تعتبر جمهورية التشيك من بين البلدان التي حافظت على وتيرة علاقاتها مع العراق خلال العقود الماضية بل حرصت على تقويتها وتوسيعها بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الصديقين.
هذا ما أكده عضوا غرفة التجارة المشتركة بين التشيك وإقليم كردستان جيري جيبل وعادل عكيد صديق اثناء حديثهما لإذاعة العراق الحر بمناسبة زيارة وفد زراعي ومائي من الإقليم الى براغ لبحث فرص التعاون الاقتصادي والتجاري.
واكد المتحدثان ان إقليم كردستان أصبحت بوابة تجارية واقتصادية لعموم العراق بسبب الظروف الأمنية التي تمر بها باقي مناطق البلاد، وان جمهورية التشيك تستغل هذه البوابة لتوسيع نطاق تعاملها التجاري مع جمهورية العراق.
ويضيف جيري جيبل ان زيارة وزير الزراعة والثروة المائية في حكومة إقليم كردستان عبد الستار مجيد الى براغ أخيرا يدخل في هذا الإطار، ومن بين أولى نشاطات الغرفة التجارية المشتركة بين التشيك والاقليم، وكانت زيارة استطلاعية ومن المؤمل تنفيذ مشاريع مشتركة، ومنها تخصيص مقاعد دراسية للطلبة لدراسة العلوم الزراعية في التشيك، وأيضا ارسال معدات زراعية تشيكية من نوع (زيتور) الى كردستان وعموم العراق التي اشتهرت في العقود السابقة وتوقف تصديرها في عقد التسعينيات، وصيانة الموجود منها هناك.
وبالنظر لتشابه الظروف الجغرافية والطبيعية بين إقليم كردستان والتشيك الجبلية فهناك مجالات تعاون مفتوحة حسب قول جيري جيبل مثل بناء السدود وصيانتها واحياء الغابات والادغال في الإقليم خاصة وان شركة (ريا) التشيكية تحظى بسمعة عالمية في بناء وصيانة السدود الكهرو -مائية.
يذكر ان العلاقات التاريخية بين إقليم كردستان وجمهورية التشيك تعود الى عقود عدة حتى قبل ظهور الإقليم والجمهورية التشيكية بشكلهما الحاليين، اذ حرص زعيم حركة التحرر الكردية الملا مصطفى البرزاني بعد عودته من منفاه في الاتحاد السوفيتي (سابقا) عام 1959 على زيارة جمهورية تشيكوسلوفاكيا (سابقا) قبل عودته الى بلاده.
ويشير جيري جيبل الى ان التعاون بين البلدين التشيك والعراق لم يقتصر على الجوانب الاقتصادية بل شملت ايضا الجوانب الفنية والأثرية اذ شاركت التشيك في صيانة مواقع اثرية عدة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر قلعة اربيل في كردستان والبيوتات الاثرية فيها وآثار المدائن في الكوت، ومنارة الحدباء في الموصل التي نفذتها شركة (غيما -آرت Gema Art)، والتي قامت ايضا بتدريب المئات من الكوادر العراقية على حماية الآثار وحفظ الوثائق.
وقد شهدت السنوات القليلة الماضية تبادل الزيارات الرسمية بين المسؤولين في البلدين وعلى اعلى المستويات، نظرا لفرص الاستثمار الكبيرة في العراق ولرغبة التشيك المساهمة في مشاريع الاعمار والبناء تلك، حيث زار براغ رئيس مجلس وزراء العراق السابق نوري المالكي كما زار بغداد نظيره التشيكي بيتر نيتشاص.
ويعود تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الى خمسينيات القرن الماضي حيث تم توقيع اول اتفاقية للتعاون الثقافي بين البلدين عام 1959 وكانت جمهورية التشيك تحمل حينها اسم جمهورية تشيكوسلوفاكيا، ثم اتبعتاه باتفاقية النقل الجوي 1960، واتفاقية موسعة 1977، واتفاقية قنصلية 1985، ومذكرة تفاهم 2007 وهي اول اتفاقية مع جمهورية التشيك بعد تغير اسمها وانفصال الجزء السلوفاكي عنها.
وقد ركزت الزيارات المتبادلة الأخيرة على رغبة العراق في الحصول على أسلحة ومعدات منها مقاتلات تشيكية من نوع L-159، كما ان وزير الخارجية التشيكي لوبومير زاورليك كان قد اعلن اثناء زيارته للعراق وإقليم كردستان عن استعداد حكومة بلاده لمساعدة قوات البيشمركة في اطار جهودها الدولية في محاربة الإرهاب، وقال جيري جيبل في هذا الشأن انه تم بحث هذا الامر اثناء زيارة وزير داخلية إقليم كردستان كريم سنجاري الى براغ أخيرا وان هناك دعم تشيكي حقيقي لإقليم كردستان في مجال محاربة داعش.
يذكر أن حجم التبادل التجاري بين العراق جمهورية التشيك يشهد نمواً مضطردا بلغ نحو 40% أخيرا لتصل قيمته الاجمالية الى ما يزيد عن ملياري دولار.
ويحرص رجال الاعمال العراقيين والتشيك على اللقاء المتبادل في بغداد وبراغ عبر غرف التجارة المشتركة وبشكل مباشر، ولمعرفة الفرص والتحديات امام الجانبين أكد المهندس عادل عكيد صديق عضو غرفة التجارة المشتركة بين جمهورية التشيك وإقليم كردستان ومدير عام شركة (شيرين) والوكيل الحصري لشركة سكودا للسيارات التشيكية، حيث قال ان الظروف الأمنية في باقي انحاء العراق تضطر الكثير من الشركات العالمية الى اتخاذ إقليم كردستان كمقر عمل وهي تأمل في الانتشار في باقي المحافظات ومنها شركة (سكودا) التشيكية للسيارات، ويضيف أن هناك أسبابا أخرى تقف وراء هذا الامر منها الروتين والفساد، وأيضا غياب النظام المصرفي في عموم العراق بما فيه إقليم كردستان.
هذا ولم تقتصر العلاقات بين البلدين على الجانب الرسمي فحسب كما أسلفنا بل وشملت أيضا الجانب الشعبي ومنذ اللحظات الأولى حيث لجأ الى جمهورية تشيكوسلوفاكيا في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي المئات من الشخصيات السياسية والفكرية والثقافية العراقية هربا خلال فترة الانقلابات العسكرية المتعاقبة أبرزهم الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري الذي تحول منزله في براغ الى متحف رسمي، وترأس فيها الجواهري جمعية للدفاع عن حريات الشعب العراقي وحقوقه في وجه الأنظمة العسكرية والحزبية العنصرية والشوفينية.
كما ان إذاعة العراق الحر التابعة لإذاعة اوربا الحرة – إذاعة الحرية انطلقت من براغ اثناء تأسيسها عام 1998 لتنوير الشعب العراقي بحقوقه وحرياته في ظل النظام السابق.