استهدفَ العنفُ مجدداً مدنيين أبرياء عند إطلالة العيد ليحصد أكثر من مائتي قتيل وجريح في حصيلةٍ تُعدّ الأعلى لضحايا هجماتٍ إرهابية متواصلة يشهدها العراق ووصفها مسؤول محلي بأنها الأكبر في ديالى منذ عام 2003.
تنظيم داعش أعلن السبت مسؤوليته عن الهجوم الذي ضرب الجمعة (17 تموز) مدنيين يتسوّقون عشية عيد الفطر في ناحية خان بني سعد التابعة لمحافظة ديالى والتي يقطنها خليط من المواطنين الشيعة والسنّة. ونُقل عن بيانٍ لداعش نُشر على موقع تويتر إن الهجوم كان ثأراً لقتل سنّة في مدينة الحويجة وإن السيارة الملغومة كانت تحمل نحو ثلاثة أطنان من المتفجرات.
الشرطة المحلية ذكرت أن قطعاً من أجسام بشرية تطايرت فوق أسطح المباني القريبة بسبب قوة الانفجار. فيما خرجت حشود غاضبة بعد الانفجار وحطمت زجاج نوافذ السيارات الواقفة في الشارع تعبيراً عن الحزن والغضب. ونقلت وكالة رويترز للأنباء عن رائد الشرطة أحمد التميمي قوله إن "بعض الناس استخدموا أقفاص الخضروات لجمع أشلاء جثث الاطفال" واصفاً الأضرار التي لحقت بالسوق بأنها مدمّرة.
هذا فيما أعلن مجلس محافظة ديالى الحداد لمدة ثلاثة أيام وأمر بغلق كل المتنزهات وأماكن الترفيه حتى نهاية عطلة العيد لإجهاض أي هجمات أخرى. وصرح نائب رئيس مجلس المحافظة محمد الحمداني بأن الحصيلة النهائية للتفجير تجاوزت المائتي قتيل وجريح إضافةً إلى أكثر من 20 مفقوداً.
وكان المسؤول المحلي في خان بني سعد عباس هادي أكد في وقتٍ سابقٍ السبت أن الحصيلة ترتفع. وأضاف في تصريح لوكالة فرانس برس للأنباء في موقع الهجوم أن 15 طفلاً قتلوا في التفجير الذي وصفه بأنه "الاكبر في ديالى منذ 2003."
الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق يان كوبيش قال في بيان نُشر السبت (18 تموز) إن "هذه المجزرة الرهيبة تتجاوز حدود السلوك المتحضر"، مضيفاً أن "مثل هذه الأفعال لن تقوّض إيمان أبناء ديالى والعراقيين الحقيقي والراسخ في التعايش السلمي".
وفي إدانته الهجوم، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي في بيان إن الجامعة تستنكر "استهداف التجمعات المدنية وترويع الآمنين أثناء هذه الأيام المباركة ومن خلال مثل هذه الهجمات الإرهابية، التي لا تراعي حرمة النفس البشرية التي حرّم الله قتلها إلا بالحق". وأضاف أن "مثل هذه الأنشطة إنما تستوجب تحركاً جماعياً جاداً عربياً وإقليمياً ودولياً من أجل القضاء على الجماعات الإرهابية واجتثاث جذورها من المجتمعات"، مؤكداً "تضامن جامعة الدول العربية التام مع العراق في جهوده لمكافحة الإرهاب والقضاء عليه".
وفي واشنطن، دانَ البيت الأبيض الهجوم الذي نفذه داعش ضد مدنيين عراقيين في سوق شعبية ووصفه بأنه "مثال آخر مؤلم على الفظائع" التي يرتكبها التنظيم.
وقال الناطق باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض نيد برايس في بيانٍ السبت إن "الولايات المتحدة ما زالت ثابتة في التزامها بالعمل مع رئيس الوزراء حيدر العبادي وشركائنا في العراق والمجتمع الدولي لوضع نهاية لفجور الدولة الإسلامية"، بحسب ما نقلت عنه رويترز.
وفي موسكو، أفاد الكرملين بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعث برقية إلى نظيره العراقي فؤاد معصوم ورئيس الوزراء حيدر العبادي أعرب فيها عن تعازيه بضحايا الهجوم. كما تقدم بتعازيه لأُسر الضحايا وتمنى الشفاء العاجل للجرحى، مؤكداً دعم بلاده "للشعب العراقي في كفاحه الطويل والشاق ضد القوى المتطرفة"، بحسب ما نقلت عنه وكالات أنباء روسية.
يشار إلى ما أعلنته الأمم المتحدة أخيراً أن الصراع في العراق يستمر في إحداث خسائر فادحة في أرواح المدنيين، حيث قُتل ما لا يقل عن 15 ألف شخص وأصيب 30 ألفاً آخرون خلال فترة 16شهراً تمتدّ بين كانون الثاني 2014 ونيسان 2015.
ووفقاً لأحدث تقرير نشرته المنظمة الدولية الاثنين الماضي (13 تموز)، تتواصل الانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان والنزوح الجماعي في جميع أنحاء العراق.
ويستند تقرير الأمم المتحدة المنشور بعنوان (انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان وقتل للمدنيين بلا هوادة في العراق) والذي أعدته بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في العراق (يونامي) ومكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى تحقيقات ميدانية وشهادات الضحايا والشهود.
مَــــوجاتُ العنفِ المتكررة على مدى أعوام حاصدةً أرواح أعداد كبيرة من المدنيين الأبرياء ومُـــــــخلــــــّـــفـةً لدى آخرين إعاقات جسدية مُــــزمنة تتسبّب أيضاً بمضاعفاتٍ خطيرة على الصحة النفسية لأفراد المجتمع.
وفي حديثه عن هذه المضاعفات، قال المستشار الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة العراقية الدكتور عماد عبد الرزاق عبد الغني لإذاعة العراق الحر في مقابلة سابقة "إن الضغوط والشدائد النفسية التي يتعرض لها المواطنون عامةً في كل العراق تُـــولّد بالتأكيد اضطرابات لا تصل في بعض الأحيان إلى حد المرض النفسي كتعريف علمي ولكنها تسبّب اضطرابات في الشخصية والسلوكيات وأداء العمل والواجبات، وهو ما نلاحظه في حياتنا اليومية في المجتمع." وأوضح الأخصائي عبد الغني أن مثل هذه الأعراض النفسية تتحوّل مع مرور الوقت إلى أعراض جسمانية.
وفي المقابلة التي أجريتُها عبر الهاتف وسَبق بثها في سياق الملف الإخباري الموسوم "عنف العراق يترك بصماته على الصحة النفسية العامة" (25 أيار 2014) تحدث عبد الغني لإذاعة العراق الحر عن موضوعات أخرى ذات صلة ومن بينها معاناة فئات عمرية بعينها، كالشباب وكبار السن على سبيل المثال، من أعراض القلق والاكتئاب جراء العنف المتكرر.