لطالما ربط قسم كبير من المسؤولين اللبنانيين أزماتهم بالخارج. وليس هذا الربط من دون مبرّر، إذ أثبتت تجارب سابقة عديدة أنّ الحلول أو التعقيدات كان مصدرها خارجياً. ولكن ثمّة من يقول إن هؤلاء المسؤولين يحاولون أيضاً تبرير فشلهم في الإمساك بزمام القرار بالتلطّي وراء الخارج الإقليمي أو الدولي.
هذه المرّة أيضاً نفض اللبنانيون أيديهم من الأزمة الرئاسية، وقالوا إن الرئيس العتيد لن يأتي إلّا على حصان التسوية الإقليمية والاتفاق النووي الإيراني تحديداً. وكثُرت التحليلات، وعُقدت الآمال على الفرج الآتي من وراء البحار.
وها هو الاتفاق النووي يحصل بعد طول مفاوضات، فيما الفراغ الرئاسي في لبنان طال سنة وشهرين. والأربعاء كان موعد الجلسة السادسة والعشرين لمجلس النواب المخصصة لانتخاب رئيس. لكن اتفاق فيينا لم يلقِ بظلاله على ساحة النجمة في بيروت، مقر البرلمان، فغاب النصاب، وأرجئت الجلسة من جديد الى 12 آب المقبل.
بالطبع لن تكون التداعيات النووية الإيرانية تلقائية على الملف اللبناني. ولكن الكثير من المحللين والسياسيين لا يتوقعون أي انعكاسات في المدى المنظور. وهذا ما يخلق خيبة كبيرة لدى اللبنانيين، ويشعرهم بأن الحلول لأزماتهم السياسية يصبح أكثر تعقيداً، وربما ترتبط بالصراع السوري والحرب اليمنية والعلاقة السيئة بين ايران والسعودية.
ويقول سفير لبنان السابق لدى الولايات المتحدة عبد الله بو حبيب لموقع "العراق الحر" إنه لا يرى "أي تأثيرات للملف النووي الإيراني على الموضوع الرئاسي والأزمة الحكومية اللبنانية. واللبنانيون لديهم ميل دائماً لربط أزماتهم بالخارج، لكن الملف اللبناني ليس أولوية في الوقت الحاضر." وتوقع أن "تطول الأزمة الرئاسية إلى أجل غير معروف ما لم يبادر المسؤولون اللبنانيون إلى التوافق في ما بينهم على الحل وعلى اسم الرئيس العتيد."
ويرى السفير بو حبيب أن حل الأزمة الرئاسية مرتبط أكثر بتسوية تتم بين ايران والسعودية تحديداُ، وهما الدولتان الأكثر تأثيراً في لبنان حالياً. "وطالما أن العلاقات بين هاتين الدولتين تقوم على الصراع، فلا أفق لحل الملف الرئاسي اللبناني." ويضيف أنه "على رغم الاتفاق النووي، فإن السعودية غير راضية عن الاتفاق،وهي تخوض حروباً غير مباشرة مع ايران، خصوصاً في اليمن. ومن هنا فإن أي تسوية بين الدولتين ما زالت بعيدة المنال."
بين التفاؤل والتشاؤم
وعلى رغم هذه الأجواء، إلّا أن رئيس مجلس النواب نبيه بري توقع أن تكون للاتفاق النووي "نتائج إيجابية على المنطقة وأن يساعد في تحقيق الانفراج في لبنان، ويسهم في إزالة التعقيدات أمام انتخاب رئيس للجمهورية."
وفي المقابل، اعتبر النائب وليد جنبلاط أن الاتفاق النووي "أتى نتيجة غزو العراق ووُقّع بدماء مئات الآلاف من الشعب السوري، وهو يتمّ على ركام العالم العربي الذي غرق في الفوضى والقتل والدمار، فيما يتفرج اللاعبون الإقليميون والدوليون على الدماء العربية تسيل في شلالات وأنهر، وهم يبحثون عن مصالحهم."
ولم يستبعد جنبلاط "أن ترتسم معالم جديدة لتحالفات جديدة تشهدها المنطقة لمحاربة ما يسمى الإرهاب وتجاهل ما ارتكب في حق الشعب السوري من خلال إعادة تعويم النظام."
وإذا كانت التأثيرات القريبة مستبعدة، فإن الاتفاق النووي رسم مرحلة جديدة في المنطقة وفي العلاقة بين الغرب وايران ستترك تداعياتها على المدى البعيد. ومن هذه التداعيات ملف سلاح "حزب الله". ويقول السفير اللبناني السابق في واشنطن إن "الإدارة الأميركية، سواء في عهد الرئيس باراك أوباما أو في عهد خلفه، ستسأل ايران عن مصير هذا السلاح، وسيبدأ البحث آجلاً أم عاجلاً في هذا الموضوع وفي إمكان تحول الحزب الى حزب سياسي كسواه."
ولكن، إلى ذلك الحين ستطرأ تطورات ربما تغيّر وجه المنطقة وخريطتها أيضاً.