دمشق
"ألو.. السلام عليكم.. أخوك.. ابنك.. موجود عندنا.. إذا بدكن ياه جهزوا فدية.. ونحنا بنرجع نتصل معكم في وقت لاحق".. انقطع الاتصال.. اتصال سمعه عشرات ويمكن القول مئات السوريين الذين فقدوا شقيقا أو ابنا وربما زوجة أو أختا في غمرة الصراع المحتدم والفوضى التي تلف معظم أرجاء الأراضي السورية.
تعود بارقة الأمل برؤية المفقود.. وتبدأ متاهة الأسئلة.. من المتصل؟.. من اين سنجمع المبلغ المطلوب؟.. هل سيفون بوعدهم؟.. ماذا سيحدث إذا لم ندفع المبلغ؟.. وماذا لو دفعنا الفدية بدون فائدة؟.. هل نخبر الجهات الأمنية؟. ومئات الأسئلة الاخرى.
هذا هو كامل الاتصال الذي تلقاه "أحمد قدور" من مدينة جبلة في محافظة اللاذقية السورية عبر الهاتف قبل أن ينقطع الاتصال.. لتبدأ بعدها فصول مأساة تكررت مع مئات السوريين الذين تعرفوا خلال سنوات الحرب الأربعة المنصرمة على مأساة جديدة اسمها "الاختطاف" لتضاف إلى جملة الجرائم الطارئة على حياتهم.
يقول قدور " فقدنا الاتصال مع شقيقي أحمد يوم 8 شباط الماضي بعد خروجه من المنزل في جبلة متجها إلى عمله في صلنفة.. بقي هاتفه الجوال ثلاثة أيام خارج الخدمة.. فتشنا عنه خلالها في المشافي والفروع الأمنية ولكن دون جدوى إلى أن جاءنا اتصال مقتضب من شخص مجهول قال: أحمد موقوف عندنا.. وسنطلق سراحه بعد دفع مبلغ مليونين ونصف مليون ليرة.. جهزوا المبلغ.. وسنعود للاتصال بكم في وقت لاحق خلال أيام".
ويضيف شقيق المخطوف "بعد الاتصال تيقنت أن أخي لا يزال على قيد الحياة وأنه مختطف لدى إحدى عصابات الخطف التي تبتز الأهالي بالأموال مقابل حياة أبنائهم.. جاء الاتصال عبر الهاتف الشخصي لأخي وبعدها أغلق الهاتف مرة أخرى دون أن يتاح لي فرصة السؤال عن أي شيء.. انتظرت 22 ساعة حتى جاءني الاتصال الجديد.. قال المتحدث بلهجة تهديد.. "هل أصبح المبلغ جاهزا".. أجبته.. "المبلغ غير متوفر".. فكان جوابه.. سننتظرك ثلاثة أيام لتأمين المليوني ليرة وبعدها.. سنرسل لك رأس أخيك مقطوعا إذا لم تدفع المبلغ" ومرة أخرى انقطع الاتصال".
ويتابع قدور" بمساعي أقربائي قمنا بتأمين المبلغ وبعد ثلاثة ايام تماما جاءني الاتصال من الخاطفين.. دخلنا في مساومة.. حاولت تخفيض المبلغ ونجحت في ذلك فعلا.. وكان المبلغ النهائي المطلوب دفعه "1,8" مليون ليرة.. وأخبرني أنه يجب علي الذهاب إلى مطعم في بلدة صلنفة بمفردي لتسليم المبلغ لشخص سيحضر خصيصا لذلك.. وهذا ما حصل بالفعل حيث وجدت هناك شخص ينتظرني واستلم مني المبلغ وعندما سألته عن أخي كان جوابه.. بعد نصف ساعة سيكون في بيتكم بمدينة جبلة وغادر بسيارته السوداء الفاخرة... وفعلا بعد حوالي 40 دقيقة اتصل والدي من المنزل ليخبرني بأن شقيقي وصل إلى المنزل.
ويقول.. "لم أعرف الخاطفين.. رفضت جميع النصائح من أقربائي بإبلاغ السلطات الأمنية.. وقبلت بكل شروطهم لأنه لم يكن لدي خيار آخر.. أعرف تماما أنهم مستعدون لقتله إذا لم أنفذ شروطهم.. نعم كانت مغامرة.. ولكن حصلت على النتيجة المرجوة وتحرير أخي المخطوف وإعادته إلى زوجته وطفله ابن الخامسة من عمره".
ويؤكد قدور".. لم يتعرض شقيقي للضرب أو الاعتداء طيلة الأيام السبعة التي بقي فيها لدى الخاطفين الذين نصبوا حاجزا على طريق صلنفة واقتادوه مع جميع ركاب الحافلة التي كانت تقل 7 أشخاص معه إلى إحدى القرى في ريف اللاذقية.. لا يعرف بالضبط في أي قرية لأن الخاطفين غطوا عينيه منذ لحظة اختطافه وحتى إيصاله إلى أمام منزلنا في جبلة".
ويشير "أحمد قدور" إلى أن جميع المؤشرات والوقائع التي حدثت مع أخي خلال اختطافه تؤكد أن "الخاطفين لا علاقة لهم بالسياسة وبمن يسمون أنفسهم "ثوارا" وإنما هم مجرد عصابة امتهنت الخطف والابتزاز مستغلة الظروف الأمنية المتدهورة في أرجاء البلاد" مطالبا السلطات الأمنية بإيجاد حلول تحد من نشاط هكذا عصابات تتاجر بأرواح السوريين وتسرق أموالهم".
ظهور حوادث الاختطاف كوسيلة لابتزاز السوريين وجمع الأموال ساهم في ظهور أشخاص يعملون كوسطاء بين العصابات الخاطفة وأهالي المخطوفين وغالبا ما يكونون من وجهاء المناطق وفي أحيان كثيرة من رجال الدين ومن هؤلاء الأشخاص " ابو محمد الذي تدخل في حالات الاختطاف في ريف اللاذقية الشمالي.