كانت الحدود العراقية قضية حساسة منذ تأسيس الدولة العراقية في عام 1921. وأصبحت النزاعات الحدودية بين العراق والدول المجاورة ملفا مزمنا تتوارثه الحكومات المتعاقبة في كل العهود. ويتذكر كثير من العراقيين ان خريطة العراق كانت تتضمن مضلَّعا في شكل مَعين كتُبت داخله عبارة "منطقة الحياد" بين العراق والمملكة العربية السعودية. وبقيت منطقة الحياد في هذا المضلع عقودا الى ان اتفق النظام السابق على تسوية بشأنها مع السعودية إبان الثمانينات.وتردد ان النظام تنازل عن حق العراق لأنه كان بحاجة الى دعم المملكة في الحرب مع ايران. ويصح الأمر على الحدود مع ايران وخاصة ما يتعلق بشط العرب الذي تقاسمه النظام السابق مناصفة مع ايران بموجب اتفاقية الجزائر عام 1975 ثم اعلان صدام حسين الغاء الاتفاقية بعد الثورة الايرانية على حكم الشاه. وما زال ترسيم الحدود بين العراق وايران ينتظر الاتفاق عليه بصورة نهائية بين الحكومتين. واسفر غزو الكويت وما ترتب عليه من عواقب كارثية عن تعديلات جذرية في الحدود قلصت مساحة العراق باقتطاع اراض من ناحيتي أم قصر وصفوان وضمها الى الكويت.
وفي الشمال لم يمنع تقسيم كردستان بقرار من الامبراطوريات الغربية بعد الحرب العالمية الأولى تنقل الأكراد عبر الحدود بين تركيا والعراق. وفي غرب العراق لم يكن للحدود مع سوريا وجود بنظر العشائر التي ظلت تعبر من هذا الجانب الى الجانب الآخر كما كانت قبل ترسيم الحدود. وما زالت اواصر قربى تربط عائلات في سوريا والعراق. وعندما استقبلت محافظة الانبار نازحين سوريين بسبب القتال في دير الزور مثلا اقام كثير منهم عند اقاربهم وليس في مخيمات اللاجئين.
وكانت مهمة الدوريات الحدودية تتركز على مكافحة عمليات التهريب اساسا وليس ملاحقة الرعاة الذين يطوفون المنطقة غير معترفين بوجود حدود. ولكن الوضع تغير بصورة جذرية بعد الغزو الاميركي وانهيار مؤسسات الدولة العراقية بما في ذلك حرس الحدود. واصبحت المناطق الحدودية معابر لتسلل المسلحين والمقاتلين الأجانب من سوريا الى العراق حتى ان الحكومة العراقية شكت نظيرتها السورية عدة مرات في المحافل الدولية بسبب عمليات التسلل عبر الحدود وخاصة في السنوات الأولى التي أعقبت الغزو الاميركي.
وازداد الوضع تفاقما مع صعود تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" في سوريا ثم اجتياحه مناطق واسعة من العراق واعلانه خلافة داخل الأراض السورية والعراقية. وأسفر هذا التطور عن اختفاء الحدود الدولية عمليا وحتى الحديث عن إعادة النظر بحدود سايكس ـ بيكو في اشارة الى اتفاق الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية على تقاسم ممتلكات الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.
وامتد خطر داعش على طول حدود العراق الغربية وصولا الى حدوده مع العربية السعودية حيث قُتل في مطلع هذا العام ثلاثة من عناصر الأمن السعوديين بينهم قائد حرس الحدود في المنطقة الشمالية عندما نفذ متسللون هجوما استهدف مركزا حدوديا في جديدة عرعر قرب الحدود العراقية. وافادت التقارير في حينه ان اربعة انتحاريين ينتمون الى داعش نفذوا الهجوم قادمين من العراق. وحذرت قيادة عمليات الانبار من ان داعش يسعى الى السيطرة على المنافذ الحدودية مع السعودية والاردن.
لكن ضبط الحدود العراقية عموما يتطلب امكانات وموارد ليست متوفرة لدى العراق الذي يركز ما لديه من قدرات عسكرية على مواجهة داعش في المناطق الواقعة تحت سيطرته في عمق الأراضي العراقية.
اذاعة العراق الحر التقت عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية ماجد الغراوي الذي أكد ان وزارة الداخلية هي الجهة التنفيذية المسؤولة عن قوات حماية الحدود العراقية ولكن جارات العراق مدعوة الى ضبط حدودها ومنع عمليات التسلل لا سيما وان العراق يخوض اليوم حرب استنزاف مع داعش.
ودعا الغراوي الحكومة الى توفير احتياجات قوات الحدود لتمكينها من القيام بمهماتها في منع عمليات التسلل عبر الحدود الى العراق أو منه الى الدول الأخرى لا سيما عناصر الجماعات الارهابية والمطلوبين للسلطات.
واوضح الغراوي ان لدى العراق اتفاقيات مع الدول المجاورة بشأن ضبط الحدود وان هذا الملف يُبحث بانتظام في اجتماعات وزراء الداخلية العرب لمتابعة تنفيذ الاتفاقيات. واعتبر ان الحدود العراقية السورية هي الآن أخطر المناطق لا سيما وان معقل تنظيم داعش موجود في سوريا ومتصل اقليميا بالأراضي العراقية وتحديدا الموصل التي ما زالت تحت سيطرته معترفا بان مسلحي داعش يتنقلون الآن بين البلدين بلا عوائق أو موانع لعدم وجود قوات تتصدى لهم.
المحلل السياسي احسان الشمري شدد على ضرورة إعادة بناء قوات الحدود وتطوير قدراتها إذا أُريد الحفاظ على زخم التقدم الذي يتحقق في المواجهة مع داعش لا سيما وان هذه القوات تلاشت عمليا بسيطرة داعش على مناطق حدودية بين العراق وسوريا يتحرك فيها الآن بحرية كاملة.
وأوضح الشمري ان أهمية ضبط الحدود في هذه المرحلة تحديدا نابعة من تأثير بقائها مفتوحة في العمليات العسكرية لصالح داعش بتمكينه من إيصال امدادات وتعزيزات وتوفير عمق لحركة مسلحيه.
وقال الشمري ان التنسيق مع دول الجوار ضروري ومطلوب ولكن سجل تنفيذ الاتفاقيات التي توصل اليها وزراء داخلية هذه الدول بشأن التعاون الأمني وتبادل المعلومات الاستخباراتية يبين ان المسؤولية الأساسية عن حماية الحدود تقع على عاتق العراق نفسه وألا يعول كثيرا على هذه الاتفاقيات رغم أهميتها.
وتابع الشمري ان انشغال سوريا بمشاكلها وربما امتناع بعض الدول عن التعاون الجاد مع العراق في ضبط الحدود لا يبرر تواني الحكومة العراقية عن بذل جهود قصوى لمنع الجماعات المسلحة من التحرك عبر الحدود.
ورأى المحلل السياسي احسان الشمري ان استهداف منافذ حدودية كويتية وسعودية مثل صفوان وعرعر يُراد به توجيه رسائل مزدوجة من داعش ، الى العراق بأن خلاياه النائمة موجودة في كل المناطق ، والى دول الجوار بأنه يستطيع الوصول اليها إذا لم تكف عن مساعدة العراق أو القيام بدور في اطار التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
ولفت الشمري الى ان مصالح الدول هي التي تحدد مدى التزامها بضبط الحدود وليس مؤتمرات مكافحة الارهاب ولا قرارات مجلس الأمن الدولي الذي رغم سلطته لم يتمكن من فرضها على دول ضالعة في تمويل جماعات ارهابية او امدادها.
الخبير الأمني علي الحيدري لاحظ ان دول الجوار مثل السعودية والكويت والاردن وايران قادرة على ضبط الحدود من جانبها وإذا حدثت عمليات تسلل الى العراق فانها ستكون بعلم هذه الدول، بحسب الحيدري، ولكن الحدود مع سوريا هي المشكلة لغياب الدولة التي تضبطها وبالتالي فان على العراق ان يعتمد عموما على قدراته الذاتية لحماية الحدود من جانبه.
واستعرض الحيدري الطرق المعتمدة لضبط الحدود من ابراج مراقبة وطائرات مسيرة ورادارات حرارية وقدرات أخرى لا يملكها العراق الذي له حدود طويلة مع غالبية دول الجوار متهما الحكومات السابقة بإهمال هذا الجانب وما ترتب على ذلك من مخاطر أمنية يدفع البلد ثمنها الآن.
وشدد الخبير الأمني علي الحيدري على ان تأمين الحدود ضرورة ملحة وعنصر بالغ الأهمية في المعركة الجارية ضد داعش الذي يتلقى الكثير من امداداته وتعزيزاته عبر الحدود.
تمتد حدود العراق مع الدول الست المجاورة له 3650 كلم اطولها مع ايران التي تمتد حدود العراق معها 1458 كلم ثم مع السعودية بطول814 كلم.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي ساهم في اعداده مراسل اذاعة العراق الحر أياد الملاح.