في ذكرى سقوط مدينة الموصل علي أيدي مسلحي تنظيم "داعش" قبل عام وما نجم عنه من تداعيات مأساوية وقتل وتهجير للألاف وتهديد لبقية محافظات العراق، اشاد مسؤولون وسياسيون بفتوى المرجع الديني علي السيستاني للجهاد الكفائي التي ساهمت في إنقاذ العراق من مخطط اسود واوقفت امتداد تنظيم "داعش" الى المنطقة، بحسب بيان عن رئيس الوزراء حيدر العبادي يوم الجمعة.
وجاء في البيان: "ان الفتوى صدرت في وقتها المناسب وجاءت لتعبر عن نظرة دقيقة ومسؤولة وصائبة وتشخيص لطبيعة الاوضاع وخطورتها بعد تداعيات نكسة الموصل وانقذت العراق من مخطط اسود. ارادته عصابة داعش تنفيذه في العراق والانطلاق الى جميع دول المنطقة".
من جانبه قال وزير الدفاع خالد العبيدي في بيان يوم السبت إن "فتوى الجهاد الكفائي للمرجعية العليا حفظت وحدة الوطن وأجهضت مخططات التقسيم".
وأضاف العبيدي أن "مشاركة الحشد الشعبي المجاهد في معارك التحرير تجسيد حي لقيم الوطن العليا ولوحدة مصير العراقيين"، خالصا الى أن "قواتنا الباسلة وحشدنا المجاهد وابناء العشائر عماد الوطن وسبيله نحو الانتصار الناجز" بحسب تعبير البيان
الأبيض: السياسي هو من يطرق أبواب المرجعيات
تدفع المناسبة الى تقييم الطاقة التحفيزية الشعبية والإدارية التي تنطوي عليها فتاوى وتوجيهات رجال الدين على الشارع العراقي، والى أي مدى تتساوق وتنسجم مع واجبات وعمل مؤسسات الدولة، بهذا الشأن يرى المحلل والمهتم بشؤون المرجعية احمد الأبيض أن الدعوة للجهاد الكفائي جاءت في توقيت مناسب لتدارك الانهيار العسكري والنفسي الذي رافق سيطرة مسلحي "داعش" على مدن الموصل وتكريت قبل سنة مضت.
وبيّن الأبيض في حديث لإذاعة العراق الحر أنه برغم تأكيد المرجعية الدينية المتكرر على عدم التدخل في الشؤون السياسية والإدارية للدولة الا ان السياسيين العراقيين بعد 2003 سعوا لتكون المرجعية مظلة لهم للتغطية على فشلهم.
ويرى الأبيض أن الحلم بدولة مدنية يُفصَل الدينُ فيها عن السلطة، اصطدم بتربع المتدينين على سدة الحكم بدعم من الجمهور الذي ظنهم ضمانة للنزاهة والأمانة، لكن الواقع كشف عن أن بعض المتدينين سلكوا سلوكاً خالف التوقعات
ومع الاعتراف بوجود صراع طائفي في العراق الا أن الامر مختلف عن حالات أخرى كما في نموذج الدولة في ايران أو لدى طالبان، فالمرجعية الدينية العراقية، بحسب احمد الأبيض، تؤمن بالدولة المدنية مثلاً وهي تختلف مع مفهوم ولاية الفقيه الإيرانية.
أية مسافة بين رجل الدين والدولة المدنية؟
يعيد الناشط المدني وليم ورده الى الأذهان دورَ الكنيسة في اوروبا خلال القرون الوسطى عندما كانت تتحكم بالسلطة وتبارك الملوك والامراء وتسيطر على قراراتهم وفقا لرغبات رجال الدين، ويخشى ورده من أن عودة سلطة الدين بهذه القوة في العراق يتقاطع مع التوجه لبناء الدولة المدنية والعلمانية.
وبرر البعضُ انتعاشَ دور الدين في منطقة الشرق الأوسط والدول العربية بإحباط شعوبها من الأنظمة الشمولية السابقة التي فشلت في بناء حياة مدنية، ومع تفشي الجهل وسهولة التربع على مواقع المسؤولية، انتعش درور رجال الدين وابتعدت فرص التطور لبناء دولة مدنية، بحسب وليم وردة.
يشير الشيخ عبد الستار عبد الجبار، خطيبُ جامع أبو حنيفة النعمان ببغداد، الى تنوع وتباين البيئة الاجتماعية ومزاج الشارع العراقي بمكوناته واختلاف درجة التدين، معترفا بأن تصرف بعض رجال الدين في ظل تلكوء عمل الدولة خلق ردة فعل من الدين والتدين لدى البعض.
برغم عدم التزام شريحة واضحة من العراقيين بالضوابط الدينية وتأدية الطقوس، الا ان لفتاوى رجال الدين وقعٌ كبير في الشارع بعد عام 2003، ويؤشر الشيخ جاسم المندلاوي أن مرجعية الشيعة، بواقع كونهم أكثرية إسلامية في العراق، قد حضت بالاحترام، وكانت مواقفها على الدوام وطنية وليست طائفية ضيقة، لكن المندلاوي (وهو رجل دين شيعي) يعترف بان أغلب السياسيين اليوم يتزلفون للمرجعية خشية غضبها عليهم بسبب أدائهم.
ملاحظاً ان مرجعية النجف التي نالت ثقة وتقدير المكونات الدينية والاجتماعية العراقية لها تأثيرٌ بالغ على السياسيين يصل الى حد قدرتها على معاقبتهم او ازاحتهم فيما لو ارادت.
خطيب جامع "أبو حنيفة": في 2003 تغيرت معادلة الدولة العراقية
يعترف خطيب جامع أبو حنيفة النعمان الشيخ عبد الستار عبد الجبار في مقابلة مع إذاعة العراق الحر (يمكن الاستماع اليها في الملف الصوتي المرفق) بوجود اهتزاز في مشاعر المواطنة لدى شريحة واسعة من العراقيين على حساب الانتماء والتعصب للطائفة، مستشهدا بمواقف قادة سياسيين من الشيعة والسنة منذ تغيير النظام عام 2003، خصوصا في موضوع الأقاليم ومفهوم العراق الاتحادي.
ويلفت خطيب جامع أبو حنيفة الى هيمنة الهوية السنية على شخصية وإدارة الدولة الإسلامية منذ تأسيسها في عهد الرسول محمد(ص) لغاية التغيير السياسي والاداري الدراماتيكي في العراق نيسان عام 2003، الذي وجده البعض انتقالا لسلطة الدولة من السُنة الى الشيعة، ما ولّد ارباكا في مفاهيم البعض وتسبب في تشنجات طائفية.
ولاحظ الشيخ عبد الجبار ان بروز من أسماهم بالمعممين من الشيعة في الحياة السياسية ترك تأثيره واضحا على شؤون الدولة وأداء مؤسساتها أكثر من تأثير المعممين السنة. مبدياً قلقه من تعاظم دور المليشيات المسلحة وتعدد مراكز القوة والتأثير على الصعيد الأمني، ما يشعر المواطن العادي بالقلق وعدم الاطمئنان.
من جانبها تشخص مديرة برنامج العدالة الاجتماعية في العراق نهى الدرويش ان ضعف الدولة وهشاشة قراراتها وغياب استراتيجياتها في بناء مجتمع مدني متحضر أنعشَ دور جهات كالعشيرة والمؤسسة الدينية في التدخل والمشاركة في رسم حياة المجتمع.
شارك في الملف مراسل إذاعة العراق الحر في بغداد اياد الملاح