تتصاعد المطالبات السورية الحكومية والمعارضة بضرورة التحرك لحماية المواقع الأثرية في سوريا وسط مخاوف من قيام تنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف بـ"داعش" بتدمير المواقع الأثرية التاريخية في تدمر كما حصل في الرقة والموصل.
تنظيم داعش الذي يتقدم مسلحوه بإتجاه العاصمة دمشق، إستولى مؤخراً على مدينة تدمر الأثرية الواقعة في ريف حمص الشرقي وعلى بعد 210 كم شمال شرق العاصمة السورية دمشق، وتعتبر أحد أهم مواقع التراث العالمي في الشرق الأوسط.
مدير المتاحف والآثار في سوريا مأمون عبد الكريم دعا المجتمع الدولي الى التحرك لإنقاذ مدينة تدمر الأثرية، مؤكداً أنها اصبحت رهينة ومختطفة بيد تنظيم "الدولة الاسلامية".
وقال عبد الكريم في مقابلة خاصة مع اذاعة العراق الحر" إن اضرارا لم تلحق بآثار مدينة تدمر منذ سقوطها بيد داعش الاسبوع الماضي، لكنه أعرب عن مخاوفه من ان يكون مصير آثار المدينة كما كان مصير آثار نينوى في العراق، وحمايتها مسؤولية دولية وليس مسؤولية سورية فقط، لما تحمله تدمر من قيم ومضامين ثقافية وحضارية رمزية في قلوب البشرية جمعاء و يجب البحث مع المنظمات الشريكة ومنها اليونسكو تحرير المدينة التي هي رهينة في ايدي هؤلاء الدواعش ".
تدمر رهينة بيد "داعش" وعلى الجميع أن يتحمّل مسؤولياتهم ... مدير الآثار السورية
واضاف عبد الكريم "أن مدينة تدمر في خطر كبير جداً، وهناك شبكة لصوص كانت موجودة في تدمر ونحن خوفنا الاعظم ان يكون هناك اتفاقات مع عناصر ما يسمى "الدولة الاسلامية" في الحصول على رخص للتنقيب في المواقع الاثرية، لان عناصر داعش متفرغون للقتال، وهؤلاء اللصوص متواجدون في اغلب المناطق الاثرية في سورية، وخوفنا الاكبر ان يقوم الدواعش بتكسير الاثار الضخمة الموجودة في حديقة المتحف، وبعض المباني الأثرية مثل "معبد بيل" والذي يعد درة المعابد السورية وكان كنيسة ثم تحول الى جامع اتمنى ان يتم التعامل معه على اساس انه جامع، وليس معبد روماني وثني".
مدير الآثار السوري اعرب عن الأمل بأن يضغط المجتمع المحلي في تدمر على داعش للابقاء على المدينة الأثرية لاسيما وان عدد سكان تدمر مع المهجرين يربو على مئتي الف شخص، وحملّ المجتمع الدولي مسؤولية عدم قيامه بأي شيء في "منع عناصر داعش من التقدم باتجاه تدمر عندما كانوا يتحركون بسرعة باتجاه المدينة".
وكشف مدير الاثار السورية عن أن مديريته نقلت مئات الاف من القطع الاثرية من كل المتاحف السورية، الى مناطق آمنة، ومنها اكثر من 35 الف قطعة اثرية تم نقلها من متحف دير الزور التي تمثل تاريخ الجزيرة السورية، وقامت بحماية بعض المباني ومنها متحف الفسيفساء في معرة النعمان، اما في مدينة تدمر فتم نقل ما يمكن نقله من رموز الفن التدمري مئات مئات التماثيل والقطع الاثرية الى اماكن امنة، لكن الاعمدة الاثرية والتي هي جسم عمراني فلا يمكن نقلها ومع ذلك اطمئن السوريين والعالم اجمع بأن مئات الاف من القطع الاثرية تمثل الفن السوري خلال العصور القديمة هي في وضع آمن ولكن هناك اكثر من عشرة آلاف موقع أثري ضمن المنطقة المشتعلة في سوريا يصعب حمايتها".
ويُعول المسؤول السوري كثيراً على المجتمع المحلي في تدمر وغيرها من المناطق السورية الخارجة عن سيطرة النظام لحماية المواقع الأثرية في مناطقهم والضغط على تنظيم داعش والفصائل المسلحة الأخرى لعدم التعرض لهذه الآثار.
"داعش" لن يدمر الآثار بعد أن وعد الأهالي بعدم التعرض لمدينة تدمر الأثرية ... ناشط سوري من تدمر
ناشطون سوريون ومصادر من داخل مدينة تدمر أكدت لإذاعة العراق الحر أن أمراء تنظيم داعش وعدوا بعدم التعرض للمدينة الأثرية. وذكر الناشط ناصر الثائر عضو تنسيقية الثورة في مدينة تدمر أنّ التنظيم لن يدمر الأثار بعد أن وعد الأهالي في المدينة بعدم التعرض لمدينة تدمر الأثرية، وبعد اقتحام عناصر داعش متحف المدينة لم يجدوا أي قطع أثرية وقاموا فقط برفع رايات التنظيم لأهداف إعلامية.
وأكد الثائر في حديثه لمراسل إذاعة العراق الحر من داخل تدمر، أنّ المدنيين يعانون من شح حقيقي في كافة المسلتزمات الأساسية من ماء وكهرباء وغذاء، فضلاً عن قطع جميع الاتصالات في المدينة. وأشار الثائر إلى أنّ سياسة تنظيم "داعش" لن تختلف في مدينة تدمر، عن سياسته في باقي ولاياته في عموم البلاد، وسيضطر الأهالي الى الإلتزام بقرارات التنظيم وسيخضعون له بالقوة كما خضعوا للنظام السوري من قبل، على حد تعبير الناشط.
عناصر "داعش" قاموا بتحطيم ما تبقى من القطع الأثرية في متحف تدمر ... إعلامي من حمص
وأغلق تنظيم "داعش" جميع الطرق المؤدية إلى مدينة تدمر وسط البلاد، بعد سيطرته عليها قبل أيام. وذكر الاعلامي حيدر رزوق من مدينة حمص نقلاً عن أقارب له من سكان تدمر، ان تنظيم داعش اعدم مئات الاشخاص بينهم عوائل كاملة، متهماً عوائل العسكريين او الموظفين الحكوميين بالتعاون مع النظام السوري.
وأضاف رزوق نقلاً عن اقاربه الذين اتجهوا الى مدينة الحسكة شمال شرق سورية، أن التنظيم وبعد السيطرة على مدينة تدمر منع الاهالي من التوجه الى مدينتي حمص ودمشق بل اجبر من يريد الخروج بعد دفع فدية تصل الى 500 ألف ليرة سورية، على التوجه الى مدينتي الحسكة والرقة، وشوهدت عشرات الجثث مقطوعة الرؤوس مرمية في الشوارع ".
ووفقاً للمعلومات التي حصلت عليها إذاعة العراق الحر من الإعلامي حيدر رزوق فان عناصر "داعش" قاموا بتحطيم ما تبقى من القطع الأثرية في المتحف، لكنهم لم يتعرضوا بعد للمدينة الأثرية.
وكانت مديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) إيرينا بوكوفا، حذرت من أن تدمير مدينة تدمر الأثرية، "لن يكون جريمة حرب فحسب، وإنما أيضا خسارة هائلة للبشرية". ودعت بوكوفا إلى وقف إطلاق نار فوري وانسحاب القوات من المدينة الأثرية.
عدم تدمير المواقع الأثرية سيخلق خلافات بين عناصر "داعش" ... ناشط سوري
وتتزايد المخاوف بشأن تدمير مزيد من الآثار بعد أن دمرت داعش آثار مدينة نمرود للحضارة الآشورية بالقرب من الموصل. ولا يستبعد الناشط الإعلامي أبو قدس أن يقوم تنظيم داعش بتدمير المواقع الأثرية والتاريخية في مدينة تدمر لأن ذلك أمر طبيعي بالنسبة للتنظيم الذي لا يهمه موقف العالم، ربما لن يُدمر الأعمدة الرومانية، لكنه سيدمر التماثيل بدعوى انها اصنام يجب تدميرها بحسب الفكر الإسلامي المتشدد الذي يتبناه التنظيم، بل أن عدم تدمير داعش للمواقع الأثرية سيخلق خلافات بين عناصر التنظيم وجدلاً فقهياً بينهم بحسب أبو قدس.
تنظيم "داعش" الذي وبحسب المرصد السوري لحقوق الانسان، بات يسيطر اليوم على أكثر من نصف الأراضي السورية، دخل الأسبوع الماضي متحف مدينة تدمر الأثرية، ودمر عدداً من المجسمات الحديثة، ثم وضع حراساً على أبوابه ورفع أعلامه.
وكان الائتلاف الوطني السوري حذر من "المخاطر التي ستنجم عن سيطرة تنظيم داعش على مدينة تدمر الأثرية، مطالباً منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) بالتحرك العاجل لحماية المدينة، ووضعها على رأس أولوياتها واتخاذ الإجراءات اللازمة لدق ناقوس الخطر وتحميل المجتمع الدولي مسؤولياته".
تمدد داعش خنجر في ظهر الثورة السورية ... مسؤول في الإئتلاف السوري المعارض
محمد يحيى مكتبي الأمين العام للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، أكد أن الإئتلاف أرسل عدة رسائل لمنظمات دولية ودول صديقة للتحرك ومتابعة الموضوع عن كثب، مشيراً الى أن لدى الإئتلاف مخاوف وخشية حقيقية من تعرض مدينة تدمر والمواقع الأثرية الى عمليات الهدم والتدمير مشابهة لتلك التي مارسها تنظيم داعش في متحف الرقة وغيرها.
المكتبي شدد خلال حديثه لإذاعة العراق الحر على أن ما يقوم به داعش يصب في مصلحة النظام السوري، قائلاً إن تمدد تنظيم داعش، خنجر في ظهر الثورة السورية ويصب في النهاية في مصلحة النظام اولاً وترويجه أنه هو المدافع عن العالم تجاه التطرف والإرهاب.
وبحسب المكتبي يتسائل الإئتلاف ويشكك بإنسحاب قوات النظام من مدينة تدمر، ونقله لكميات كبيرة من القطع الأثرية قبل دخول داعش، متسائلاً في الوقت ذاته عن دور طائرات التحالف الدولي التي لم تتحرك فيما كان مسلحو داعش يتقدمون في الصحراء باتجاه تدمر.
بمشاركة مراسلي إذاعة العراق الحر في سوريا خليل حسين ومنار عبد الرزاق.