الخميس الماضي، الرابع من حزيران، نُشر الجزء الاول عن احوال الموصل واحوال اهاليها منذ سقوطها بيد داعش، عبر شهادة فتاة أصلها من الموصل وتتابع اوضاع اهلها هناك عبر اتصالات هاتفية لا يمكن اجراؤها إلا عندما يذهب هؤلاء الى اطراف الموصل قرب الحدود مع المحافظات الاخرى.
واليوم اعرض الجزء الثاني من خلال شهادة رجل اسرته كلها تقيم في الموصل وهم يتصلون به هاتفيا ويضطرون لذلك الى التوجه الى المقبرة التي تقع على مرتفع او الى اطراف الموصل من جهة اربيل وكركوك.
في شهادته تحدث هذا الشخص الذي طلب ان نسميه احمد، عن تدمير الجوامع وعن البطالة وعن اجانب تدفقوا على الموصل بعد سقوطها واحتلوا منازلها بما في ذلك منازل المسيحيين والاقليات الاخرى، وسرقوا محتوياتها من اثاث ومتاع وتحدث ايضا عن صعوبة او استحالة مغادرة الموصل وعن قيام المسلحين بنقل الاثار المسروقة وكل ما هو مهم الى الرقة في سوريا. احمد قال إن اوضاع الموصليين سيئة في الواقع رغم ان المدينة تتمتع مقارنة بالمدن العراقية الاخرى بالامان. هذا الامان هو نتيجة القسوة التي يتعاملون بها مع الجميع، المجرمين والابرياء.
مغادرة الموصل صعبة للغاية
لا يمكن لسكان المدينة الخروج من الموصل للوصول الى بغداد او الى المدن والمحافظات القريبة الاخرى. ولكن هناك حالات يسمح فيها المسلحون للبعض بالمغادرة شرط توفر تقرير طبي مثلا او وثيقة تثبت ان لهذا الشخص مصلحة في الوصول الى بغداد لانجاز معاملة التقاعد مثلا.
ولكن هذه الاجراءات متعبة وطويلة وتحتاج الى الكثير من الجهد واحيانا عندما تصل الامور الى المسؤول الأخير يرفض اعطاء الموافقة ويتم رد الطالب على اعقابه ولا يسمح له بالخروج.
يحتاج من يخرج ايضا الى تزويد السلطات في الموصل بكل الوثائق المتعلقة باملاكه ويشمل ذلك السيارات المسجلة باسمه كما يحتاج الى كفيل يكون من اقربائه بشكل عام كي يخاف عليه ويضطر الى العودة حرصا عليه.
وعادة لا يمنح المسلحون من يخرج من الموصل اذا ما وافقوا على خروجه اكثر من عشرة ايام او اسبوعين في اقصى تقدير.
الطريق طويلة والرحلة مرهقة
من يخرج من الموصل يحتاج الى اربعين ساعة على الاقل للوصول الى بغداد ويحتاج في الواقع ان يصل الى النخيب ومنها الى كربلاء وبعدها الى بغداد.
وقال احمد إن هذه الفترة اصبحت 3 ايام منذ سقوط الرمادي وذلك بسبب تشديد الاجراءات الامنية. وعادة ما يضطر المسافر ذهابا وايابا الى المبيت في الحصيبة ثم في النخيب ثم في كربلاء حيث يرافقهم عسكريون حتى مخارج المدينة لضمان عدم ضياعهم داخلها.
ايضا كان المسافرون يدفعون ما بين 20 الى 25 الف دينار لسيارة اجرة بين الموصل وبغداد اما الان فيحتاج المسافر الى ما لا يقل عن 400 الف دينار لقطع المسافة ذاتها.
ايضا بالنسبة لمن يرغب في دخول الموصل قادما من الخارج فعليه ان يتخلى تماما عن فكرة الخروج منها مرة اخرى.
ومن جهة اخرى يمكن لسكان الموصل التحرك باتجاه غرب البلاد الى سوريا بحرية تامة واصبح اعتياديا بالنسبة للبعض دخول الاراضي السورية للتسوق ثم العودة الى الموصل. فلا حدود تفصل حاليا بين المنطقتين وحتى سيارات الاجرة تتحرك على الجانبين.
الموصل يحكمها اجانب
الاجانب في كل مكان تقريبا في الموصل وهم يشغلون حاليا كل المناصب العليا في المدينة. فمثلا، عميد جامعة الموصل افغاني ومدير دائرة الطرق والجسور الماني .. وهلم جرا اما العاملون فعراقيون وعادة ما يقوم هؤلاء المسؤولون الاجانب بارسال رسائل استدعاء الى العراقيين الذين يرفضون الالتحاق بوظائفهم لاجبارهم على ذلك وإذا رفض الموظف الالتحاق، ايا كان نوع عمله، فتتم معاقبته بمختلف الطرق.
من جانب آخر يتدفق اجانب على الموصل قادمين من سوريا وعادة ما يدخلون الاراضي السورية عبر تركيا ولكن يتم ذلك عن طريق التهريب وليس بشكل رسمي.
احمد نقل عن ابنة اخته التي تمكنت من زيارته في بغداد بعد رحلة طويلة وشاقة أن اجانب كثيرين موجودون في الموصل ويقيمون حاليا في البيوت التي تركها اصحابها لسبب او لاخر ومنها بيوت المسيحيين والاقليات الاخرى وهؤلاء الاجانب جاؤوا من كل بقاع العالم.
أحمد تحدث عن كيفية قيام المسلحين باقتحام البيوت وسرقة المتاع والاثاث وكل ما فيها ونقلها الى حيث يشاؤون.
البطالة منتشرة بشكل واسع
اصبح اسهل عمل يمتهنه من لا عمل له او من حتى من له عمل هو سائق سيارة اجرة غير ان الملاحظ ان الجميع يفعلون ذلك واصبح الشارع مزدحما بسيارات اساتذة الجامعة والمهندسين والموظفين بمختلف اشكالهم ووظائفهم. وقال احمد إن الاحوال المادية سيئة للغاية حتى ان سائق الاجرة لا يحصل إلا على الفي دينار يوميا.
أما العملة التي يستخدمها داعش في الموصل ما زالت الدينار العراقي الى جانب الدولار ولكن لا وجود لمكاتب صيرفة وما شابه فالدولار يتم تداوله سرا تقريبا.
الدواعش يزيلون اسم الرسول من على الجوامع
قال أحمد إن داعش دمر الجوامع التي تحوي مراقد مثل جامع النبي شيت والنبي يونس والنبي جرجيس وغيرهم.
اما بقية الجوامع فظلت كما هي عدا انهم إن وجدوا عليها اسم النبي محمد ازالوه وإن كان محفورا على حجر الجامع جاؤوا بكسارة لمحوه رغم ان رايتهم السوداء كتب عليها لا اله الا الله محمد رسول الله.
أحمد قال ايضا إن اهالي الموصل يعرفون جيدا ويدركون ان هذا التنظيم لا علاقة له بالاسلام لا من قريب ولا من بعيد.
هؤلاء المسلحون يدمرون اسم الرسول ولكنهم يجبرون الجميع على التوجه الى الجوامع للصلاة ويسيرون دوريات للتفتيش عن المتخلفين عن الالتحاق بالصلاة وإذا ما عثروا على واحد منهم يلقنونه درسا عن طريق الضرب والجلد. في هذه الاثناء على الجميع ان يتركوا كل ما في ايديهم وحتى محلاتهم مفتوحة بما فيها من نقود ومال وبضاعة للتوجه الى الجامع.
دمروا جميع الكنائس وسرقوا الاثار
ما عادت في الموصل اي كنيسة تقف شامخة امام الدواعش لانهم دمروها كلها. احرقوا عددا منها وحطموا عددا آخر وهدوا جزءا ثالثا واحيانا يمكنك ان ترى المكان الذي كانت تقف فيه كنيسة مثل ارض خربة وعليها شواخص بلا معالم واضحة.
الدواعش قاموا ايضا بسرقة كل ما يمكن سرقته من آثار ونقلوا أغلب المسروقات الى الرقة وتم ذلك بمساعدة البعض من اهالي الموصل. هذه المساعدة جاءت بسبب الحاجة والجوع غير ان هناك سبب آخر وهو ان الدواعش عندما يدعون آخرين لفعل شئ ما تمثل هذه الدعوة أمرا على الاخرين طاعته وبالتالي لا يمكن لأحد ان يقول لا.
من يقاوم يعاقب بلا رحمة
في البداية عندما اراد المسلحون تدمير جامع النبي يونس احتج البعض ودخلوا الجامع واعتصموا فيه اعتقادا منهم ان المسلحين سيمتنعون عن تفجيره. غير ان قائد الجماعة اعطى امرا بتفجير الجامع بمعتصميه ثم ارسل رجاله اليهم ليبلغهم بهذا القرار فرفضوا الخروج غير ان المسلحين اخذوا يسحبونهم واحدا واحدا باستخدام القوة الى خارج الجامع، ثم فجروه.
وبعدها توجهوا الى المعتصمين واشبعوهم ضربا ثم جلدا امام الناس.
أحمد اكد ان اهالي الموصل يلتزمون الصمت حاليا خوفا على حياتهم وعلى حياة احبتهم لكنهم يتمنون لو يأتي يوم ليتخلصوا فيه من هؤلاء وليطهروا مدينتهم منهم.