بيروت
في 26 نيسان من العام 2005 حصل ما لم يكن أحد من اللبنانيين يتخيّل حصوله: انسحب الجيش السوري من البلاد بعدما أحكم سيطرته وسطوته طوال ثلاثة عقود. ما كان يُعتبر "حلماً" صعب المنال أصبح حقيقة واقعة.
لم يكن من السهل إخراج هذا الجيش العاتي الذي بلغ تعداده 14 ألف جندي من لبنان، لولا تضافر ضغوط دولية كبيرة مع انفجار عارم للغضب الداخلي إثر جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، والتي وُجّهت أصابع الاتهام فيها الى النظام السوري.
ففي أيلول من العام 2004 أقرّ مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1559 الذي يدعو الى انسحاب القوات الأجنبية من لبنان وحلّ الميليشيات ونزع سلاحها وبسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع أراضيها. وترافق صدور هذا القرار مع ضغط دولي غير مسبوق، خصوصاً من قبل الولايات المتحدة برئاسة جورج بوش وفرنسا برئاسة جاك شيراك الذي كان صديقاً حميماً للرئيس الحريري، من أجل استعادة سيادة لبنان.
وأتى اغتيال الحريري في 14 شباط 2005 ليفجّر موجة غضب ضد الوجود السوري والنظام الأمني اللبناني-السوري، توّجت في التظاهرة المليونية في 14 آذار، والتي أدت الى خروج الجيش السوري في 26 نيسان.
وصاية غير مباشرة
بعد عشر سنوات، يقول العديد من المحلّلين إن صورة الوصاية السورية لم تتغير كثيراً. انسحب الجيش السوري، ولكن حلفاءه اللبنانيين ظلوا أوفياء له. ويقول النائب مروان حمادة الذي تعرض لمحاولة اغتيال بتفجير سيارة مفخخة أواخر العام 2004، والتي اتُهم النظام السوري بتدبيرها: "إنها ذكرى نهاية وجود القوات السورية في شكل مباشر، وبداية شكل جديد من الوصاية السورية عبر "حزب الله" الحليف الاستراتيجي لنظام بشار الأسد". ويرى حمادة أن "خبايا الوصاية السورية تظهر تباعاً، وفي مقدمتها حيثيات سلسلة الاغتيالات التي بدأت منذ زمن كمال جنبلاط." (إغتيل في العام 1977).
خلال السنوات العشر بعد الانسحاب السوري، أمور كثيرة حدثت: سلسلة اغتيالات استهدفت قيادات في فريق "14 آذار". وهناك أيضاً من قال "شكراً سوريا"، وأنشأ منذ ذلك الوقت ما بات يعرف بفريق "8 آذار" حليف سوريا بزعامة "حزب الله"، والذي دافع بشدة عن المصالح السورية في لبنان، حتى أن الحزب يشارك منذ اندلاع الأزمة السورية في الحرب الى جانب النظام السوري، وقد دفع بالعديد من مقاتليه الى الداخل السوري.
مفارقة معبّرة
في أيّ حال، حلّت الذكرى العاشرة مع مفارقة تزامنها مع "وفاة" احد رموز الوصاية وآخر ضباطها الراحلين من لبنان في يوم 26 نيسان 2015 رستم غزالي. ووصف العديد من اللبنانيين هذه "الوفاة" بأنها تصفية لغزالي على أيدي بعض اجهزة النظام .
ولعلّ اشد التعليقات السياسية اللاذعة التي صدرت من لبنان على وفاة غزالي جاءت على لسان رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، الذي كتب مغرّداً على حسابه على "تويتر": "مهما حاول حاكم ما تبقى من النظام السوري التخلص من الشهود في الجرائم التي ارتكبت في لبنان وفي حق الشعب السوري، لكن المحكمة الدولية في انتظاره، ونحن إلى جانب النهر في انتظاره".
ولم تقلّ تعليقات أخرى قساوة بدلالاتها. فقد نظّم حزب "الوطنيين الأحرار"، وهو أحد أحزاب "14 آذار" احتفالاً عند صخور نهر الكلب الأثرية التي تحمل لوحات صخرية تسجل مراحل جلاء الجيوش المحتلة عن لبنان عبر التاريخ.
واعتبر رئيس الحزب النائب دوري شمعون أن "الدولاب بدأ بالدوران اكثر في سوريا"، لافتاً الى أن "كثيرين سيلحقون برستم غزالي، وكل من وضع يده على لبنان يستأهل اكثر من ذلك ". كما اعتبر عضو كتلة المستقبل النائب جمال الجراح أن "الجيش السوري ترك وراءه من أراد استتباع لبنان وشعبه لارادة ايران ومرشدها". وأضاف: "بالأمس قُتل رستم غزالي، وقد استبقت عدالة السماء عدالة المحكمة الدولية".
خرج الجيش السوري من لبنان، ولكن مقاتلي "حزب الله" دخلوا الى سوريا. بعد عشر سنوات ما زال اللبنانيون منقسمين بقوة حول الأزمة السورية التي كادت تشعل حرباً جديدة في هذا البلد.
بعد عشر سنوات، خرجت سوريا، لكنها ما تزال هي المشكلة.