في لحظة صدق ومسؤولية وتوجّع أقرّ عضو مجلس محافظة الانبار راجي العيساوي بخطورة الموقف في الرمادي بعد سيطرة مسلحي تنظيم داعش على كامل المدينة يوم الاحد. معترفاً في حديثه لوسائل الاعلام عصر الأحد بخذلان السياسيين لجمهورهم، وعجز الحكومة المحلية والمركزية عن حماية مواطنيه وتعرضهم الى النزوح أكثر من مرة ومواجهة الظروف القاسية، مختصرا الموقف بقوله: "من حق أهلنا في الانبار رمي سياسيينا ووزرائنا (الذين لا يستحقون تمثيل مواطنيهم) بالأحذية، لما تواجهه عائلاتنا ونساؤنا النازحات من ظروف قاسية ومن مهانة."
الحشد الشعبي الى الحبانية، ونداء لإغاثة نازحي الرمادي
وكان رئيس الوزراء حيدر العبادي طلب يوم الاحد من قوات "الحشد الشعبي" المؤلفة بمعظمها من فصائل شيعية مسلحة، الاستعداد للمشاركة في معارك محافظة الانبار ذات الغالبية السنية، لا سيما مدينة الرمادي التي باتت بمعظمها تحت سيطرة تنظيم داعش.
وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء سعد الحديثي لوكالة فرانس برس "وجه رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة هيئة الحشد الشعبي، بالاستعداد والتهيؤ للمشاركة في العمليات القتالية في محافظة الانبار دعما للقوات المسلحة ولأبناء العشائر، لاستعادة السيطرة على مدن الانبار".
وفي شان ذي صلة وجّه عضو لجنة الإغاثة في عامرية الفلوجة عبد المنعم العيساوي نداء عبر وتصريحات لوسائل الاعلام الى المسؤولين الحكوميين والمنظمات الإنسانية لتقديم العون لمئات العائلات التي تركت بيوتها في الرمادي مضطرة خائفة، واصفا المشهد من عامرية الفلوجة بالمأساوي.
وفي تطور لاحق أعلن صباح كرحوت رئيس مجلس الانبار يوم الاثنين أن قوات الحشد الشعبي وصلت قاعدة الحبانية وإنها الآن في حالة تأهب. وكان كرحوت أعلن قبل ذلك عن موافقة مجلس المحافظة بعد التصويت على السماح بدخول قوات الحشد الشعبي الى الانبار. فقد نقلت فرانس بريس الاحد عن مهند هيمور، وهو المتحدث عن محافظ الأنبار إن "مقر قيادة عمليات الأنبار في الرمادي أخلي، وإن ما لا يقل عن 500 شخص بين مدني وعنصر أمني قتلوا خلال اليوم الماضيين". وقال مسؤول محلي إن سكان الرمادي يفرون منها "بأعداد كبيرة."
وكانت الولايات المتحدة وصفت الوضع في الرمادي بأنه "مبهم ومتنازع عليه"، إذ نقلت وكالة فرانس برس عن مورين شومان الناطقة باسم وزارة الدفاع الأمريكية قولها الاحد "إنه من المبكر جدا إطلاق احكام قطعية حول الموقف في الرمادي الآن".
وكانت الأسابيع الأخيرة شهدت هجمات شرسة وعمليات كرّ وفرّ بين القوات الامنية والجيش وأبناء العشائر من جهة ومسلحي التنظيم المتشدد من جهة أخرى، والذي بطش بالعديد من أبناء مدينة الرمادي ومنتسبي القوات الامنية وأعدمهم في حملة ترويع دأب على اتباعها في عملياته المختلفة.
تلعب تصريحات المسؤولين والسياسيين العراقيين دورا مؤثرا في تحشيد الراي العام وربما تأجيجه و تحريضه بحسب المناسبة والموضوع، فقد اعتاد العراقيون خلال السنوات الأخيرة على متابعة مناظرات تلفزيونية واذاعية بين سياسيين من كتل مختلفة تسودها المماحكاتُ والتوترات خصوصا عندما يكون ابطالها شخصيات مفوهة عرفت بقدرتها على المحاججة والجدل وحتى الصراخ لحسم الندوات والمناظرات لصالحها.
بهذا الشأن يرى عضو مجلس النواب أرشد الصالحي ان اكثر السياسيين ما زالوا يتعاملون بعقلية المعارضة واثارة قضايا جانبية ساخنة ليست في وقتها في خطاباتهم وتصريحاتهم، تهدف الى تاجيج التوترات في وقت يواجه العراقيون تحديات خطيرة تمس مستقبل البلاد وأمنها، ما يثير شكوكا حول نوايا أمثال هؤلاء وغاياتهم، محذرا من أن القلق والتهديد قد يواجه الجميع برغم ثقة بعضهم بانهم بمنأى عن تداعيات التوترات في المستقبل. ويرى الصالحي خلال حديثه لإذاعة العراق الحر ان في سلوك البعض، عن قصد او دون قصد، ما يضر بالشعب في حربه ضد الإرهاب.
الفتلاوي: بعض التصريحات تنطوي على مغالطة وغمط الحقائق
كثيرا ما تسببت التصريحات الساخنة والخطابات المتشنجة في اشعال حرائق كلامية انعكست على حياة المواطنين بل وأمنهم، فكم من تصريح موتور او خبر ملفق تبنته احدى وسائل الإعلام وجدَ صدىً وترويجاً في مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات الاخبار غير الموثوقة، وفي مقابلة اجريتها مع النائبة حنان الفتلاوي عن التحالف الوطني، وهي إحدى الشخصيات المثيرة للجدل إعلاميا من خلال تصريحاتها ومجادلتها الساخنة في المناظرات التلفزيونية والاذاعية، اعترفت بخطورة ما تقود اليه تصريحات أولئك السياسيين، مستحضرة نماذج تتعلق بتداعيات الاحداث الأمنية الأخيرة في الرمادي، وفي تكريت من قبل وتباين مواقف بعض السياسيين، بما اضر بحال جمهورهم، (يمكن الاستماع للمقابلة في الملف الصوتي المرفق).
من جانبه تمنى المتحدث باسم رئيس الوزراء سعد الحديثي، خلال اتصال مع إذاعة العراق الحر، على القوى السياسية وجميع فئات المجتمع التوجه لدعم جهود الحكومة في مواجهة تنظيم داعش وطرده من المناطق التي سيطر عليها، داعياً وسائل الإعلام الى ان تكون صوتا للمواطن لا منبرا لتأجيج الصراعات واختلاق الازمات والتوترات.
يخشى مراقبون من ان خطاب التشدد والمصالح السياسية والفئوية والشخصية اصبح واضح المعالم ما قد يقود الى تشظٍ أوسع في الواقع السياسي والاجتماعي العراقي، بحسب المحلل السياسي احسان الشمري الذي يحذر خلال حديثه لإذاعة العراق الحر من أن خريفا سياسيا قد يبدأ مع مؤشرات انفراط العقد بين القوى السياسية وتوافقاتهم الأولية بشان تنفيذ البرنامج الحكومي.
مراقب: بعض السياسيين تحولوا الى محللين من الدرجة العاشرة!
مع تداعيات الأوضاع الأمنية والمواجهات المسلحة مع تنظيم داعش يتوقع المحلل احسان الشمري ان اية تعاقدات سياسية مقبلة أو تغيير في الحكومة او استقتها سوف لن تستبعد اي طرف سياسي من الخارطة الجديدة، فنفس القوى وربما وجوهها الواضحة ستبقى في المشهد، وبالتالي فان الخاسر الأوحد في الصراع هو الشعب العراقي بحسب رايه.
من جانبه ينبه الكاتب والإعلامي عبد المنعم الأعصم الى خطورة دور الاعلام والخطاب السياسي عندما تغيب عنه روح المسؤولية والمهنية فضلا عن تمويه الحقائق على الجمهور. ويلفت الأعصم الى التداخل في الدور السياسي و الإعلامي، فكم من سياسي وقع في مصيدة الاعلام فتحول بعضهم الى محللين سياسيين ولكن من الدرجة العاشرة بحسب تعبيره. ويؤشر الاعسم ان العراق في حالة انتقال من مرحلة التخبّط الى دور الدولة المستقرة المتعافية، لكنه ما يزال يشهد صراعات شرسة تهدف الى اعاقة بناء دولة رخاء وتعايش بين جميع المكونات.
وفي لفتة تفاؤل يرصد المحلل عبد المنعم الاعسم نموا مضطردا للتيار المتطلع لمستقبل آمن، برغم تقاطع التصريحات ولغة التأجيج التي تحاصر العراقيين ممن يؤمنون بان خلاصهم يكمن في بناء دولة مدنية ديمقراطية فدرالية، وأن دوامات السياسيين وتقاطعاتهم قادت البلاد الى خذلان وخسائر كبيرة.
بمشاركة مراسل إذاعة العراق الحر في بغداد اياد الملاح