أصبح العراق بعد صعود تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" خط المواجهة الأمامي في حرب اكتسبت أبعادا دولية متزايدة منذ سيطرة داعش على مناطق واسعة من العراق. ويمكن القول ان ابرز القوى الخارجية التي تدعم العراق في هذه الحرب هما ايران والولايات المتحدة على ما في ذلك من مفارقة نظرا للعداء المزمن بين واشنطن وطهران.
ويرى مراقبون ان هناك تقسيم عمل غير معلن بين الولايات المتحدة وايران في دعم القوات العراقية ضد داعش. ويتركز دور الولايات المتحدة على الاسناد الجوي والغارات التي تشنها قوات التحالف الدولي ضد داعش وتدريب القوات العراقية وتسليحها. ويتبدى الدور الايراني في قوات الحشد الشعبي بالدرجة الرئيسية من خلال ميليشيات مدعومة ايرانيا فضلا عن وجود مستشارين عسكريين ايرانيين على غرار المستشارين العسكريين الأميركيين.
ونوه مسؤولون عراقيون في أكثر من مناسبة باستجابة ايران السريعة لطلب المعونة عندما اندفعت قوات داعش لاجتياح مدن رئيسية وصولا الى تهديد بغداد.
وحرص العراقيون على ان تصب جهود القوى الخارجية في مصلحة العراق لدعم موقفه وألا تكون ساحة المعركة ساحة صراعات دولية على حسابه. ولكن تطبيق ذلك على الأرض لم يكن سهلا ، كما اتضح خلال معركة تكريت عندما اعترضت ميليشيات في الحشد الشعبي مدعومة من ايران على مشاركة الطيران الحربي الاميركي فيما طالب الجانب الاميركي بانسحاب هذه الميليشيات تحديدا لتنفيذ ضربات جوية ضد مواقع داعش.
وكانت صحيفة الشرق الأوسط الصادرة في لندن نقلت في حينه عن مصدر عراقي قوله "ان ايران رغبت في ان تكون معركة صلاح الدين من حصتها وهي جزء من تفاهم خاص مع الاميركيين بعلم بغداد التي لم تطلب مشاركة اميركا جوا رغم الحاجة الفنية اليها". واضاف المصدر ، بحسب صحيفة الشرق الأوسط ، ان وجود مستشارين ايرانيين كبار من أمثال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني "لا ينسجم مع مشاركة اميركية في هذه الصفحة من الحرب".
كان ذلك في آذار اثناء عملية تحرير تكريت. ولكن تطورات حدثت في هذه الأثناء منها اعلان منسق التحالف الدولي ضد داعش الجنرال الأميركي المتقاعد جون الن بأن قوات الحشد الشعبي "ليست طائفية" بل هي "حل جيد" لمواجهة داعش. واشار الن في كلمة القاها في "منتدى اميركا والعالم الاسلامي" الذي عُقد في العاصمة القطرية الدوحة اوائل حزيران الى ان الكثير من مقاتلي الحشد الشعبي عراقيون تطوعوا لدعم الجيش العراقي ضد داعش استجابة لفتوى المرجع الديني علي السيستاني. وأكد الجنرال الاميركي السابق ان الانتصار على داعش لن يتحقق من دون تعاون دولي وتنسيق أمني كامل.
اذاعة العراق الحر التقت السفير الاميركي في بغداد سيتوارت جونز حول طاولة مستديرة يوم الثلاثاء حيث سألته عن اسباب ما قال مراقبون انه تغير لافت في موقف الولايات المتحدة من قوات الحشد الشعبي في ضوء تصريحات جون الن في الدوحة. وفي معرض الرد على السؤال أكد السفير الاميركي ان تصريحات جون الن لا تشكل خروجا عما كانت تقوله الولايات المتحدة في السابق. فالولايات المتحدة تدرك المساهمة التي تقدمها قوات الحشد الشعبي في الحرب ضد داعش ولكنها أكدت وما زالت تؤكد ان هذه القوات يجب ان تكون تحت قيادة القوات الأمنية العراقية وسيطرتها.
واضاف السفير جونز ان لهذا اسباب عملية جدا "لأننا حين ننفذ ضربات جوية ضد داعش نحتاج الى ان نعرف مواقع جميع القوات الصديقة على الأرض. ونحن بطبيعة الحال ننسق مع القوات الأمنية العراقية من الجيش والشرطة. وبالتالي فاننا نعتمد على القوات الأمنية العراقية ليس في تحديد مواقعها هي فحسب بل ومواقع القوات الصديقة الأخرى ايضا ومنها الحشد الشعبي. وهذه المواقع ، كما يمكنكم ان تتصوروا ، تتغير باستمرار في ظروف الحرب ، وهذا يتطلب تعاونا واتصالات مستمرة. ومرة أخرى نقول اننا نحترم قوات الحشد الشعبي ونحترم مساهمتها ونعتقد بأنها يجب ان تكون تحت قيادة القوات الأمنية العراقية وسيطرتها".
الناطق باسم الحشد الشعبي كريم النوري وصف في حديث خاص لاذاعة العراق الحر الموقف الاميركي بأنه قراءة صحيحة للوضع منوها بصمود مقاتلي الحشد الشعبي وتضحياتهم التي فرضت تغيير التصورات والقناعات السابقة، لا سيما وان هذه التضحيات يقدمها مقاتلون من سائر مكونات الشعب العراقي، كما يتضح من مشاركة المقاتلين السنة الآن في معركة تحرير الرمادي والفلوجة ومدن الانبار الأخرى، بحسب النوري.
وأخذ الناطق باسم الحشد الشعبي على المستشارين الاميركيين الذين يعملون مع القوات العراقية "دورهم المحدود ونقص خبرتهم في مسك الأرض"، على حد تعبيره، مؤكدا ان أي تنسيق يجري من خلال الحكومة العراقية التي معها تُعقد الاتفاقات الأمنية، بما في ذلك ما يتعلق بالمستشارين الاميركيين.
ودعا النوري التحالف الدولي ضد داعش الى تغيير استراتيجيته وخاصة ضرب مسلحي داعش ومقراته وارتاله خارج مسرح العمليات في المدن واطرافها مستبعدا في الوقت نفسه ان يشكل ارسال 450 مستشارا اميركيا جديدا اضافة نوعية إزاء أداء نحو 3000 مستشار موجودين اصلا دون ان يفعلوا شيئا يُعتد به ، بحسب النوري.
رئيس لجنة الحشد الشعبي في محافظة بغداد معين الكاظمي اعرب عن ثقته بالقدرات الذاتية لقوات الحشد الشعبي مشيرا الى ان غياب التواصل المباشر مع المستشارين الاميركيين ناجم عن انعدام الثقة المتبادل.
ورأى الكاظمي ان صفحة جديدة يمكن ان تُدشن بين الولايات المتحدة والحشد الشعبي بتنفيذها عقود التسليح التي وقعتها مع الحكومة العراقية وتزويد الجيش العراقي بأسلحة حديثة وتكثيف ضرباتها الجوية ضد خطوط امداد داعش ومواقعه بحيث يكون تأثيرها واضحا في سير المعركة.
وذهب رئيس لجنة الحشد الشعبي في بغداد الى ان هناك من يعتقد ان لدى الولايات المتحدة مصلحة في بقاء خطر داعش بدعوى انه يقدم لها مبررات لتعزيز وجودها العسكري من خلال المستشارين واقامة قواعد عسكرية وترويج اسلحتها بإبقاء المنطقة في حال من عدم الاستقرار.
استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد حميد فاضل رأى ان الوقائع على الأرض هي التي أملت على الولايات المتحدة اعترافها بالحشد الشعبي مؤسسةً قوية اثبتت تحليها بروح قتالية عالية وعزيمة صلبة على النقيض من الجيش النظامي الذي قامت هي بتدريبه بعد التغيير عام 2003 ثم اعلن وزير دفاعها آشتون كارتر انه جيش يفتقر الى ارادة القتال.
وتوقع الأكاديمي فاضل ان تستمر الولايات المتحدة في التعامل مع الحشد الشعبي والعمل في الوقت نفسه على إيجاد بديل مشيرا الى الحديث عن تسليح عشائر سنية خلال زيارة رئيس مجلس النواب سليم الجبوري الى واشنطن وتصريحات العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني في هذا الشأن.
قال رئيس هيئة الاركان المشتركة الاميركية الجنرال مارتن ديمبسي في إفادة امام الكونغرس ان ثلث القوات التي شاركت في تحرير مدينة تكريت هي من الفرقة الخامسة للجيش العراقي والثلثين الآخرين من قوات الحشد الشعبي.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي ساهم في اعداده مراسل اذاعة العراق الحر أياد الملاح.