يدعو معنيون الى الوقوف أمام حوادث الانتحار التي شهدها العراق خلال السنوات الاخيرة، وبخاصة بين اوساط الشباب والمراهقين، ومن كلا الجنسين، ومحاولة دراستها عن قرب، بالرغم من الصعوبات العديدة التي تواجه فرق البحث الإجتماعي نتيجة رفض عائلات المنتحرين التحدث في مثل هذا الموضوع، او اعطاء اية معلومات تتعلق بحالات الأشخاص الذين أقدموا على الإنتحار او حاولوا تنفيذه.
ويقول مختصون ان ظاهرة الانتحار ليست بجديدة على المجتمع العراقي، وليست وليدة عهد ما بعد عام 2003، ويشيرون الى ان العراق ربما تقل فيه حالات الانتحار اذا ما قورن بدول اخرى.
انتحار الايزيديين
وتتابع وزارة حقوق الانسان حوادث الانتحار التي سجلت ارقاماً عالية في شمال العراق وجنوبه، لا سيما في محافظة ذي قار التي شهدت مؤخرا زيادة في نسبة الانتحار بين الشباب والمراهقين. ويشير المتحدث باسم الوزارة كامل امين الى ان اول تشخيص للوزارة لظاهرة الانتحار كان قبل خمس او ست سنوات عند الشباب الآيزيدي، وبيّن ان الوزارة رفعت توصيات بشأن هذه الظاهرة واتصلت بالمثقفين الايزيديين وبزعماء طائفتهم من اجل التثقيف والتوعية بشأنها، مضيفاً: "أعزو ذلك التقاليد والاعراف الاجتماعية المحافظة، وتعرّض الشباب من كلا الجنسين بعد عام 2003 الى الفضائيات ووسائل الاتصال، وما يتم عرضه من برامج، فالشاب حاول ان ينفتح كحال المجتمعات الاخرى، لكنه اصطدم بالتقاليد الإجتماعية الصارمة، ولعدم قدرته على تجاوز المحددات يلجأ الى انهاء حياته، الى جانب اسباب اخرى كالفقر الشديد وغيرها".
تكتم إجتماعي
ويقول امين ان وزارة حقوق الانسان حصلت قبل سنوات ايضا على معلومات مؤكدة بزيادة حالات الانتحار لدى الشباب في كربلاء، وان احد الباحثين اجرى دراسة عن الظاهرة لمدة 11 شهراً سجل خلالها اكثر من 120 حالة انتحار او محاولة انتحار اغلبها بين الفتيات الشابات والمراهقات، مشيراً الى انه عندما ارسلت الوزارة فريقاً للبحث عن الظاهرة لم يستطع الحصول على اية معلومة، لا من الاهالي، ولا من الناجين من الانتحار، ولا حتى المستشفيات التي رفضت تزويدهم بالمعلومات.
ويذكر أمين سجلت الوزارة مؤشرات عن زيادة حالات الانتحار في محافظة ذي قار لاسباب مختلفة منها التأثر بالمسلسلات ونتائج الامتحانات، وان بعضاً من الذين تم انقاذهم اشاروا الى عدم معرفتهم بالاسباب التي دفعتهم للانتحار، واصفاً إياها بانها تكتّم على الانتحار، ويلجأ الاهالي الى تسجيلها كقضاء وقدر.
واشار امين الى تزايد الظاهرة في اقليم كردستان العراق ايضا لاسباب مختلفة، منها اسباب عاطفية واحيانا تقتل الفتاة (غسلاً للعار) لكن عائلتها تؤكد انها انتحرت، داعياً جميع المتخصصين الى دراسة ظاهرة الانتحار وزيادة الوعي في المجتمع وبين اوساط الشباب والمراهقين، واشار الى حصول حالة انتحار واحدة لاحدى النازحات لكنه لايمتلك معلومات عن الحادث.
فقر وتقاليد
ويفق باحثون ومعنيون على ان اسباب الانتحار في العراق هي نفسية واجتماعية واقتصادية. ويشير الباحث بالاجتماع الدكتور محمد عبد الحسن الى ان العوز والفقر وتهميش المرأة تعد من الاسباب التي ادت الى زيادة اعداد المنتحرين في ذي قار، كما ان التقاليد كثيرا ما تدفع بالمرأة في المجتمعات المغلقة الى الانتحار.
ويذكر عبد الحسن ان هناك قضية في غاية الاهمية لم يسلط الضوء عليها، نظراً لحراجتها في المجتمع العراقي، مشيراً الى ان بعض حالات الانتحار جاءت نتيجة حالات زنا بالمحارم، فقد تندفع الفتاة للانتحار او ان تقتل ويبرر الفعل بانها انتحرت، واغلب اللواتي تعرضن لمثل هذه الحالات من المراهقات.
وانتقد عبد الحسن الجهات المختصة التي لم تولِ ظاهرة الانتحار الاهتمام الكافي ربما لان الانتحار امر مرفوض اجتماعياً خاصة بالنسبة للفتيات، إذ ان المجتمع يعد التي تنتحر وصمة عار، وان هناك شائبة ما على التي تقدم على الانتحار.
الانتحار (الايجابي)
واشار الباحث محمد عبد الحسن الى نوع من الانتحار الذي يطلق عليه )الانتحار الايجابي) او (انتحار الايثار) او (الانتحار المقدس)، وهو عندما تقدم المرأة على الانتحار لحماية (شرفها) من الانتهاك، والتي ينظر لها المجتمع نظرة احترام وتقدير، ولفت الى ان حوادث الانتحار التي حصلت بين النازحين تتأتى من زيادة حالة الاحباط نتيجة التنكيل الاجتماعي وفقدان مكانة الشخص الاجتماعية، وعدم تقبل الواقع الجديد الذي جاء فجاة وغيّر حياته الطبيعية. واوضح الباحث ان الشخص الذي لديه نرجسية عالية وحب الذات يكون اكثر عرضة للانتحار، اذا ما فاجأه وضع شديد القسوة غير قادر على تقبله.
ويقول عبد الحسن ان المجتمع اعتاد على تصنيف المنتحرين الى "الشجعان"، كما يتمثل في اقدام نساء على قتل انفسهن لمنع الاعتداء عليهن، اما الذي ينتحر لاسباب اقتصادية وعاطفية واجتماعية فيصنف في خانة الاشخاص "الانهزاميين".
حاجات واحباطات
وفي جميع الاحوال، تكمن الاسباب الرئيسة للانتحار في شخصية الفرد نفسه وسايكولوجيته داخل البيت والمجتمع. ويوضح الباحث في علم النفس الدكتور صاحب الجنابي ان حالات الانتحار تزداد بين الشباب نتيجة حالات الاحباط المستمرة، وبسبب عدم تلبية احتياجاتهم، ومقارنة وضعهم مع وضع اقرانهم او اصدقائهم، فيشعر الشاب بوجود فجوة كبيرة بينه وبينهم.
ويقول الجنابي ان ظاهرة الانتحار لا تقتصر على طبقة دون اخرى فهي تحدث عند الطبقة الغنية بسبب الفراغ الفكري والثقافي ووجود احباطات عاطفية، ولدى الطبقة الفقيرة نتيجة العوز والفقر وغيرها.