تسلط حلقة هذا الاسبوع من برنامج "المجلة الثقافية" الضوء على أسلوب تشكيلي غير مألوف للفنان مهدي المعلم، باستخدام تقنية لهب الشمعة في انجاز الاعمال الفنية، ووقفة مع اصداء وتأثرات الوسط الثقافي العراقي برحيل الفنان محمد مهر الدين، ومحطة مع كتاب عن الرحلات الاوروبية الى العراق بين القرنين السادس عشر والثامن عشر، ولقاء مع شاعرة عراقية تتحدث عن مواضيع شعرها والصعوبات التي تواجهها المرأة الكاتبة.
الرسم بدخان لهب الشمعة
تقينية جديدة استخدمها الفنان مهدي المعلم في معرضه الذي أقامه مؤخراً، حين استخدم دخان لهب الشمعة في رسم لوحاته. التقنيات غير المألوفة موجودة في المشهد التشكيلي العراقي، لكن الرسم بدخان لهب الشمعة قد يكون تقنية غائبة الا في تجربة المعلم التي جعلت معظم لوحاته ورسومه بالاسود والابيض، لان "السخام" الذي ينتج عن اللهب هو المادة المستخدمة في الرسم، وإن كان الفنان ادخل بعض الالوان في بعض اللوحات.
ويقول الفنان محمد الكناني عن هذه التجربة: "تفاجئنا تجربة الفنان مهدي المعلم بأنها تبتكر معطياتها الجمالية من عدة تقنية تقع خارج منطقة الرسم تحتاج للامساك بها الى قدرة ذهنية ودربة ومكنة مهارية وملاحظة ومراقبة حركة الدخان ليستقر على سطح العمل بحدود حددها الفنان اشبه بالخرائط..."
من الشعر النسوي العراقي
تستضيف هذه الحلقة الشاعرة منى سبع التي تقول انها اصدرت ديوانين شعريين وتعمل على انجاز ثالث، وحسب رأي بعض النقاد فان شعرها يتميز بنوع من العذوبة والعاطفة والوجدان خصوصاً في الديوان الأول المعنون "الامل الجريح"، فيما تميّزت المجموعة الثانية بكثير من الأسى الناجم عن التأثر بالظروف والبيئة المحيطة. وترى لدى الشعراء العرب، رغم التهاب المنطقة العربية عموماً، بعض الكتابات التي تتغنى بالحب او الطبيعة أو المرأة، بينما الشاعر العراقي يصعب ان يكتب عن هذه الامور لشدة صعوبة الظروف التي مر ويمر بها. والمرأة الاديبة تتحمل عبئين مقارنة بالرجل الاديب، وبالتالي ينبغي تشجيعها نقدياً.
رحلات اوروبية الى العراق
من الاصدارات التي ظهرت مؤخرا عن الرحلات الاوروبية للعراق، كتاب "رحالة أوروبيون في العراق بين القرنين السادس عشر والثامن عشر" الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر. الكتاب ترجمه خالد عبد اللطيف حسين وراجعه أنيس عبد الخالق محمود، ويقع في 268 صفحة من القطع الكبير.
المعلومات التي تتضمنها دفتا الكتاب قد تتماشى او تختلف مع معلومات اخرى سبق ان نشرت في كتب اخرى عن الرحلات الاوروبية في العراق في تلك الفترة. ويتضمن الكتاب ثمانية نصوص لكل من رالف فتش (1583/ 1589)، وتوماس هربرت (1628)، وكلوزييه دي لوار (1639)، وجان دي تيفينو (1664 /1665)، والجغرافي دانفيل (1779)، وجوزيف دو بوشان (1781 /1784)، والكونت فريير سوفبوف (1785)، وأخيرا أوليفييه (1794/ 1796).
مهرالدين.. رحيل وأصداء
الفنان محمد مهر الدين اسم معروف في فضاء الفن التشكيلي العراقي، وترك رحليه مؤخراً ردود فعل واثرا ملموسا في نفوس المثقفين والفنانين العراقيين، وهو ما يمكن ان يلاحظ سواء على صفحات التواصل الاجتماعي او على صفحات الصحف والمجلات. من بين المتابعات حول الموضوع مقال منشور في جريدة الاتحاد العراقية يشير الى هذا الغياب، قائلا: "أعتبر مثقفون وتشكيليون عراقيون وعرب رحيل الفنان الرائد محمد مهر الدين وغيابه خسارة لا تعوض، حيث كتب عدد كبير منهم على صفحاتهم الشخصية وكذا في العديد من المقالات عن هذا الرحيل المفاجئ، ومتحدثين باسهاب عن تجربته الابداعية ومكانته المتفردة في خارطة التشكيل العربي والعراقي، فبرحيل محمد مهرالدين الذي توفي مؤخرا، في العاصمة الاردنية عمان عن عمر 77 عاماً، يكون الفن العراقي والعربي قد فقد واحدا من مبدعيه الكبار، واسما لامعا من اسماء الحداثة العربية في الفن التشكيلي المعاصر، حيث يعد الفنان الراحل احد أبرز رموز التشكيليين العراقيين في ستينات وسبعينات القرن العشرين، ويقول عنه المتابعون له، انه أدخل مواد مختلفة وأساليب وتقنيات جديدِة في رسم اللوحة إضافة إلى حرصه على إبراز البعد الإنساني في لوحاته وطروحاته حول الإنسان واغترابه، فيما يؤكد الكثيرون انه يمثل ارثاً وطنياً كبيراً وثروة لا تقدر بثمن لأنه فنان لامس الموضوعات الخطرة وافصح عن رأيه بكل جرأة وشجاعة واستطاع النطق بما لم يستطعه احد غيره، آخذاً بنظر الاعتبار قيمة البحث عن جديد جيد يدخل في باب الحداثة وانجز للفن العراقي المعاصر اروع نفائسه الثمينة."
ليستمر بعدها مشيرا الى سيرة موجزة لابرز المحطات في حياة الفنان الراحل قائلا:
"ولد محمد مهر الدين في محافظة البصرة عام 1938، وأكمل دراسته الابتدائية والثانوية فيها، أحبّ الرسم في سنوات طفولته، وكان لأستاذ الرسم في المدرس الابتدائية فرج عريبي الفضل في اكتشاف موهبته وتشجيعه على دراسة الفن، فانتقل
إلى بغداد عام 1956 لدراسة الفن التشكيلي في معهد الفنون الجميلة فأكمل دراسته فيه عام 1959، ويؤكد مهر الدين أن مواضيع رسوماته الأولية كانت نابعة من واقع البيئة البصرية والتراث العراقي، لكنه بدأ يتناول مواضيع إنسانية مع دخوله معهد الفنون الجميلة، ما أهله للمشاركة للمرة الأولى في معرض جمعية الفنانين ببغداد في عام 1959. وأكمل الراحل دراسته العليا في بولندا، وبالتحديد في أكاديمية الفنون الجميلة في وارشو التي حصل منها على شهادة الماجستير في الرسم والكرافيك، فتأثر برواد الحركة التشكيلية في بولندا واسبانيا، ويصف الراحل مرحلة الدراسة في بولندا بالغنية لأن الحركة الفنية في هذه البلاد خلال مدة ستينات القرن الماضي كانت نشطة، وشهدت تقدماً وتطوراً في مجالات الفن المختلفة. وحينما عاد الى بغداد اقام اول معرض شخصي له عام 1965، فيما عمل مدرساً لمادة الفن في معهد الفنون الجميلة ببغداد لسنوات طويلة. وحصل الفنان محمد مهر الدين على جوائز عدة خلال مسيرته الفنية منها الجائزة التقديرية في المرتبة الثانية في بينالي الفنون في أنقرة عام 1986، والجائزة الأولى في مهرجان الفنون الثاني في بغداد عام 1988، وجائزة تقديرية عام 1993 في بينالي الفن الآسيوي بنغلاديش، والجائزة الوطنية للابداع في بغداد عام 1998، وحقق مهر الدين ثلاث جداريات رسم كبيرة في مطاري بغداد والبصرة، وساحة الاحتفالات في العاصمة بغداد. وفي عام 2011 صدر عن تجربة الفنان محمد مهر الدين كتابان، الأول نقدي حمل عنوان "آراء حول تجربة الفنان محمد مهر الدين التشكيلية" من عام 1967 إلى عام 2010، والثاني بعنوان "انشغالات محمد مهر الدين" من عام 1957 إلى عام 2011، وضم صوراً لـ 200 لوحة من أعماله الفنية، ويقول مهر الدين أن النقاد أنصفوه في كتاباتهم النقدية. وبالرغم من رضاه عن عطائه الفني، إلا أنه كان يحمل الكثير من الأمنيات في مقدمها عودة السلام إلى العراق، وأن تتحول أعماله الفنية إلى جداريات ونصب تعبر عن تاريخ وثقافة هذه البلاد. اقام في شهر ايار / مايو عام 2014 معرضا له بغاليري الاورفلي في العاصمة الاردنية عمان بعنوان (حرب قذرة) ضم 40 لوحة تجسد تداعيات حرب 2003 على العراق وبشاعة المستفيدين منها، وقال الراحل عنه: انه استخدم الاسلوب التعبيري لأنه يعبر خير تعبير عن "الواقع المؤلم الذي عانى منه العراقيون جراء الحرب".