فيما واصل مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـ (داعش) تقدمهم شرقا من مدينة الرمادي صوب قاعدة الحبانية العسكرية، أعرب مسؤولون أميركيون وعراقيون عن تفاؤلهم بتحرير الرمادي وإستردادها خلال الأيام المقبلة.
وأعرب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عن ثقته باسترداد مدينة الرمادي من أيدي مسلحي داعش في الأسابيع المقبلة، وقال فى مؤتمر صحفي عقده فى العاصمة الكورية الجنوبية سول "أنا على يقين من أن هذا الوضع سيتغير مع إعادة انتشار القوات وبمرور الأيام فى الأسابيع المقبلة".
وأقر كيري بالمكاسب الميدانية التي حققها تنظيم داعش في العراق أخيراً بسيطرته على مدينة الرمادي، لكنه أكد أن "خطوط الاتصال والتمويل والإمدادات لعناصر التنظيم قد تقلصت".
وكان مقاتلو داعش أعلنوا سيطرتهم على الرمادى بالكامل (الأحد) فى أكبر هزيمة تلحق بالحكومة العراقية منذ الصيف الماضي، وقال التنظيم في بيان، انه استولى على دبابات وقتل العشرات من قوات الأمن العراقية.
وأقرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بتفوق مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" في مدينة الرمادي وأكدت أنه في حالة سقوط تلك المدينة الواقعة في غرب العراق فإن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة سيدعم القوات العراقية لاستردادها فيما بعد.
وقالت اليسا سميث المتحدثة باسم البنتاغون إن "الرمادي كانت محل صراع منذ الصيف الماضي وأصبح لتنظيم الدولة الإسلامية التفوق الآن، لكنها أضافت أن خسارة هذه المدينة لا تعني تحول الحملة العسكرية العراقية لصالح داعش.
مجلس محافظة الأنبار أكد سقوط الرمادي بيد مسلحي داعش، وقال صباح كرحوت رئيس المجلس إن مجلس المحافظة صوّت خلال اجتماع عقده الأحد لصالح الموافقة على دخول قوات الحشد الشعبي في معارك تحرير مدن الأنبار.
وأمر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي "هيئة الحشد الشعبي" الذي يشكل مظلة للفصائل المسلحة التي تقاتل إلى جانب القوات الحكومية، وأغلبها شيعية، بالاستعداد للمشاركة في معارك الأنبار. ونقلت وكالة رويترز للأنباء عن صباح كرحوت رئيس مجلس محافظة الأنبار قوله إن قوات الحشد الشعبي وصلت قاعدة الحبانية وإنها الآن في حالة تأهب.
قوات الحشد الشعبي تواصل التقدم بإتجاه الرمادي ... متحدث
وأكد المتحدث الأمني بإسم هيئة الحشد الشعبي يوسف الكلابي في تصريح خاص بإذاعة العراق الحر أن قوات الحشد الشعبي تواصل التقدم بإتجاه الرمادي لمساندة قوات الجيش والشرطة العراقي وطرد مسلحي "داعش"، بعد أن تلقت الهيئة تعليمات بالتعبئة رافضاً لأسباب أمنية الإفصاح عن توقيت الانتشار ونطاقه وعدد القوات التي ستشارك في معركة الأنبار لكنه قال إنها أرقام وأعداد مفرحة.
ويأتي دخول قوات الحشد الشعبي إلى محافظة الأنبار ذات الأغلبية السنية، بعد أشهر من تحفظ سياسيين سُنة ومسؤولين محليين حول مشاركة هذه الفصائل، ومطالبتهم بتسليح العشائر المناهضة للتنظيم.
ويستبعد الكلابي تصاعد أصوات رافضة لمشاركة الحشد الشعبي في تحرير الرمادي، محملاً الأطراف السُنية المتحفظة على مشاركة الحشد الشعبي مسؤولية سقوط الرمادي في قبضة داعش.
نطالب بتدخل الحشد الشعبي لتحرير مدينتنا من قبضة "داعش" ... مواطنون
ميدانياً قال متحدث باسم محافظ الأنبار لرويترز إن نحو 500 شخص قتلوا في الاشتباكات التي دارت في الأيام الأخيرة حول مدينة الرمادي. وأضاف مهند هيمور أن ما بين 6000 و8000 نزحوا من المدينة.
مواطنون من الرمادي ناشدوا الحكومة العراقية فتح الطريق لدخول النازحين، وإرسال قوات الحشد الشعبي لتحرير مدينتهم، منتقدين هروب المسؤولين والقيادات الأمنية من الرمادي وترك المدنيين يواجهون مصيرهم بالقتل على يد داعش أو تشريدهم ونسائهم وأطفالهم.
وكان محافظ الأنبار صهيب الراوي دعا السلطات العراقية الى فتح جسر "بزيبز" الرابط ما بين العاصمة بغداد ومدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار، أمام النازحين ومساعدة المحافظة لتجاوز ما وصفه بالأزمة الإنسانية التي لم تشهد الرمادي لها مثيل.
وبعد سيطرة داعش على مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار لم تعد تسيطر الحكومة العراقية إلا على مناطق عامرية الفلوجة والحبانية والخالدية والبغدادي وحديثة والنخيب المتنازع عليها بين الأنبار ومحافظة كربلاء، كما أن معسكرات الحبانية وطارق والمزرعة وقاعدة عين الاسد، مازالت تحت سيطرة القوات العراقية.
وعقد في ساعات متأخرة من مساء الأحد مؤتمر عشائري حضره عدد من شيوخ وعلماء دين من محافظة الانبار وقد خرج المؤتمرون ببيان صحفي أكدوا فيه على عدة مطالبات.
الشيخ عارف المخيبر شيخ عشيرة البوعلوان، طالب رئيس الوزراء والمرجعيات الدينية بإرسال القوات الكافية من القطعات العسكرية والحشد الشعبي لإنقاذ ما تبقى من محافظة الأنبار، وتسليح أبناء العشائر، ودعا سياسي الأنبار الى أن يكونوا عوناً لشيوخ العشائر لإنقاذ المحافظة.
من جهته طالب الشيخ سلمان احمد العودة أحد شيوخ قبيلة البوسودة، التحالف الدولي بالجدية في قصف مسلحي داعش في منطقة الجزيرة المقابلة لمحافظة الأنبار محذراً من حصول كارثة كتلك التي حصلت في سبايكر إذا ما سقطت محافظة الأنبار بالكامل.
أما الشيخ محمد الفهداوي احد وجهاء قبيلة البوفهد في الانبار، فأكد أن أبناء العشائر صامدون ويواصلون مقاتلة داعش، داعياً شباب الأنبار الى الإنضمام لهم ومحاربة داعش.
من جهته حثّ الشيخ غسان العيثاوي شيخ عشيرة البوعيثة، العشائر الأنبارية على الصمود بوجه تنظيم داعش واصفاً المعركة بالتاريخية.
قائد قاطع عمليات الفرسان بالرمادي العقيد حميد شندوخ تحدث لمجموعة من الصحفيين في مدينة أربيل، عن أسباب سقوط الرمادي بيد مسلحي داعش، مؤكداً ان اعداداً كبيرة من ابناء العشائر والشرطة المحلية وعائلاتهم مازالوا محاصرين داخل الرمادي، وهناك مخاوف من قيام "داعش" بقتلهم أو إستخدامهم كدروع بشرية، منتقداً تأخر الحكومة العراقية في تسليح قوات الشرطة والحشد وأبناء العشائر، وأضاف شندوخ، أما أن الحكومة المركزية غير قادرة على إنقاذ الرمادي أو هناك صراع سياسي وفوضى سياسية ودموية يدفع ثمنها أهل الأنبار ومدينة الرمادي خاصة.
سقوط الرمادي كان متوقعاً لكن المعادلة ستنقلب ... خبير أمني
ويرى الخبير الامني اللواء المتقاعد عبد الكريم خلف أن سقوط الرمادي كان متوقعاً على أساس أن هناك من يؤازر ويؤيد داعش في الموصل والأنبار وصلاح الدين و هناك أصوات إستغلت المنابر الإعلامية العربية لتشويه صورة الحشد الشعبي ومنعه من دخول الأنبار كي تسقط بيد داعش.
ومع وصول أولى الطلائع من القوات العراقية وقوامها ثلاثة آلاف مقاتل الى قاعدة الحبانية وموافقة الجميع على دخول قوات الحشد الشعبي لتشارك في تحرير الأنبار، يتوقع اللواء المتقاعد عبد الكريم خلف أن تنقلب المعادلة على الأرض في الرمادي خلال الـ 72 ساعة المقبلة، بعد أن أكد وزير الخارجية الأميركي جون كيري وحلف الشمال الأطلسي على التدخل بقوة لمساندة القوات العراقية، وشدد خلف على ضرورة أن تبدأ الضربات الجوية الآن لأنها الفرصة المناسبة للقضاء على داعش وربما معركة الأنبار ستكون واحدة من العلامات المضيئة لنهاية "داعش" في العراق، على حد تعبير الخبير الأمني.
الرمادي كان مشروع سقوط مؤجل وداعش بات يهدد حزام بغداد وكربلاء ... محلل سياسي
ولكن المحلل السياسي العراقي إبراهيم الصميدعي يرى أن الموقف السُني منقسم بشأن دخول قوات الحشد الشعبي الى محافظة الأنبار، حيث هناك قلق من أن إنتصار الحشد الشعبي في الأنبار يعني وقوع هذه المنطقة السُنية تحت سيطرة النفوذ الإيراني، من جهة أخرى الكثير من القوى الشيعية اليوم لا تريد أن تزج بقوات الحشد الشعبي التي تعتبرها الذراع الحديدية للحفاظ على الشيعة والحفاظ على بغداد ومنع تقدم داعش نحو المحافظات الجنوبية، الى حرب مفتوحة في الانبار حرب اكبر من قدرة الحشد الشعبي وحرب طويلة.
وقال الصميدعي في مقابلة أجرتها معه إذاعة العراق الحر عبر الهاتف من العاصمة الأردنية عمان، أن الرمادي كان مشروع سقوط مؤجل لأن طبيعة إدارة المعركة فيها كان واضحاً لأن القوات العراقية غير قادرة على الصمود لعدة أسباب أولها عدم وجود منظومة قيادة وسيطرة واحدة تقود كل القطعات العسكرية، حيث لدينا اكثر من جيش الحشد الشعبي ومقاتلي العشائر والقوات الحكومية التي ما زالت تعاني من إنهيار الموصل واليوم إنهيار الأنبار وهي اليوم غير قادرة على سحب منظومة القيادة والسيطرة من القوات الأمنية الأخرى.
ويحذر الصميدعي من أن داعش وبعد سيطرته على مدينة الرمادي، بات يستطيع اليوم أن يهدد حزام بغداد وحزام كربلاء، لذا على القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي حماية أن تركز على حماية حزام بغداد ومنع أية محاولة إختراق من قبل داعش بإتجاه كربلاء، والأهم ضبط الجبهة الداخلية لأن داعش يبحث عن فرصة تاريخية للصدام الشيعي السُني في العمق العراقي لكي يُحدث الفوضى التي يمكن أن يتسلل منها، قد يعمد تنظيم داعش الى إحداث عمليات إرهابية واسعة وتفجيرات في العمق العراقي في بغداد وربما في المحافظات الجنوبية.
قرار تسليح العشائر السُنية واجه عقبات كثيرة من الأطراف الشيعية وبعض القوى الإقليمية المؤثرة في العراق، ويستبعد الصميدعي أن تتسرع الولايات المتحدة بتقديم مساعدة مفتوحة أو تتدخل بشكل أوسع طالما لديها مخاوف من الميليشيات الحشد الشعبي المدعومة إيرانياً.
وبحسب الصميدعي، فان الحل لأزمة الأنبار يكمن في البحث عن مخرج سياسي وتعزيز خطوط الدفاع حول بغداد وتعزيز الجبهة الداخلية وإيجاد مقاربة بين الرؤيا الأميركية والرؤيا الإيرانية وبين المتطلبات الإقليمية للقضاء على داعش وتجفيف منابعه.
بمشاركة مراسل إذاعة العراق الحر في الأنبار رعد الخاشع.