يعبّر الطالب الجامعي "زمن التميمي" عن حال شائع بين العراقيين اليوم يتمثل بعدم التيقن من دقة وصحة الاخبار والتصريحات بشأن الفعاليات الأمنية والمواجهات العسكرية ضد مسلحي تنظيم داعش، فقد تكررت بحسب قوله حالاتُ التقاطع بين تصريحات لمسؤولين ومتحدثين رسميين وعسكريين، مع أخرى تمثل وجهة نظر وأهداف "داعش".
فضاء مفتوح للأخبار والاشاعات والاتهامات بلا حسيب
مع تصاعد المواجهات العسكرية مع مسلحي التنظيم المتشدد لا خراجهم من المدن التي يسيطر عليها، شهدت صفحات الفيبسبوك نشاطاً وتفاعلاً واسعيَن لناشطين من مختلف التوجهات والأفكار يطلقون الاخبار والتعليقات، وربما الإشاعات، دون تحسّب ولا خشية من محاسبةٍ أو رد، حيث وجدوا في مواقع التواصل الاجتماعي فضاء للتعبير عن آرائهم وبث كوامنهم وترويج ميولهم.
وساهم ضعفُ تغطية الاعلام الرسمي والناطقيات باسم المؤسسة الحكومية والعسكرية والامنية، في اتساع تأثير تلك المواقع على الرأي العام، وتشكيله سلبا او إيجابا.
سعى مؤيدو ومناهضو كلا الفريقين، الى الاستحواذ على أكبر حيز ممكن من صفحات مواقع الفيسبوك وتويتر، لنشر معلومات واخبار ومنشورات تؤثر على الروح المعنوية لأنصار ومقاتلي الطرف الآخر.
وليس أوضح من ذلك ملابسات ما سمي بمجزرة "الثرثار"، عندما تسبب تعدد منابر الإعلام الحربي والحزبي وفاعلية "إعلام داعش" إزاء الحادثة بزعزعة الرأي العام، وتخريب المعنويات، بحسب مراقبين.
فقد نشر التنظيم أن مسلحيه اقتحموا فوجاً تابعا للفرقة الأولى بالجيش في ناظم الثرثار الجمعة بعد محاصرة عناصره، مدعياً مقتل نحو 140 عنصرا، بحسب ما أعلنه التنظيم على مواقع تابعة له رددها واعاد نشرها كثيرون.
لكن وزير الدفاع خالد العبيدي نفى الأحد سيطرة النظيم على سد ناظم الثرثار شمال غرب الفلوجة، ووقوع مجزرة بحق القوات الأمنية. وطعن في الاخبار التي يجري تضخيمها وتداولها.
بغياب البيانات، مقاتلون ونواب يملؤون الفراغ الإعلامي!
يتضح من ذلك ان الحرب مع تنظيم "داعش" لم تنحصر على أرض الواقع العراقي فحسب، بل امتدت الى فضاء العالم الافتراضي على شبكة الانترنت، ويتساءل مدير معهد الصحافة والحرب عمار الشابندر عما يمكن أن يحصّن المواطن العراقي، وربما بعض السياسيين، ضد الاشاعات والاخبار المبالغة والتي تنطوي على التحريض. محذراً من تبعِات النشر غير المهني للأخبار، والتصريحات غير المسؤولة، وعدم إصدار بيانات للمواقف عن القيادة العامة للقوات المسلحة أو الناطقية العسكرية، خصوصا وأن حربا بمواجهة داعش تدور حالياً في البلاد تستدعي التعامل إعلاميا بشكل اكفأ.
يشخص مراقبون أن تنظيم "داعش" يمتلك ماكنة إعلامية تضم متخصصين في الحرب النفسية والإعلامية وقد نشط مروّجوها على صفحات التواصل الاجتماعي وبعض القنوات التلفزيونية ومنابر أخرى.
وقد شهدت الأشهر الأخيرة تحوّل العديد من القادة الميدانيين في القوات المسلحة أو الحشد الشعبي او ممثلي العشائر فضلا عن سياسيين وأعضاء في مجلس النواب، الى مصادر إعلامية تطلق تصريحات لا تخلو من العاطفية والعجلة، انطوت أحيانا على أسرار عسكرية ومعلومات ميدانية تمثل صيدا ثمينا للعدو.
وبهذا الشأن لا يرى جاسم المندلاوي وهو قياديٌ في تنظيم عصائب اهل الحق، في مقابلة مع إذاعة العراق الحر، ضيراً من أن يُصرح القائد الميداني، لوسائل الاعلام كونه الأقرب لساحة المعركة والأقدر على تقييم الموقف بحسب رايه.
في الوقت الذي يتطلع فيه احمد عزيز، وهو صاحب محل بقالة في بغداد، الى الحصول على معلومة صحيحة وخبر موثوق يعترف بألا مناص من تأثره و العديد من العراقيين بما ينشر على مواقع الفيسبوك الذي اصبح برأيه مصدرا يوميا مهما للأخبار.
الشاهر: اخبار الفيسبوك تنعش الانقسام الطائفي
ترى ماذا بشأن الاعلام الرسمي في مواجهة ما تموج به مواقع التواصل الاجتماعي؟ وهل من خارطة للتعامل المهني والخبرة الإعلامية والعسكرية الكفؤة في التعاطي مع هذا الموضوع بالغ الاهمية؟ وماذا عن البعد الطائفي الذي يظهر او يتستر وراء الكثير من الاخبار والمنشورات التي تنتشر على تلك المواقع؟
رئيس تحرير صحيفة العالم البغدادية عمر الشاهر تطرق الى جوانب من هذه المحاور خلال مقابلة هاتفية( يمكن الاستماع اليها في الملف الصوتي المرفق) ، مؤشراً سذاجة في تصريحات بعض المتحدثين الإعلاميين والسياسيين بما يتعلق بالمواقف العسكرية، وعدم إدراك بعضهم لحجم المجريات وتفاصيلها، منبها الى تصدي أي عسكري او مقاتل في الحشد الشعبي او من العشائر للحديث لوسائل الإعلامعما يمثل اسرارا ومواضيع بالغة الحساسية ما يعكس الاضطراب وسوء الإدارة، الشاهر نبه الى ان انقساما طائفيا يمكن ملاحظته بوضوح عند التعامل مع أي خبر يطرح في الشارع او في فضاء الانترنت والفيسبوك، بغض النظر عن مصداقية الخبر، وغالبا ما يدفع المتشددون الى تفكيكه بصيغة طائفية: أنظروا ما فعل السنة بالشيعة، أو ماذا فعل الشيعة بالسنة.
شارك في اعداد الملف مراسل إذاعة العراق الحر في بغداد اياد الملاح.