الفقر في العراق ليس بجديد، لكنه تفاقم منذ سنوات مع إتساع رقعة الارهاب والعنف وزيادة اعداد الارامل والايتام وتفشي الفساد وعدم وجود برامج حكومية جادة لمعالجة ما يحصل في البلاد، إذ تصاعدت نسبة الفقر بشكل كبير بعد سيطرة تنظيم "داعش" على مناطق واسعة في العراق، وفي ظل غياب سياسة اقتصادية واضحة لاستثمار ثروات العراق وقدراته.
ودفع الفقر بمئات الشباب والصبية الى هجر مدنهم والتوجه الى محافظات اخرى بحثاً عن فرص عمل، وسجلت العاصمة بغداد النسبة الاكبر في استقبال هؤلاء الشباب الذين لم يجدوا فرص عمل مناسبة فعملوا في التقاطعات المرورية لبيع المناديل الورقية وقناني الماء وكل ما تجود بهم ايديهم وهي اشبه بالتسول لكنها مغلفة باطار العمل.
هجرة الى بغداد
احد هؤلاء الصبية محيي غالي (15 سنة) الذي يقول انه جاء من محافظة ذي قار الى بغداد لاعالة عائلته ووالده المسن. وذكر انه حضر مع اربعة من الفتية وسكنوا في فندق متواضع، واشار الى انه يأكل وجبات بسيطة من اجل توفير المال لعائلته التي يسافر لها كل عشرة ايام. تحدث محيي عن عمله الذي يستمر لساعات طويلة ومضايقة عناصر الشرطة الذين غالباً ما يلقون القبض عليهم ويوقفونهم يوماً واحداً ثم يطلقون سراحهم ليعودوا ثانية الى العمل. ويؤكد محيي انه سيشتري ملابس العيد له فقط ولا يعنيه شراء ملابس جديدة لاخوته.
تنافس عند التقاطعات
يقف الفتية الصغار عند التقاطعات المرورية في بغداد ومحافظات اخرى، جميعهم يتنافسون فيما بينهم من اجل بيع بضاعتهم البسيطة، لجني المال الذي يسد قوتهم وقوت عائلاتهم. ويقول الفتى ايهاب سلمان ( 14 سنة) من مدينة الصدر انه يبيع الماء مع اخيه في تقاطع حي المستنصرية، مشيراً الى انه لم يكمل دراسته الابتدائية بعد أن توجه الى العمل قبل سنوات. ويذكر شاباً آخر انه يبيع قناني الماء ايضا، ويجد انها مربحة اكمل الابتدائية ثم اضطر للعمل، وهو يساعد والده في المعيشة حيث يبيع مع اخيه 20 صندوق ماء يوميا.
بين التسول والعمل
على مسافة من هؤلاء الصبية جلست أم دنيا، وهي أرملة في الستين من العمر تعيش في احد بيوت الحواسم بمنطقة الاروفلي بمدينة الصدر، بدأت التسول منذ سنوات ولكن بسبب ملاحقة الشرطة لها، اضطرت الى بيع السكائر و(العلك) الذي تعده عملاً شريفاً. وتطالب ام دنيا التي تقول ان لديها ثلاث فتيات جميعهن طالبات في المدرسة وهي تعمل بهذا العمل من دون علم عائلتها، تطالب الحكومة بزيادة رواتب الرعاية الاجتماعية من أجل أن تغادر هذه المهنة التي اتعبتها.
حملات تبرع
في مواقع التواصل الاجتماعي، يدعو متطوعين وناشطين في منظمات المجتمع المدني الى التبرع لشراء ملابس جديدة للاطفال الايتام والفقراء مع قرب حلول العيد. ويقول الناشط مصطفى سعدون انه طلق مثل هذه الحملة ودعا كل منظمات المجتمع المدني الى القيام بواجباتها تجاه هذه الشريحة والقيام بحملات لاسعاد الاطفال الايتام والمتعففين، ويذكر انه لو بادرت كل منظمة تحمل عنوانا كبيرة عن رعايتها للايتام الفقراء الى احتضان 50 يتيماً لساهمت في التخفيف عن كاهل اعداد كبيرة من العائلات، منتقداً بعض المنظمات التي تعمل وفقا لتوجهاتها الحزبية فقط. ويشير سعدونالى ضعف تفاعل المواطنين مع حملاتهم التطوعية الداعمة للاطفال الايتام والفقراء، مؤكداً ان بعض المواطنين يفضلون مساعدة الفقراء، بعيداً عن المنظمات بسبب حملات التسقيط التي مورست ضد هذه المبادرات.
استغلال الشباب والصبية
يؤكد باحثون على حجم المخاطر التي تهدد الشباب من العائلات الفقيرة بسبب غياب البرامج الحكومية فيما يتعلق بتحسين اوضاعهم، بالرغم من ان العراق غني بثرواته. واوضح الباحث في علم الاجتماع الدكتور محمد عبد الحسن ان الفقر وغياب الدعم الحكومي دفع بالشباب الى هجرة مدنهم بحثا عن فرصة عمل، وعندما جاءوا الى بغداد لم يجدوا غير البيع عند التقاطعات المرورية وهي اشبه بمهنة التسول.
واكد عبد الحسن على عدم وجود رؤية حكومية واضحة للتخفيف من نسبة الفقر في العراق لاسيما في المحافظات الجنوبية حيث يزداد فيها الفقر. واشار الى المخاطر التي تهدد هؤلاء الفتية من حيث تعرضهم للارهاب وحوادث الدهس واستغلالهم لاسيما وانهم يسكنون في فنادق متواضعة جدا في منطقة البتاويين ويكونون عرضة لاستغلالهم من قبل العصابات الارهابية والاجرامية.