كان العراقيون يأملون بعد سقوط الدكتاتورية بطي صفحة سوداء من تاريخ بلدهم السياسي. إذ شهدت العقود التي سبقت التغيير أشكالا من القمع والبطش والملاحقات طالت جميع القوى السياسية بلا استثناء. ولم يسلم منها حتى قياديون في الحزب الحاكم نفسه. ويذكر العراقيون ان صدام حسين لم يدشن عهده بتوجيه آلة النظام البوليسية ضد المعارضة على اختلاف توجهاتها وانما بإعدام واحد وعشرين قياديا من رفاقه في الحزب الحاكم وكأنه أراد ايصال رسالة الى العراقيين بأن من يعدم رفاقه على الشبهة أو بنزوة لن يتورع عن سحق من ينبس بكلمة اعتراض أو تذمر أو انتقاد لحكمه.
وعاش العراقيون طيلة السنوات اللاحقة فترة من المغامرات الكارثية في الخارج مقترنة في الداخل بصنوف من التنكيل لم يعرف العراقيون مثيلا لها في كل العهود السابقة. واصبحت الاعتقالات الاعتباطية والتعذيب في السجون والاعدامات بلا محاكمة والتصفيات الجسدية جزء من حياة العراقيين اليومية. وحين أُسدل الستار في النهاية على هذه الفترة المظلمة من تاريخ العراق بالكاد كان هناك بيت عراقي لم يفقد احدا للسجن أو القتل أو المنفى.
وكان من أول الاجراءات التي اتُخذت بعد التغيير تعويض ضحايا تلك الفترة بقوانين بينها قانون مؤسسة الشهداء وقانون مؤسسة السجناء السياسيين. ولكن ما حدث في اعقاب التغيير أسفر عن مزيد من الضحايا الابرياء بسبب اعمال العنف وظهور جماعات وسيلتها المفضلة لتحقيق اهدافها تفجير العبوات والسيارات المفخخة في الأسواق الشعبية والأحياء السكنية والشوارع العامة. وتعين على مجلس النواب ان يصدر تشريعات أخرى لتعويض ضحايا الارهاب ومن تضررت مصالحهم بالتفجيرات أو العمليات العسكرية.
واخذت أعداد جديدة تنضم كل يوم الى صفوف هذا الجيش من الضحايا وخاصة بعد سيطرة تنظيم داعش على مناطق واسعة من العراق منذ حزيران الماضي ونزوح آلاف العائلات هربا من مسلحي داعش وقوانين خلافته في المدن والبلدات والقرى التي ما زالت تحت سيطرته.
وتأتي هذه التطورات في وقت يمر العراق بضائقة اقتصادية وازمة مالية بعد هبوط اسعار النفط الى اقل من نصف مستواها قبل عام. وفي مواجهة هذا الوضع وتوفير متطلبات المجهود الحربي ضد داعش تعين على الحكومة ان تتخذ جملة اجراءات تقشفية هدفها ضغط المصروفات وخفض الانفاق العام. وتأثرت قطاعات عديدة بهذه الاجراءات بينها مشاريع استثمارية وخدمات عامة. وكان في مقدمة المتضررين ضحايا الارهاب والعمليات العسكرية الذي اصبحوا شريحة واسعة من المجتمع.
اذاعة العراق الحر التقت الناشط علي محمد حيال نائب رئيس مؤسسة قناديل الرحمة لرعاية ضحايا الارهاب الذي قال ان أكبر مشكلة تواجه هؤلاء الضحايا بعد كل ما عانوه جسديا ونفسيا وما تكبدوه من خسائر مادية هو قلة الرواتب التي يخصصها لهم القانون مطالبا بأن يعامل ضحايا الارهاب بعد التغيير معاملة المشمولين بقانون مؤسسة الشهداء لتعويض ضحايا النظام السابق لا سيما وان راتب المتضرر بالارهاب لا يتجاوز 350 الف الى 400 الف دينار في حين ان المشمول بقانون مؤسسة الشهداء من ضحايا النظام السابق يبلغ راتبه 1.2 مليون دينار ويحق له ان يجمع بين هذا الراتب وأي راتب آخر.
ولاحظ الناشط علي محمد حيال ان هناك فارقا كبيرا في تعويض ضحايا الارهاب في منطقة وتعويضهم في منطقة أخرى تعرضت الى تفجيرات أو هجمات ارهابية في اليوم نفسه واصفا ذلك بأنه انتهاك للدستور الذي ينص على ان العراقيين متساوون امام القانون بصرف النظر عن الجنس أو الدين أو المذهب أو القومية ومن باب اولى ان يكونوا مستاوين في التعويض لا سيما وان الارهابي نفسه لا يميز بينهم.ودعا حيال رئيس الجمهورية بوصفه راعي الدستور الى التحرك لإنهاء الانتهاكات التي تُرتكب بحق الدستور والقوانين عموما ، على حد تعبيره.
وتساءل الناشط علي محمد حيال عن السبب في تمييز المواطن الذي كان ضحية القمع والاضطهاد والسجن والتشريد في زمن النظام السابق وشموله بامتيازات واعانات ورواتب تقاعدية أفضل من ضحية الارهاب والعنف والتفجيرات بعد التغيير رغم ان كلاهما عراقيان وكلاهما ضحية سوى ان احدهما ضحية قبل التغيير والآخر بعده.
وأخذ الناشط حيال على القانون المعمول به لتعويض ضحايا الارهاب أغفاله رعايتهم النفسية والصحية وخاصة الأطفال الذين فقدوا آباءهم والنساء اللواتي فقدن ازواجهن والمعوق الذي أصبح أسير الكآبة بسبب العوز الى جانب أسر الاعاقة.
بروين محمد امين عضو المفوضية العليا لحقوق الانسان ومسؤولة ملف ضحايا الارهاب في المفوضية أشارت الى ان من وضعوا قانون تعويض الضحايا نظروا الى الارهاب بعد التغيير في عام 2003 على انه ظاهرة زائلة ولم يتوقعوا ان يصبح الارهاب بعد اثني عشر عاما على التغيير جزء من حياتنا اليومية أوقع نحو153 الف قتيل حتى الآن بحسب ارقام وزارة الصحة ووزارة حقوق الانسان.لذا جاء القانون ضعيفا بل ومهينا للضحية ، على حد تعبير بروين مؤكدة ضرورة اعادة النظر فيه.
ودعت بروين محمد امين الى تعديل القانون ليستوفي المعايير الدولية في معاملة ضحايا الأرهاب مشيرة الى وجود مقترح في لجنة الشهداء وضحايا الارهاب النيابية يدعو الى الدمج بمؤسسة الشهداء لا سيما وان القانون لم يُقدم بصيغته المعدلة للتصويت عليه بعد القراءتين الأولى والثانية في اللجنة السابقة.
عضو لجنة حقوق الانسان النيابية ختام الربيعي رأت ان أهم عيوب قانون تعويض ضحايا الارهاب المعمول به حاليا هو البيروقراطية التي حرمت متضررين من التعويض بعد مرور ثماني سنوات على وقوع الضرر الى جانب الحقيقة الماثلة في ان التعويض الذي يمنحه القانون لا يتناسب مع الضرر الذي وقع على الضحية.
وأكدت النائبة ختام الربيعي ان لجنة الشهداء وضحايا الارهاب النيابية تحاول دمج قانون تعويض ضحايا الارهاب بمؤسسة الشهداء على اساس ان الجميع ضحايا ، المشمولون بقانون مؤسسة الشهداء ضحايا نظام قمعي والآخرون ضحايا نظام فشل في إدارة الملف الأمني ، بحسب النائبة الربيعي.
مدير ادارة اللجنة المركزية لمتابعة شؤون ضحايا الارهاب في الأمانة العام لمجلس الوزراء رعد ياسين لفت الى صعوبة تعديل قانون تعويض ضحايا الارهاب والعمليات الحربية والأخطاء العسكرية رغم ما فيه من ثغرات تشريعية وعزا هذه الصعوبة الى العملية المعقدة التي يمر بها مشروع القانون قبل اقراره وبالتالي فان العودة اليه لتعديله ليس بالمهمة السهلة. كما دعا ياسين الى التثقيف بالقانون ساري المفعول حاليا وقال ان هذا يتطلب تضافر جهود متعددة الأطراف.
في هذه الأثناء تواصل منظمة ميرسي كور Mercy Corps الدولية التي تعمل في مجال الاغاثة والتنمية نشاطها لتعويض ضحايا الارهاب والأخطاء العسكرية بمشاريع فردية ومجتمعية مثل دعم اصحاب المحلات الصغيرة على المستوى الفردي واعادة تأهيل المستشفيات ومراكز مساعدة المعوقين بما في ذلك انشاء ملاعب في الاماكن التي شهدت اعمال عنف او تفجيرات كما قال ايهان يوسف المدير التنفيذي في المنظمة.
وشدد يوسف على ان المال لا يمكن ابدا ان يعوض الضحية ولكن المشاريع التي تنفذها المنظمة تُسهم بقسط وإن كان متواضعا في مساعدة الضحايا على إعادة بناء حياتهم وهناك قصص نجاح في هذا المجال منها التفاعل الشعبي المؤثر مع بناء ملعب في ساحة شهدت تفجيرا اوقع عدة قتلى بينهم شاب كان لاعبا كرويا واعدا في طريقه الى المنتخب الوطني ويفكر المجلس البلدي في المنطقة إطلاق اسمه على الملعب.
صدر قانون تعويض المتضررين بالعمليات الحربية والأخطاء العسكرية والعمليات الارهابية في اواخر عام 2009 بهدف "تعويض كل شخص طبيعي اصابه ضرر جراء هذه العمليات والأخطاء وتحديد الضرر وجسامته وأسس التعويض عنه وطرق المطالبة بالتعويض".
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي ساهم في إعداده مراسل اذاعة العراق الحر أياد الملاح.