تنادى نحو 25 بلداً من انحاء العالم يوم الثلاثاء لدعم العراق في معركته ضد تنظيم الدولة الاسلامية "داعش". وتعهد مؤتمر التحالف الدولي ضد داعش الذي عُقد في باريس بدعم الحكومة العراقية في خطتها لاستعادة مدينة الرمادي مركز محافظة الانبار التي سقطت بيد داعش في ايار الماضي وتحرير المحافظة.
وأعلن البيان الختامي للمؤتمر ان وزراء دول التحالف تعهدوا بتقديم دعم ثابت لهذه الخطة التي تهدف الى تعبئة العشائر السنية واخضاع ميليشيات الحشد الشعبي لقيادة القوات المسلحة في اطار الاستعدادات الجارية لتحرير المناطق الواقعة تحت سيطرة داعش.
وأكد نائب وزير الخارجية الاميركي انتوني بلنكن في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء حيدر العبادي ووزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في ختام المؤتمر ان العبادي استعرض الخطة وهي خطة صائبة سياسيا وعسكريا:
"استعرض رئيس الوزراء حيدر العبادي لنا بالتفصيل خطة العمل بشأن الانبار التي قدمها الى مجلس وزرائه. وأعتقد اننا خلصنا الى انها الخطة الصحيحة عسكريا وسياسيا للعراق في هذا الوقت. نحن ندعم الخطة التي تدعو الى الإسراع بتدريب العشائر المحلية وتسليحها بالتنسيق مع سلطات الانبار ، وتعزيز وتنسيق عملية توفير الأسلحة ، وتوسيع التجنيد في صفوف الجيش العراق ، واستدعاء الشرطة المحلية وإعادة بنائها ، وضمان عمل جميع القوات ذات العلاقة تحت القيادة العراقية ، ودعم استحداث صندوق تنمية جديد من أجل الاستقرار للحصول على مساعدات فورية للمناطق التي يُطرد منها داعش".
وقال فابيوس الذي استضافت بلاده المؤتمر ان الاستراتيجية العسكرية لا تنفصل عن تنفيذ مصالحة سياسية في العراق. وتوقع فابيوس ان تكون المعركة ضد داعش طويلة ولكنه أكد تصميم التحالف على هزيمة داعش:
"أول ما يلفت نظري ان النقاشات التي أجريناها اليوم سمحت لنا بأن نؤكد مجددا وحدتنا وتصميمنا المشترك على ان نقاتل ارهابيي داعش الذين ، كما أقول في احيان كثيرة ، مؤمنون مزيفون لكنهم مجرمون حقيقيون. وتوصلنا في الوقت نفسه الى ان هذه المعركة معركة طويلة الأمد. تحقق تقدم ويمكن ان تكون هناك تراجعات وعلى المرء ان يعرف انها معركة طويلة الأمد".
العبادي من جهته أكد ان العراقيين قادرون على هزيمة داعش ولكنه دعا المجتمع الدولي ايضا الى تحمل قسطه من المسؤولية لافتا الى ان داعش لم ينشأ في العراق وما زال يُرفد بالمقاتلين من الخارج.
ورغم مظاهر الوحدة والتضامن مع العراق في معركته مع داعش فان مراقبين لاحظوا ان مؤتمر التحالف الدولي في باريس شهد ايضا اختلافات في وجهات النظر. وتبدت هذه الاختلافات في انتقادات وجهها العبادي الى التحالف الدولي متهما اياه بالتقصير في دعم القوات العراقية.
وقال العبادي ان أطراف التحالف لا تزود القوات العراقية بمعلومات جوية كافية لوقف تقدم داعش. واضاف ان الضربات الجوية التي تنفذها طائرات التحالف الدولي مفيدة لكنها ليست كافية، مشيرا الى ان داعش متنقل ويتحرك في مجموعات صغيرة.
وذهب العبادي الى حد القول ان المجتمع الدولي "خذل" العراق منوها بان القوات العراقية تحقق تقدما ولكنها تحتاج الى مزيد من الدعم الاستخباراتي والأسلحة. وقال ان الجيش تلقى القليل من الأسلحة والعتاد رغم تعهدات التحالف بتقديم المزيد.
كما رفض العبادي الآراء القائلة ان حكومته لا تفعل ما يكفي لتحقيق المصالحة الوطنية. واعرب رئيس الوزراء عن ثقته بمشاركة العشائر السنية في المعركة ضد داعش.
ويرى مراقبون ان تحديات كبيرة تواجه هدف تحقيق هذه المصالحة مشيرين الى استياء حكومة اقليم كردستان بسبب عدم اشراك ممثلين عن الاقليم في مؤتمر باريس.
وكانت حكومة الاقليم أعلنت في بيان "كنا ننتظر ان تحترم الحكومة العراقية والمجتمع الدولي تضحيات شعب كردستان وبطولات البشمركة وان تنظر بتقدير الى إيواء أكثر من 1.5 مليون من النازحين واللاجئين بسبب حرب داعش ، إلا ان الحكومة العراقية لم تشرك ممثلي اقليم كردستان في المؤتمر".
ومن المظاهر الأخرى للتوتر الذي يعتري العلاقات الوطنية الغاء اجتماع للعشائر السنية في باريس. ونقلت وكالة رويترز عن الشيخ جمال الضاري احد شيوخ عشيرة الزوبع الكبيرة قوله "يجب ان تكون هناك مصالحة حقيقية تشهد توصل الشعب العراق الى حل سياسي لما يحدث وعندها سيتخلص السنة من داعش". ولكنه اضاف "ان السنة لن يتخلصوا من داعش ليحل محله قاسم سليماني" في اشارة الى قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني.
اذاعة العراق الحر التقت عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية حامد المطلك الذي شدد على ان القضية الأمنية قضية سياسية في جوهرها وهي وليدة فشل في الجانب السياسي، واصفا هذا الاخفاق بأنه نتاج تعثر العملية السياسية ومسيرة المصالحة الوطنية وخاصة التلكؤ في مكافحة الاقصاء والتهميش وتحقيق التوازن في مفاصل الدولة والابتعاد عن النفوذ الايراني ، بحسب تعبير المطلك.
ولفت المطلك الى استمرار داعش في التمدد وانتهاكات مجاميع محسوبة على قوات الحشد الشعبي قائلا ان هذا ما كان ليحدث على نطاق واسع لو كان التحالف جادا في التعامل مع المخاطر التي تهدد العراق.
الخبير الأمني احمد الشريفي دعا الى اعتماد العراقيين على قدراتهم الذاتية وألا يراهنوا كثيرا على الدعم الاقليمي والدولي مضيفا انه لا الولايات المتحدة نفذت التزاماتها بموجب الاتفاقيات الموقعة بينها وبين الحكومة العراقية ولا التحالف الدولي أبدى ارادة حقيقية في تقديم دعم ذي معنى للعراق.
وأعرب الشريفي عن الأمل بألا يكون الدعم الذي تعهد به التحالف الدولي في باريس مشروطا أو يقترن بتدخل في شؤون العراق الداخلية بما في ذلك قضية المصالحة الوطنية وتوزيع المساعدات على سبيل المثال.
المحلل السياسي واثق الهاشمي وصف مؤتمر التحالف الدولي في باريس بأنه كان فرصة للمكاشفة اغتنمها العبادي ليقول ان هذا التحالف لم يقدم للعراق الدعم المنتظر منه.
من أشد الآثار المترتبة على الوضع الحالي مأساوية نزوح أعداد ضخمة من المواطنين الذين فضلوا ترك بيوتهم وممتلكاتهم على البقاء تحت سيطرة داعش. ويعيش هؤلاء النازحون اوضاعا صعبة. وقالت الأمم المتحدة انها تحتاج الى 500 مليون دولار للاستمرار في تقديم مساعدات انسانية الى هؤلاء النازحين حتى نهاية السنة.
وفي هذا الشأن حذر وكيل وزارة الهجرة والمهجرين اصغر الموسوي في حديث لاذاعة العراق الحر من حدوث موجات نزوح جديدة مع استمرار العمليات العسكرية وخاصة لتحرير مناطق ذات كثافة سكانية عالية مثل الموصل وبذلك انضمام أعداد أخرى من المواطنين الى نحو ثلاثة ملايين نازح مسجلين حتى الآن دون ان تكون لدى الدولة العراقية الامكانات اللازمة لتلبية الحد الأدنى من احتياجات هؤلاء المواطنين.
واعتبر الموسوي ان العراق يقف في الخطوط الأمامية لمعركة دولية في مواجهة الارهاب وبالتالي فان التزاما اخلاقيا وقانونيا يقع على عاتق المجتمع الدولي لمساعدة النازحين العراقيين بموجب مبدأ تقاسم الأعباء المتعارف عليه دوليا.
المحلل السياسي واثق الهاشمي وصف الأزمة الانسانية بأنها كارثة حجمها يفوق قدرات الدولة العراقية وكان على الجانب العراقي ان يتحرك في وقت أسرع للاتفاق مع الأمم المتحدة على استحداث صندوق من اجل اغاثة النازحين.
أعلنت الأمم المتحدة توجيه نداء الى المانحين من بروكسل يوم الخميس الرابع من حزيران للمساهمة في تمويل جهود الاغاثة ومساعدة النازحين العراقيين بصورة عاجلة.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي ساهمت في إعداده مراسلة اذاعة العراق الحر ليلى احمد.