تسبب اغلاق تنظيم "داعش" بوابات سدّة الرمادي بعد سيطرته على المدينة منتصف أيار الماضي، وتحويلُه جزءً من مياه نهر الفرات باتجاه بحيرة الحبانية، بانخفاض كبير بكميات المياه في عدّة مناطق من الأنبار فضلاً عن المحافظات الجنوبية. فقد حذر مسؤولون محليون في محافظات الوسط والجنوب الفراتية مؤخرا من التناقص المتسارع في كميات المياه الواردة الى مناطقهم بعد اغلاق داعش لأغلب بوابات سد الرمادي وانعكاساته على حياة مواطنيهم.
محافظ ذي قار طالب بتدخل دولي لوقف تحكم التنظيم المتشدد بمياه الفرات الذي أدى إلى تجفيف الأهوار، ونقلت صحيفة "الحياة" اللندنية عن يحيى الناصري الاحد ان الحكومة المحلية تحمّل الحكومة التركية وتنظيمَ داعش مسؤولية التجفيف التي تتعرض له مناطق الأهوار في جنوب المحافظة وشرقها، داعياً الحكومة المركزية في بغداد الى التحرك دولياً لإنقاذ السكان المحليين من العطش والتجفيف والتدهور البيئي. وحذر الناصري من أن مناطق الأهوار في المحافظة تعيش نكبة حقيقية فالأرض تشققت من العطش والسكان يعيشون محنة الجفاف، والثروة الحيوانية والسمكية مهددة بالهلاك، بسبب ارتفاع ملوحة المياه.
محافظات الوسط والجنوب تشكو شح مياه الفرات
من جانبه كشف عضو مجلس محافظة بابل رياض عداي أن الاطلاقات المائية من السدود في أعالي نهر الفرات انخفضت من 320 متر مكعب في الثانية الى 90 مكعبا في محافظات بابل والديوانية وكربلاء، وأضاف في تصريحات له السبت أن آلاف الدونمات والمزارع والبساتين بدأت بالموت لعدم وصول المياه إليها فضلا عن ان الجفاف يهدد الثروة الحيوانية التي انخفض إنتاجها لنفس السبب.
وبهذا الشأن أوضحت لجنة الزراعة والمياه البرلمانية أنّه بعد أن أغلق التنظيم سدّة الرمادي فإن "غزارة نهر الفرات التي كانت قبل الحرب المائية تبلغ 200 متر مكعب في الثانية، هبطت إلى نسبة لا تتجاوز 50 بالمئة من كميته المعتادة، متوقعة انخفاض تلك الغزارة خلال الفترة المقبلة".
وقال رئيس لجنة الزراعة والمياه في مجلس النواب، فرات التميميإن داعش استطاع أخيراً السيطرة على سدّة الرمادي بعد فرض سيطرته على معظم مساحة الأنبار، الأمر الذي جعله يتحكم بمياه أربع محافظات جنوبية وهي بابل وكربلاء والنجف والقادسية، كما يعمل التنظيم على السيطرة على بحيرة الثرثار في المحافظة نفسها لاستكمال حرب المياه بعد سيطرته على السدود المقامة على الفرات في سوريا والعراق ورجّح التميمي في اتصال مع إذاعة العراق الحر أن تعاني المحافظات المذكورة من الجفاف، نتيجة قلة المخزون المائي الذي لا يكفيها للخروج من "هذه الأزمة"، وطالب بتحرك سريع لمنع امتداد تأثيرها الى محافظات أخرى.
حرب مائية في سوريا والعراق يشنها المتشددون
يشار الى تنظيمي الدولة الإسلامية داعش، وجبهة النصرة عملتا على السيطرة على عدة سدود ومنشآت لإدارة المياه والتحكم بها في المناطق التي يسيطرون عليها من سوريا خلا ل السنوات الأخيرة، ولعل محاولات تنظيم داعش السيطرة على المنشات المائية الحيوية في العراق مثل سدالموصل اكبر سدود العراق و سد حديثة خلال السنة الماضية، يصب في التوجه لإدخال المياه عنصرا مؤثرا في المواجهة العسكرية.
ويلفت مختصون الى ان المخاطر الناجمة عن سيطرة داعش على سدّي الرمادي والفلوجة قد تتزايد مع الوقت فيما إذا اقدم التنظيم على عمليات تخريبية لبوابات ومنشآت السدود.
وبهذا الخصوص قال المدير العام لمركز التصاميم الهندسية في وزارة الموارد المائية علي هاشم ان مناسيب النهر تأثرت كثيرا نظرا لعدم ادارة منشآت السيطرة على السدود بالشكل الصحيح، مشيرا الى ان وزارة الموارد المائية تقوم ببعض المعالجات لتقليل الاضرار في المحافظات الوسطى والجنوبية، لافتا الى صعوبة الوضع خلال موسم الصيف الحالي نظرا لارتفاع درجات الحرارة، منبها الى أن استمرار تحكم مسلحي داعش بسدة الرمادي لفترة طويلة يتيح لهم الاضرار المتزايد بمناطق في محافظة الانبار اولا والمدن الفراتيىة في الوسط والجنوب.
وللمزيد حول نتائج سيطرة مسلحي تنظيم داعش على سدّي الرمادي والفلوجة، وهما جزء مهم من المنظومة المتكاملة لإدارة مياه نهر الفرات، بيّن الخبير في الموارد المائية د عون ذياب أن "التنظيم" أربك بسيطرته على السدّين نظام تشغيل المنظومة، وتحكم بنسبة كبيرة من مياه الفرات بما يتسبب بأضرار متزايدة على المدن الفراتية في الوسط وجنوب العراق
خبير: داعش سعى للسيطرة على كامل منظومة مياه الفرات
وقال ذياب في مقابلة اجريتها معه الأثنين ان مسلحي داعش حاولوا مرارا السيطرة على سد حديثة لكن أهالي المدينة وإدارة القضاء استبسلوا في الدفاع عن السد وابقائه تحت السيطرة الحكومية.
بينما نجح داعش في السيطرة على سدة الفلوجة منذ نحو سنة التي تتحكم بريمشاريع زراعية مهمة لأراضٍ مستصلحة تصل الى نحو 500 الف دونم،تقع على الجانب الايسر من الفرات أهمها مشاريع أبو غريب والرضوانية واليوسفية والمحمودية واللطيفية والإسكندرية.
ويوضح ذياب خلال المقابلة الهاتفية (التي يمكن الاستماع اليها في الملف الصوتي المرفق)،أن تنظيم داعش لا يتحكم حالياً بكامل المنظومة المائية لنهر الفرات، لكن الخطورة تكمن في تمكنه من ارباك برنامج العمل الاروائي للنهر الذي تعده وزارة الموارد المائية سنويا، من خلال منظومة السدود والنواظم والخزانات المتعددة، فقد ارتبك تدفق المياه وفق الخطة الموضوعة، وحبست كميات منها ما اثر على نوعية المياه الواصلة الى المدن في الوسط والجنوب،وخصوصا منطقة اهوار الناصرية التي تعرضت الى نقص حاد بالمياه، فضلا عن مدن سوق الشيوخ وكرمة حسن وبني سعيد والعكيكة.
ويعيد الخبير في الموارد المائية عون ذياب الى الاذهان محاولات تنظيم "داعش" المبكرة في قطع مياه الفرات بالكامل وذلك بتحويل القسم الأكبر منها الى بحيرة الحبانية لكنهم لم ينجحوا لأسباب متعددة، ما يجدد التحذير من إعطاء الجماعات الإرهابية الفرصة للسيطرة على المشاريع الاروائية والسدود.
هل تجدي ضربات جوية دقيقة ونوعية؟
وردا على التساؤل عن إمكانية تنفيذ عمليات عسكرية دقيقة لتحرير سدة الرمادي مثلا من ايدي مسلحي داعش، نبّه ذياب الى أن المنشات الهيدروليكية ذات طبيعىة هندسية خاصة ودقيقة، وان أي تخريب يصيبها قد يضر بالسد ككل، وبرغم تحفظه عن أي استهداف ذي خطورة، فقد تنجح ضربات دقيقة لبوابات السد في تدفق المياه، لكن الأصل هو العمل على استعادة السيطرة على السدود من قبل الجهات الحكومية كما حصل مع ناظم الثرثار وناظم التقسيم اللذين استعادتهما القوات العسكرية قبل اشهر.
وكان مسؤولون محليون في محافظة الانبار حذروا من استخدام تنظيم داعشأسلوب حرب المياه الخبيثة، الذي يحاول من خلاله زعزعة الأمن في مناطق الخالدية والحبانية التي تسيطر عليها القوات الأمنية ومقاتلي العشائر.
ووصف رئيس مجلس محافظة الأنبار صباح كرحوت في تصريحات مطلع الشهر الجاري قطع المياه بأنه أبشع أفعال داعش الذي يحاول من خلاله قتل النساء والأطفال وكبار السن عطشا ودفعهم إلى النزوح إلى مناطق أخرى ليتمكن بعدها من مناطقهم.
ينتقد مراقبون، ومنهم الخبير الأمني أحمد الشريفي، ضعف التحسب العسكري لخطط الجماعات الإرهابية وعدم توفير وسائل حماية كافية للأهداف الحيوية التي يستهدفها تنظيم داعش ومنها المواقع والمنشآت النفطية ومحطات الطاقة وسدود ونواظم المياه.