بيروت
مئة عام مرّت على المجازر العثمانية في حقّ الأرمن.
ففي 24 نيسان من العام 1915، تمّ جمع المئات من أهم الشخصيات الأرمنية في اسطنبول، وأُعدموا في ساحات المدينة. بعدها أُمرت العائلات الأرمنية في الأناضول بترك ممتلكاتها والانضمام إلى القوافل التي تكوّنت من مئات الآلاف من النساء والأطفال في طرق جبلية وعرة وصحراوية، وتمّ حرمانهم من المأكل والمشرب. كما قام الأتراك بإبادة مئات القرى الأرمنية في محاولة لتغيير الديموغرافيا. وقُدّر عدد الذين ماتوا من الأرمن بما بين مليون ونصف المليون شخص.
هذه المجازر أجبرت الأرمن على التوزع في بلاد الله الواسعة، ومنها لبنان. وتفيد بعض الاحصائيات بأن عددهم في لبنان في أواسط السبعينات كان يتراوح ما بين 250 ألفاً و300 ألف. إلّا أنّ الحرب الأهلية والأوضاع الاقتصادية المتردّية قلّصت هذا العدد إلى حوالى 150 ألفاً.
وتمكّنت الطوائف الأرمنية في لبنان من بناء بيئة مزدهرة من كنائس وأديرة ومدارس ونوادٍ. ففي لبنان يوجد مقر كاثوليكوسية بيت كيليكيا للأرمن الأرثوذكس، ومقر كاثوليكوس بطريرك الأرمن الكاثوليك، ودير بزمّار الذي يعتبر المركز الإداري لكل الأرمن الكاثوليك حول العالم.
كما بنى الأرمن حياة سياسية، وشكل لبنان مركزاً للأحزاب الأرمنية التي تمثّلت في كل من الحكومة ومجلس النواب.
مشاركة واسعة في احتفالات المئوية
تميّز احياء الذكرى هذا العام عن الأعوام السابقة، كونها تصادف مع مرور مئة عام على المجازر. لذلك أصرّ الأرمن اللبنانيون على التشديد على مطالبة الدولة التركية بالاقرار بالمجازر والتعويض وتقديم الاعتذار. وأقيمت احتفالات في بيروت ومنطقة المتن شرق العاصمة حيث مراكز الكثافة الأرمنية. وقد نُظمت مسيرة حاشدة شارك فيها مئات الأرمن والعديد من اللبنانيين الذين يساندون هذه القضية.
وأقامت أحزاب لبنانية احتفالاتها الخاصة، مثل حزب "القوات اللبنانية" الذي نظم مؤتمراً خطابيا أضاء فيه على القضية، كما وقف حزب الكتائب الى جانب الأرمن في احياء الذكرى. وجدير بالذكر أن العديد من الأرمن قد انضووا في أحزاب مسيحية لبنانية وشاركوا في الحرب اللبنانية وسقط منهم الكثير من الشهداء.
ويقول مطران بيروت للموارنة بولس مطر إن "ظروفاً صعبة مرّت على منطقتنا في الشرق الاوسط، والأرمن لم يكونوا وحدهم ضحية سياسة لا إنسانية على يد تركيا الفتاة، إنما أُخضع جبل لبنان للحصار، ومات ثلث شعبنا جوعاً لأن الطحين منع عن أبائنا وأجدادنا". وأشار إلى أن "مناطق مسيحية كاملة في شرق تركيا أُفرغت من أهلها السريان والأشوريين والأرمن".
أما المطران جورج يغيايان من بطريركية الارمن الكاثوليك فيؤكد أن الاحتفالات هذا العام "تهدف الى المطالبة بأمرين: اعتراف من قبل الحكومة التركية بالجريمة- الابادة، وتعويض عن تلك القصور والأديرة والكنائس والمدارس والنوادي الثقافية والصروح الحضارية والممتلكات والعقارات الأرمنية، التي تحولت الى مزارب للحيوانات وثكنات عسكرية ودوائرحكومية، وانتُهكت حرمتها وقدسيتها ودمرت وتبعثرت اكواماً اكواماً من الحجارة والغبار."
مماحكات لبنانية في الذكرى
ولكن احياء مئوية المجازر الأرمنية في لبنان هذا العام لم يخلُ من مماحكات اتخذت في بعض الأحيان طابعاً طائفياً. فقد ترك قرار وزير التربية الياس بو صعب تعطيل المدارس في الذكرى صدى سلبياً في أوساط جماعات وأحزاب سنيّة، لا سيّما في طرابلس. وقد دعت بعض الجهات، ومنها الجماعة الاسلامية، الى رفع أعلام تركيا على الشرفات في ردّ على قرار تعطيل المدارس. وللحظة كاد احياء الذكرى يشكل مادة خلافية جديدة بين اللبنانيين.
في الذكرى المئوية للمجازر، يريد الأرمن من الدولة التركية الحديثة الاعتراف بالأبادة وتقديم الاعتذار. ولكن تركيا ما زالت تنفي وقوع المجازر التي تؤكدها الأمم المتحدة ودول عدة انضمت الى المعترفين بالإبادة. وكان البابا فرنسيس آخر من وصف ما حدث قبل مئة عام في حق الأرمن بالإبادة.