بيروت
بعدما أكّد رئيس الحكومة اللبناني تمّام سلام في الأسابيع الماضية أنه باقٍ على رأس الحكومة ولن يستقيل على رغم تصعيد "التيار الوطني الحر"، ها هو اليوم يلوّح بالاستقالة على خلفية العجز عن حلّ ملف النفايات التي تراكمت في شوارع العاصمة والمناطق اللبنانية بسبب انتهاء العقد مع الشركة ومع المطمر من دون ايجاد البديل.
مشكلة النفايات انفجرت قبل عشرة ايام، عندما انتهى العقد مع شركة سوكلين التي تقوم بعمليات الكنس ونقل النفايات إلى مطمر في منطقة الناعمة جنوب بيروت. وترافق انتهاء العقد مع احتجاجات نفّذها أهالي المناطق المحيطة بالناعمة رفضاً للعودة الى طمر النفايات في منطقتهم.
ولكن الحكومة، وعلى رغم معرفتها بتاريخ انتهاء العقد مسبقاً بالطبع، لم تقم بتأمين البديل. وتبيّن خصوصاً أن أحدا لم يتقدّم في المناقصة التي طرحت لإزالة النفايات من العاصمة، ما فاقم المشكلة. وهكذا تراكمت النفايات في الطرق وتحوّلت الى جبال من الأوساخ، باتت تهدّد صحّة المواطن وتلوِّث سماء العاصمة والمناطق بانبعاث الروائح الكريهة والجراثيم، خصوصاً مع ارتفاع درجات الحرارة.
واجتمعت الحكومة الخميس الماضي، ولكن لم تتمكن من الوصول الى نتيجة، خصوصاً أن وزراء "التيار الوطني الحر" يساندهم وزيرا "حزب الله" كانوا مصرين على بحث آلية عمل الحكومة قبل أي شيء آخر. وهذا الأمر زاد في استياء رئيس الحكومة الذي بدأ يفكر في الاستقالة أو الاعتكاف.
حلول فعرقلة
والأحد بدأت شركة سوكلين بجمع النفايات المتراكمة من الطرق بعد قرار بنقل هذه النفايات الى مطمر قديم في منطقة سبلين جنوب بيروت. إلّا أن الأهالي اعترضوا في شدّة، وقاموا بقطع الطريق السريع عند منطقة الجيّة، وهو طريق رئيسي يربط الجنوب بالعاصمة. وتحاول القوى الأمنية فتحها بالقوة، ما أدّى إلى حصول اشتباك بالأيدي وإصابة ثلاثة أشخاص بجروح.
وقد تفجر الملف داخل البيت السنّي، اذ اتخذت "الجماعة الاسلامية" موقفاً داعماً لرفض الأهالي في عكار أو في إقليم الخروب. واعتبر ناشطون إسلاميون أن وزير الداخلية نهاد المشنوق والبيئة محمد المشنوق، مدعومين من نواب "المستقبل"، وفّرا حلولاً على حساب المناطق ذات الاكثرية السنية، ما دفع وزير الداخلية إلى التصريح بعد اجتماع برؤساء البلديات "بأن شيئا لن يحصل إلّا بعد موافقة الأهالي".
وفي ضوء غياب الحلول، بدأ الرئيس سلام يفكر بالاستقالة أو بالاعتكاف لوضع الجميع أمام مسؤولياتهم. ولكنه يبدو عملياً محاصراً وغير قادر على الخروج من المأزق بسبب العثرات الدستورية.
واستناداً إلى رأي رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني، فإن استقالة سلام هي " لزوم ما لا يلزم". وقال إنّ "هذه الحكومة هي حكومة تصريف أعمال في ظل مجلس نواب غير شرعي (مدّد لنفسه). والاستقالة أو عدمها هي عينها. كما أن الاستقالة لا تعفي الوزراء من مسؤولياتهم، بما أنه لا فراغ في السلطة، لأن الاستقالة لا تُقبل إلا مع تأليف حكومة جديدة." فعندما يستقيل رئيس الحكومة يصرّف الأعمال الى حين تشكيل أخرى جديدة. أما الاعتكاف، في رأيه، فلا يعفي من المسؤولية "لأنه اذا حصل ضرر ما من جراء الاعتكاف يكون المعتكف، أكان رئيس حكومة أم أحد الوزراء، مسؤولاً شخصياً عن الضرر.
وهذا يعني أن حكومة سلام ستبقى تصرّف الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة. ولكن تشكيل الحكومة يحتاج إلى إجراء استشارات ملزمة يقوم بها رئيس الجمهورية، وهو غير موجود. وهذا ما يجعل قيام حكومة جديدة أمراً متعثراً ما لم يتم انتخاب رئيس للجمهورية، هذا عدا عن الصعوبات السياسية التي ستواجه قيام حكومة اليوم.
وفي هذه الأجواء، عجّت دارة الرئيس سلام في بيروت بالوفود التي دعته إلى عدم الإقدام على الاستقالة. كما علم بأن سفراء الدول الغربية اتصلوا بسلام أيضاً لثنيه عن قرار الاستقالة.
وانتظار اتضاح الصورة، صرّح وزير العمل سجعان قزي بأن "البعض يريد أن يحوّل النفايات ضد الرئيس سلام مثلما جرى تحويل الدواليب المحروقة في العام 1992 ضد الرئيس عمر كرامي، لكن الرئيس سلام لن يقبل بهذا الامر وهو مستعد لقلب الطاولة في وجه الجميع".