فيها، وقد استقبلت خلال الأشهر الأخيرة الكثير من ضحايا القوات المسلحة والحشد الشعبي والفصائل الأخرى الذين سقطوا نتيجة المواجهات مع تنظيم "داعش" في مختلف المناطق، وبرغم تباين أعداد الشهداء اليومية بحسب ضراوة العمليات العسكرية، فقد أعادَ الموقف الى الأذهان مشاهد جنائز مئات الالاف من الشهداء العراقيين الذين راحوا ضحية الحرب العراقية الإيرانية خلال اعوامها الثمانية 1980-1988.
وفي استطلاع قام به مراسل إذاعة العراق الحر في النجف ايسر الياسري لاحظ انخفاضَ اعداد قتلى الجيش والقوات الامنية والحشد الشعبي في الآونة الأخيرة، حيث قلل بعض العاملين في المقبرة من الأعداد المبالغة التي تداولتها بعض وسائل الاعلام وأوضح المراسل في اتصال هاتفي من مقبرة وادي السلام، أن السنوات العشر الأخيرة شهدت توسعا في مقبرة وادي السلام، لاستيعاب ضحايا العمليات الارهابية وضحايا العنف، والتفجيرات، فضلا عن قتلى القوات المسلحة والحشد الشعبي خلال الاشهر الأخيرة.
وقال بعض العاملين في المقبرة ان اعداد " الشهداء" من أبناء القوات المسلحة والحشد الشعبي زادت أحيانا عن عشرين في اليوم الواحد، فيما انخفضت في أيام أخرى الى بضعة منهم سقطوا نتيجة المواجهات مع داعش.
يأتي ذلك تزامنا مع انتقادات محلية وإقليمية ودولية لتجاوزات قام بها جنود عراقيون ومقاتلون من الحشد الشعبي، فقد أورد تقرير لمنظمة هيومن رايتس يوم الأربعاء ان البعض منهم نهبوا واحرقوا بيوتا ودمروا قرى بعد كسر الحصار على قرية آمرلي التركمانية في صيف العام الماضي.
ويدافع مسؤولون في الحشد الشعبي عن مثل تلك الاتهامات بأن "مقاتليه يقدمون التضحيات والشهداء كي يقللوا الخسائر بالمدنيين والبنى التحتية والمنشئات العامة والخاصة ويتقدموا بحذر في القرى والأرياف ولا يستعجلون باقتحام المدن الا بعد تامين سكانها".
الخبرة العسكرية، شيوخ وشباب!
يصنف الخبير الأمني رحيم الشمري فئات الحشد الشعبي وفق الخبرة القتالية والتجربة والإعداد الى فئتين: كبار السن الذين خبروا ساحات القتال من خلال مشاركاتهم في حروب العقود الثلاثة الأخيرة،والشباب الذين أعطوا خسائر أكبر في المواجهات مع مسلحي داعش الذين يستخدمون من جهتهم تكتيكات خاصة في حرب الشوارع والقنص وتلغيم الشوارع والبنايات والبيوت. مما يتسبب في إيقاع الأذى بالقوات العراقية بمختلف مكوناتها من جهة اخرى.
الى ذلك أكد المتحدث باسم الحشد الشعبي كريم النوري في حديث مع إذاعة العراق الحر أن تدريب المقاتلين واعدادهم يجري وفق خطط مدروسة وتحت اشراف مستشارين محليين ومن دول لها خبرة في مواجهة الإرهاب، وأن هناك حرص عالٍ بعدم التفريط بدماء المقاتلين، ولفت النوري الى الانخفاض في اعداد ضحايا الحشد الشعبي من قتلى وجرحى بشكل ملموس خلال العمليات الأخيرة لتحرير مناطق من محافظة صلاح الدين. في وقت اُلحقت خسائر كبيرة بعناصر التنظيم المتشدد، بحسب قوله.
بينما أفصح عضو لجنة الامن والدفاع البرلمانية النائب عن كتلة الاحرار ماجد الغراوي عن أن عدة معسكرات تدريبية تستقبل حاليا مقاتلي الحشد الشعبي والفصائل المسلحة فضلا عن معسكرات أخرى خاصة بالقوات المسلحة والأمنية.
ويقول معنيون ان معسكرات تدريب المقاتلين العراقيين تعتمد حاليا برامج تدريبية معاصرة وبضوابط أفضل من السابق للتقليل من حجم الخسائر والتهيؤ لمعارك فاصلة ومنها تحرير الموصل.
وماذا بشأن التسليح والتجهيز لفصائل الحشد الشعبي؟
يوضح النائب عن كتلة الاحرار الغراوي أن اغلب تلك الفصائل (ومنها سرايا السلام التي أعاد زعيم التيار مقتدى الصدر تفعيلها مؤخرا) اعتمدت على تمويلها الذاتي، وتسنى لها تجهيز نفسها بالأسلحة والآليات في فترات سابقة، عندما غابت الرقابة على مثل تلك النشاطات، ويوضح الغراوي أن العديد من الفصائل المقاتلة ضد تنظيم داعش لقيت دعما من الحكومة بنسب متفاوتة، وبرغم تزايد الحاجة الى الدعم المحلي والدولي لتلك الفصائل، فإنها تؤدي دورها القتالي بمستوى جيد، بحسب تعبيره.
ويخلص الكاتب والمحلل جاسم الموسوي الى أن دوافع سياسية غالبا ما توظف الاعلامَ للعب دورٍ مؤثر سلباً او إيجابا في الموقف العسكري وحجم التضحيات من قتلى وجرحى في المعارك، وذلك من خلال التضخيم او التقليل من خسائر الحشد الشعبي في المواجهة مع "داعش"، والتي يعتبرها الموسوي معركة واجبة الحسم لأسباب موضوعية.
شارك في ملف العراق مراسل إذاعة العراق الحر فيبغداد رامي احمد