حذر مسؤولون ومراقبون من التداعيات الأمنية والسياسية للهجوم الإنتحاري الذي هز مدينة سروج التركية التابعة لولاية شانلي أورفا جنوب شرق تركيا على الحدود السورية، وسط قلق من وصول نيران الصراع السوري الى داخل الأراضي التركية.
وذكرت وزارة الداخلية التركية الاثنين أن انفجاراً في بلدة سروج قرب الحدود مع سوريا أسفر عن مقتل 27 شخصاً وإصابة نحو 100 يُعالجون في مستشفيات محلية، واصفةً الانفجار بأنه "عمل إرهابي".
وأفادت وكالة رويترز للانباء بأن لقطات تلفزيونية أظهرت جثثاً تحت أشجار خارج مبنى مركز ثقافي في البلدة التي يغلب على سكانها الأكراد بجنوب شرق تركيا وتقع على بعد نحو عشرة كيلومترات من الحدود السورية. ونقلت الوكالة عن أحد المسؤولين الذي رفض نشر اسمه قوله إن "الدلائل الأولية تشير إلى أنه هجوم انتحاري نفذه تنظيم الدولة الإسلامية".
"داعش" لا يمكن أن يتحرك بحرية دون مساعدة الإستخبارات التركية ... كاتب كردي
وإستنكر مواطنون ومراقبون أتراك وكرد تحدثوا لإذاعة العراق الحر، التفجير وإتهموا تنظيم "داعش" بالوقوف وراءه. وقال الكاتب والباحث الكردي منير شيخي المقيم في باطمان وكان متواجداً في مدينة سروج التي يطلق عليها كرد تركيا وسوريا إسم "برسوس"، إن التفجير استهدف مجموعة من الشابات والشبان ضمن اتحاد شبيبة التنظيمات الاشتراكية، وهو تنظيم لمجموعة من الشبان القادمين من إسطنبول لدعم (كوباني) كانوا مجتمعين، لافتاً الى أن التفجير أسفر عن مقتل 31 شخصاً. وأوضح شيخي أن حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تدعم بشكل صريح تنظيم "داعش" الذي قال انه لا يمكن أن يتحرك بحرية دون مساعدة الإستخبارات التركية.
التفجير إستكمال للمجزرة التي حصلت في كوباني مؤخراً ... صحفي من سروج
من جهته ذكر الصحفي الكردي السوري محمود بالي أن التفجير الذي نفذه إنتحاريان اسفر عن مقتل ما لايقل عن 30 شخصاً، وجرح عدد كبير من المدنيين، وقال ان أصابع الإتهام توجه لتنظيم "داعش" الذي يستهدف كوباني لعدم إعادة الحياة الى كوباني ومنع سكانها اللاجئين الى سروج من العودة اليها، وبحسب بالي، فان التفجير هو إستكمال للمجزرة التي حصلت في كوباني مؤخراً. ويرى بالي أن تركيا تتدخل بشكل كبير في المناطق الكردية داخل سوريا ولديها هاجس من أكراد سوريا، خاصة بعد إعتراف واشنطن بالإدارة الذاتية الكردية.
ووقع انفجار في بلدة كوباني الحدودية السورية يوم الاثنين وتضاربت الروايات بشأن سببه. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن سبب الانفجار سيارة ملغومة استهدفت نقطة تفتيش تابعة لوحدات حماية الشعب الكردية التي تسيطر على البلدة الواقعة على الحدود مع تركيا. لكن ناطقاً باسم هذه الوحدات صرّح بأن "انفجارات" وقعت في كوباني نتيجة انفجار عتاد أثناء عملية لازالة عبوات ناسفة لم تنفجر زرعها تنظيم "داعش".
ويؤكد الصحفي بالي في حديث لإذاعة العراق الحر أن الإنفجارات في كوباني كانت نتيجة إنفجار قذيفة هاون داخل المخزن الذي كان يضم قذائف هاون وكاتيوشا تركها تنظيم "داعش" داخل كوباني، وكانت الوحدات الكردية تقوم عادة بتفجيرها في الريف، لكن خطأ فنياً تسبب بتفجير المخزن وأسفر عن مقتل شخصين كانوا من حراس مخزن العتاد.
ويأتي التفجير في ظل الحديث عن إجتياح عسكري تركي مرتقب للأراضي السورية بعد أن نشرت تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي قوات عسكرية على طول أجزاء من حدودها مع سوريا خشية أن يمتد القتال بين القوات الكردية والجماعات المسلحة وقوات الحكومة السورية ومتشددي تنظيم الدولة الإسلامية لأراضيها.
التفجير محاولة لجر تركيا الى المستنقع السوري بشكل أكبر ... صحفي
من جهته، يرى الصحفي بجريدة ريفرنس التركية فراس ديب أن تفجيرات سروج محاولة لجر تركيا الى المستنقع السوري بشكل أكبر، أما بدفع الجيش التركي الى دخول سوريا أو بخلق جو من الحرب الأهلية في المنطقة الحدود التركية السورية، مشيراً الى أن المتضرر الأكبر من تفجير سروج هو الحكومة التركية لأن هذه التفجيرات سيتم إستغلالها كما تم إستغلال التفجيرات التي حصلت في ديار بكر قبيل الإنتخابات السابقة، وتركيا حالياً تتجه لإنتخابات مبكرة.
ويضيف ديب متحدثاُ لمراسل إذاعة العراق الحر من مدينة غازي عينتاب التركية، أن التفجير الإنتحاري في مدينة سروج التركية سيضر بشكل اساس بالسوريين في تركيا، كما أنه سيزيد من التوتر بين الحكومة التركية والأكراد في تركيا، لافتاً الى تباين اصداء التفجير في الصحافة التركية، حين سارعت صحف المعارضة الى إتهام تنظيم "داعش" بتنفيذ التفجير بينما الإعلام الحكومي تريث في نقل الحدث وبدون توجيه أصابع الإتهام الى أي طرف ودعا الى عدم التعاطي بتهور مع التفجير.
وتطرق ديب الى تناول بعض الصحف التركية المعارضة موضوع علاقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأفراد أسرته بأعضاء وقيادات تنظيم "داعش" فى سوريا والعراق؛ إذ إتهمت ابنته، سمية أردوغان، بترؤس هيئات وطواقم طبية سرية لعلاج جرحى تنظيم "داعش".
ويرى المحلل السياسي التركي محمد زاهد غول القريب من حزب العدالة والتنمية التركي أن تفجير سروج لا يتعلق بالتدخل التركي في سوريا، وهو مسألة داخلية لكن التفجير بالتأكيد سيكون له تداعيات إيجابية أو سلبية على الوضع التركي والإنتخابات المقبلة، وستكون إمتحان أمام حزب العدالة والتنمية، مشدداً على ضرورة أن تتبنى تركيا سياسة أكثر إتزانا في التعاطي مع موضوعة الإرهاب يختلف عن ما كانت عليه الأمور قبل هذا التفجير، واصفاً التفجير الذي شهدته بلدة سروج التركية بـ"عمل إرهابي جبان ومستنكر"، ويجب أخذ الدروس والعبر من هذه الجريمة وتوحيد الموقف السياسي التركي من ما يحدث في سوريا والعراق.
في تركيا توجد بنية تحتية للإرهاب والتطرف لدى كل الجماعات السياسية والدينية والإجتماعية... محلل سياسي تركي
وأضاف زاهد غول متحدثاً لإذاعة العراق الحر في إتصال هاتفي من أنقرة، أن المناخ السياسي الموجود في تركيا يثير القلق، نظراً لوجود أتراك يؤيدون "داعش"، وآخرين يؤيدون النظام السوري، فضلاً عن وجود كرد أتراك يقاتلون مع القوات الكردية في سوريا، وهذا مؤشر واضح على أن هناك تغييراً إجتماعياً قد حصل في بنية التركيبة الإجتماعية التركية، محذراً من أن "تركيا لديها بنية تحتية للإرهاب والتطرف لدى كل الجماعات السياسية والدينية والإجتماعية، لذا يجب أن يكون الموقف وطنياً حتى تستطيع تركيا تجنب ويلات الحرب التي تدور في منطقة الشرق الأوسط، وإلا فأن مستقبل تركيا واقع أليم للغاية".
من جهتها، قالت النائبة البارزة عن حزب الشعوب الديمقراطي التركي المعارض بروين بولدان، إن الانفجار في سروج وقع فيما اجتمع شباب أتراك وأكراد في المركز الثقافي قبل رحلة مقررة لبلدة كوباني في سوريا التي يؤمنها مقاتلون أكراد سوريون منذ الشهر الماضي بعد هجوم على مسلحي تنظيم "داعش"، فيما ذكرت فاطمة اديمين، وهي عضو في اتحاد جمعيات الشباب الاشتراكي، ان الاتحاد كان يخطط للقيام برحلة الى كوباني لبناء مكتبة وزرع غابة وتشييد ساحة للعب في البلدة.
الى ذلك، يؤكد نائب مسؤول العلاقات الخارجية في مقاطعة كوباني، إدريس نعسان، لإذاعة العراق الحر أن مجموعة الشباب الذين إستهدفوا في التفجير الإنتحاري بمدينة سروج التركية كانوا يستعدون لزيارة مدينة كوباني والمساهمة في إعادة إعمارها، لكن التفجير الإنتحاري إستهدف تجمعهم.
الجهة التي تقف وراء التفجير تعادي إنتصارات وحدات حماية الشعب والمرأة ضد "داعش" ... مسؤول في كوباني
ويرى نعسان أن الجهة التي تقف وراء التفجير تعادي إنتصارات وحدات حماية الشعب والمرأة ضد داعش في كوباني وعين عيسى وتل أبيض وباقي المناطق التي تحررت من داعش. ويضيف المسؤول الكردي القول إن "سروج لا تقل أهمية عن كوباني في رمزيتها لدورها في إنتصار المقاومة، وبلا شك الأجندات المعادية سوف تستهدف اي منطقة تدعم وتساند كوباني أو المسيرة الديموقراطية في روزئافا"، داعياً المجتمع الدولي والتحالف الدولي الى زيادة دعمهم لوحدات حماية الشعب والمرأة لكي تتصدى وتدحر هؤلاء الإرهابيين، على حد تعبيره.
بمشاركة مراسل إذاعة العراق الحر في الشمال السوري منار عبد الرزاق.