يلقي بيتر سافودنيك في كتابه (الدخيل: لي هارفي أوزوالد في الاتحاد السوفيتي) نظرة على دوافع فرار أوزوالد من أميركا، ولجوئه الى الاتحاد السوفيتي السابق وعلى فترة اقامته في مدينة مينسك عاصمة بيلاروس. كما يبحث في الاسباب التي دفعت به الى اطلاق النار من بندقيته من الطابق السادس من مستوع للكتب في مدينة دالاس الاميركية على الرئيس الاميركي جون كينيدي في 22 تشرين الثاني 1963.
تفاصيل كل ذلك في حوار اجرته مع المؤلف مراسلة اذاعة اوروبا الحرة Heather Maher:
المراسلة: تشير في كتابك إن قرار لي هارفي أوزوالد باللجوء الى الاتحاد السوفيتي كان حلقة في سلسلة من التعاسات التي ظلت تهيمن على اوزوالد طوال حياته.
سافودنيك: قبل التحاق اوزوالد بمشاة البحرية وهو في الـ17 من عمره ومغادرته المنزل كان أوزوالد قد انتقل مع أمه من مسكن إلى آخر 20 مرة، وكل مرة كان سبب الانقال يعود إلى فشل ما من جانب الأم: علاقة فاشلة،أو فقدان للعمل، أو ما شابه ذلك من أزمات. المهم هو أن أوزوالد لم يكن لديه طوال فترتي طفولته وبلوغه أي منزل بالمعنى العائلي أو أي شعور بالانتماء. فلو نظرت إلى مغامرته السوفيتية من هذا المنظار، فسريعا ما سيبدو واضحا أن الدافع الأساسي لذهابه إلى هناك ـ حتى وإن كان لا يدرك ذلك بنفسه ـ كان من أجل البحث عن شيء من الديمومة وعن مكان يمكنه اعتباره مسكن له.
المراسلة: لماذا الاتحاد السوفيتي؟ ما الذي كان يراه في تلك البلاد وما الذي كان يريد أن يفعله لدى وصوله؟
سافودنيك: أعتقد أن أولى المغريات بالنسبة له كانت تتمثل في الشيوعية أو الماركسية، مع كل ما تتضمناه من خطاب عنيف وعدواني يستهدف قلب المفاهيم أو القوى القائمة. هذا بالتأكيد كان يتفاعل وينمي غضب أوزوالد وشعوره بعدم الانتماء. ولم تكن خطوة رحيله إلى الاتحاد السوفيتي خطوة صعبة، كي يجد هناك ما يجسد الفكر الثوري الماركسي الذي طالما سمع وقرأ عنه.
أما الامر الأكثر جاذبية من وجهة نظر أوزوالد فكان أن ما من بلد كان يفند ما تمثله أميركا التي فر منها، مثلما كان يفعل الاتحاد السوفيتي.
المراسلة: أوزوالد كان في موسكو حين طلب الحصول على الجنسية السوفيتية. ما الذي جعل السلطات ترحله إلى مينسك، على بعد 675 كيلومترا عن موسكو؟
سافودنيك: ما كان يهم المخابرات السوفيتية بالدرجة الأولى هو إبعاد أوزوالد عن أي شيء أو شخص مهم، فكانت تريده في مكان هادئ وممل، الأمر الذي فعلوه مع معظم الأميركيين الفارين والذين تم إرسال معظمهم إلى أوكرانيا وليس إلى بيلاروس. المهم كان يتمثل في إبعادهم عن العاصمة.
المراسلة: حياة أوزوالد في مينسك بدأت على نحو جيد، ولكن الأمر انتهى له بالتعاسة. ما الذي جعله يفقد حماسه تجاه الحياة السوفيتية؟
سافودنيك: أهم تغيير خلال مكوثه في مينسك كان هبوطه التدريحي منذ البداية من مستوى النجومية. كان نجما خلال الأشهر الستة الأولى، كانت حالة غريبة: ذلك الأميركي المقيم في مينسك. ولكن مع مرور الزمن تراجع ذلك الوضع، فبعد أن تعوّد الناس على وجوده بدأ الاهتمام به يتراجع.
النقطة الثانية هي أن الروتين اليومي في مينسك كان مملا وبطيئا، فلم تكن المدينة حافلة بالنشاط والحركة، ما أدى إلى الشعور بالملل والضجر.
وفوق كل ذلك، بعد أن مر على مكوثه في مينسك أكثر من سنة، باتت مراقبته من قبل المخابرات واضحة، ما زاد من شعوره بالتهميش ومن رغبته في الوجود في مجتمع أكثر اتساعا.
المراسلة: حين عاد الى الولايات المتحدة في 1962 - واتضح أنه لم تسقط عنه جنسيته الأميركية - تقول في كتابك إن شعوره بالغضب واليأس الذي دفعه في الأساس إلى المغادرة، ازداد تفاقما. لماذا؟
سافودنيك:كان يفترض أن الاتحاد السوفيتي سيضع حدا لهيمانه وتشتته، ولكن تجربته هناك انتهت بالفشل، وأعتقد أن أوزوالد بأنه هو الذي فشل وأن طموحه الكبير تجاه الديمومة قد خرج عن مساره.
المراسلة: صف لنا حالته النفسية إثر عودته إلى الولايات المتحدة. كيف انتهى به الأمر في مستودع للكتب المدرسية وهو يحمل بندقية؟
سافودنيك: الأشهر الـ17 الأخيرة من حياة أوزوالد تنسجم تماما مع النمط الأوسع لحياته، فلقد استأنف التنقل المتكرر بشكل جنوني بحثا عن أي مكان ينجيه من تلك الحالة وذلك المصير ولكنه استمر في الإخفاق والفشل إلى حين استسلامه لذلك العنف المتنامي في عقله، ثم اكتشف أن الرئيس قادم إلى دالاس، فقرر قتله. لقد نوقش موضوع الاغتيال مرارا وتكرارا وبكل تفاصيله، ولكن الأكثر إثارة من جميع تلك التفاصيل هو الحالة النفسية المؤدية الى عملية الاغتيال.
المراسلة: هل تعتبر أوزوالد شخصية تاريخية غير مفهومة تماما؟ هل يرونه الناس بصورة خاطئة؟
سافودنيك: هناك نقص حقيقي في النقاش حول أوزوالد، فلقد أصر معظمنا على النظر إليه كعجلة صغيرة في رواية بوليسية، ما يجعل صورته مبهمة وأحادية البعد. لم نتعرف أبدا على أوزوالد نتيجة إصرارنا على ذلك ويروق لنا أن ننسب إليه الغموض. ولكن التمعن في الأمر يجعلنا ندرك بأنه ليس غامضا أو لغزا، بل كان شخصية بالغة التعقيد. لكننا لو أمعنا النظر في فترة حياته في الاتحاد السوفيتي فسنتمكن من إزالة الغموض عن تلك العقد والتعقيدات.
تفاصيل كل ذلك في حوار اجرته مع المؤلف مراسلة اذاعة اوروبا الحرة Heather Maher:
المراسلة: تشير في كتابك إن قرار لي هارفي أوزوالد باللجوء الى الاتحاد السوفيتي كان حلقة في سلسلة من التعاسات التي ظلت تهيمن على اوزوالد طوال حياته.
سافودنيك: قبل التحاق اوزوالد بمشاة البحرية وهو في الـ17 من عمره ومغادرته المنزل كان أوزوالد قد انتقل مع أمه من مسكن إلى آخر 20 مرة، وكل مرة كان سبب الانقال يعود إلى فشل ما من جانب الأم: علاقة فاشلة،أو فقدان للعمل، أو ما شابه ذلك من أزمات. المهم هو أن أوزوالد لم يكن لديه طوال فترتي طفولته وبلوغه أي منزل بالمعنى العائلي أو أي شعور بالانتماء. فلو نظرت إلى مغامرته السوفيتية من هذا المنظار، فسريعا ما سيبدو واضحا أن الدافع الأساسي لذهابه إلى هناك ـ حتى وإن كان لا يدرك ذلك بنفسه ـ كان من أجل البحث عن شيء من الديمومة وعن مكان يمكنه اعتباره مسكن له.
المراسلة: لماذا الاتحاد السوفيتي؟ ما الذي كان يراه في تلك البلاد وما الذي كان يريد أن يفعله لدى وصوله؟
سافودنيك: أعتقد أن أولى المغريات بالنسبة له كانت تتمثل في الشيوعية أو الماركسية، مع كل ما تتضمناه من خطاب عنيف وعدواني يستهدف قلب المفاهيم أو القوى القائمة. هذا بالتأكيد كان يتفاعل وينمي غضب أوزوالد وشعوره بعدم الانتماء. ولم تكن خطوة رحيله إلى الاتحاد السوفيتي خطوة صعبة، كي يجد هناك ما يجسد الفكر الثوري الماركسي الذي طالما سمع وقرأ عنه.
أما الامر الأكثر جاذبية من وجهة نظر أوزوالد فكان أن ما من بلد كان يفند ما تمثله أميركا التي فر منها، مثلما كان يفعل الاتحاد السوفيتي.
المراسلة: أوزوالد كان في موسكو حين طلب الحصول على الجنسية السوفيتية. ما الذي جعل السلطات ترحله إلى مينسك، على بعد 675 كيلومترا عن موسكو؟
سافودنيك: ما كان يهم المخابرات السوفيتية بالدرجة الأولى هو إبعاد أوزوالد عن أي شيء أو شخص مهم، فكانت تريده في مكان هادئ وممل، الأمر الذي فعلوه مع معظم الأميركيين الفارين والذين تم إرسال معظمهم إلى أوكرانيا وليس إلى بيلاروس. المهم كان يتمثل في إبعادهم عن العاصمة.
المراسلة: حياة أوزوالد في مينسك بدأت على نحو جيد، ولكن الأمر انتهى له بالتعاسة. ما الذي جعله يفقد حماسه تجاه الحياة السوفيتية؟
سافودنيك: أهم تغيير خلال مكوثه في مينسك كان هبوطه التدريحي منذ البداية من مستوى النجومية. كان نجما خلال الأشهر الستة الأولى، كانت حالة غريبة: ذلك الأميركي المقيم في مينسك. ولكن مع مرور الزمن تراجع ذلك الوضع، فبعد أن تعوّد الناس على وجوده بدأ الاهتمام به يتراجع.
النقطة الثانية هي أن الروتين اليومي في مينسك كان مملا وبطيئا، فلم تكن المدينة حافلة بالنشاط والحركة، ما أدى إلى الشعور بالملل والضجر.
وفوق كل ذلك، بعد أن مر على مكوثه في مينسك أكثر من سنة، باتت مراقبته من قبل المخابرات واضحة، ما زاد من شعوره بالتهميش ومن رغبته في الوجود في مجتمع أكثر اتساعا.
المراسلة: حين عاد الى الولايات المتحدة في 1962 - واتضح أنه لم تسقط عنه جنسيته الأميركية - تقول في كتابك إن شعوره بالغضب واليأس الذي دفعه في الأساس إلى المغادرة، ازداد تفاقما. لماذا؟
سافودنيك:كان يفترض أن الاتحاد السوفيتي سيضع حدا لهيمانه وتشتته، ولكن تجربته هناك انتهت بالفشل، وأعتقد أن أوزوالد بأنه هو الذي فشل وأن طموحه الكبير تجاه الديمومة قد خرج عن مساره.
المراسلة: صف لنا حالته النفسية إثر عودته إلى الولايات المتحدة. كيف انتهى به الأمر في مستودع للكتب المدرسية وهو يحمل بندقية؟
سافودنيك: الأشهر الـ17 الأخيرة من حياة أوزوالد تنسجم تماما مع النمط الأوسع لحياته، فلقد استأنف التنقل المتكرر بشكل جنوني بحثا عن أي مكان ينجيه من تلك الحالة وذلك المصير ولكنه استمر في الإخفاق والفشل إلى حين استسلامه لذلك العنف المتنامي في عقله، ثم اكتشف أن الرئيس قادم إلى دالاس، فقرر قتله. لقد نوقش موضوع الاغتيال مرارا وتكرارا وبكل تفاصيله، ولكن الأكثر إثارة من جميع تلك التفاصيل هو الحالة النفسية المؤدية الى عملية الاغتيال.
المراسلة: هل تعتبر أوزوالد شخصية تاريخية غير مفهومة تماما؟ هل يرونه الناس بصورة خاطئة؟
سافودنيك: هناك نقص حقيقي في النقاش حول أوزوالد، فلقد أصر معظمنا على النظر إليه كعجلة صغيرة في رواية بوليسية، ما يجعل صورته مبهمة وأحادية البعد. لم نتعرف أبدا على أوزوالد نتيجة إصرارنا على ذلك ويروق لنا أن ننسب إليه الغموض. ولكن التمعن في الأمر يجعلنا ندرك بأنه ليس غامضا أو لغزا، بل كان شخصية بالغة التعقيد. لكننا لو أمعنا النظر في فترة حياته في الاتحاد السوفيتي فسنتمكن من إزالة الغموض عن تلك العقد والتعقيدات.