مع تأكيد جماعة كتائب حزب الله أن فحص الحمض النووي أثبت مقتل عزة الدوري نائب الرئيس الأسبق صدام حسين، تتباين آراء مراقبين حول تأثير مقتل الدوري على حزب البعث، ودور البعثيين في صعود تنظيم "داعش" في العراق وسوريا.
يُعتبر عزة الدوري من أبرز القيادات السُنية البعثية في العراق وكان سادس أهم مطلوب على قائمة المطلوبين للجيش الأميركي بعد 2003، وتزعم حركة جيش رجال الطريقة النقشبندية لمحاربة الأميركيين والحكومة العراقية.
وبعد سيطرة تنظيم "داعش" على الموصل في حزيران 2014، أشاد الدوري في تسجيل صوتي نشر في تموز 2014، بتنظيم "داعش" والقاعدة وقال: "إن أبطال وفرسان القاعدة والدولة الإسلامية لهم مني تحية خاصة ملؤها الاعتزاز والتقدير".
مراقبون ومحللون سياسيون وجدوا أن تأثير مقتل عزة الدوري سيكون واضحاً على حزب البعث، وسيزيد من التفكك داخل تنظيمات حزب البعث رغم أن الدوري لم يكن يتمتع بشخصية قوية.
ويتوقع الكاتب والصحفي حمزة مصطفى حصول إنشقاقات داخل حزب البعث العراقي، إذا ما تأكد مقتل عزة الدوري كما حصل بعد إعدام صدام حسين.
من جهته يتوقع الخبير الأمني اللواء عبد الكريم خلف أن يكون لمقتل الدوري تأثير كبير على حزب البعث ومؤيديه الذين كانوا يرون فيه بديلاً لصدام حسين، وأيضاً كان للدوري علاقات إقليمية لذا فغيابه سيؤثر على حزب البعث تنظيمياً وميدانياً.
ويتفق النائب السابق شاكر كتاب في أن مقتل الدوري سيؤثر سلباً على تشكيلات حزب البعث خاصة تلك المرتبطة به، فيما سيكون مصدر قوة للجهات البعثية المناوئة للدوري.
وفيما يرجح مراقبون أن الدوري والفصائل البعثية المسلحة تحالفت مع "داعش" في محاولة لاستغلال هذا التنظيم لإعادة حكم البعثيين للعراق والوصول للسلطة، يرى مختصون في شؤون الجماعات الإسلامية المتشددة أن تنظيم "داعش" هو الذي إستغل البعثيين، وأطاح بالدوري وبقية البعثيين بعد أن حصل على دعمهم المادي والتنظيمي وخبراتهم الأمنية والعسكرية.
تنظيم "داعش" هو الذي إستغل البعثيين ... صحفي عراقي
ويقول الكاتب والصحفي حمزة مصطفى أن "داعش" هو الذي إستغل البعثيين والفصائل البعثية المسلحة التي كان لها حضور على الساحة، حيث كان هناك وجود لثوار العشائر في الأنبار ورجال الطريقة النشقبندية في كركوك وصلاح الدين، بينما اليوم لم يعد لهذه الفصائل وجود، أغلبها أنضم لداعش أو ترك هذه المناطق.
"داعش" أضعفَ جميع الفصائل البعثية المسلحة وأنقلب عليها ... خبير أمني
الخبير الأمني اللواء عبد الكريم خلف أن جيش رجال الطريقة النقشبندية الذي كان يتزعمه عزة الدوري كان له ثقل على الساحة، لكن تنظيم داعش أضعف هذا الجيش كما أضعف كل الفصائل البعثية المسلحة على الساحة العراقية وإنقلب عليها ليصبح في الصدارة بعد أن خدع الجميع لأنه يؤمن بمبدأ "الحرب خدعة".
"داعش" إستغل خبرات البعثيين لتقوية وجوده ... نائب سابق
لكن النائب السابق شاكر كتاب يرى أن الطرفين إستغلا بعضهما البعض، حيث إستغل البعثيون داعش ليستمر وجودهم ويدعمهم، بينما إستغل داعش خبرات البعثيين لتقوية وجوده.
ويرى محمد أبو رمان، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية ومتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، أن مقتل الدوري سيؤثر كثيراً على حزب البعث العراقي وجيش رجال الطريقة النقشبندية، وان هناك مبالغة في دور هذا الرجل في حركة المقاومة، أو داخل تنظيم داعش، مؤكداً أن هناك خلطاً كبيراً بين امرين منفصلين تماما مجموعة الضباط البعثيين السابقين الذين انضموا الى داعش وبين حزب البعث.
"الحاضنة السياسية السُنية" هي سر قوة "داعش" وضعفه ... محمد أبو رمان
ويشير ابو رمان في حديث لإذاعة العراق الحر الى أن عزة الدوري، كمسؤول عن الحزب البعث، رحب بـ "داعش" في البداية لكن حدث صدام بين الطرفين، وان حزب البعث ضعف كثيراً وأكثر من 90% تم تفكيكه، وأغلب أعضائه إعتزلوا العمل السياسي ومنهم من إنضم الى داعش وفصائل سُنية أخرى.
ويؤكد أبو رمان أن الضباط البعثيين العراقيين لعبوا دوراً مهماً وكبيراً في إعادة هيكلة الجناح العسكري والأجهزة الأمنية لتنظيم داعش، وإستفاد داعش كثيراً من خبرتهم العسكرية وإستطاع أن يشكل إستراتيجية عسكرية هجينة تجمع بين خبرة الجيش النظامي وبين خبرة ميليشيا مافيوية تعتمد حرب العصابات.
وبحسب أبو رمان، فأن سر نجاح تنظيم "الدولة الإسلامية" وسرعة تفوقه العسكري، يتمثل في "الحاضنة السياسية السُنية" في العراق وهي في نفس الوقت سر ضعف التنظيم.
وأفاد تقرير نشرته مجلة "دير شبيغل" الألمانية أن ضابطاً سابقاً في مخابرات الرئيس العراقي الراحل صدام حسين كان العقل المدبر وراء سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على شمال سوريا.
وقالت المجلة في قصة طويلة نشرت مطلع الأسبوع بعنوان "ملفات سرية تكشف هيكل الدولة الإسلامية" إنها حصلت على 31 صفحة من خطط وقوائم وجداول مكتوبة بخط اليد تصل إلى حد مخطط لإقامة دولة خلافة في سوريا.
والوثائق هي تخطيط رجل قالت المجلة الألمانية إن اسمه "سمير عبد محمد الخليفاوي" وهو عقيد سابق في مخابرات القوات الجوية في عهد صدام. كان للرجل اسم مستعار هو "حجي بكر".
وتقول المجلة إن الملفات تشير إلى أن السيطرة على شمال سوريا كان جزءاً من خطة محكمة أشرف عليها حجي بكر باستخدام تقنيات - بينها المراقبة والتجسس والقتل والخطف - تم صقلها في عهد الجهاز الأمني لصدام.
مقتل عزة الدوري يُفرح داعش، وحجي بكر البعثي دفع البغدادي نحو التمرد على الظواهري وإعلان الخلافة ... هشام الهاشمي
الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية المتشددة هشام الهاشمي، الذي خدم أحد أقربائه مع حجي بكر، أكد في مقابلة خاصة أجرتها معه إذاعة العراق الحر، أن حجي بكر كان ضابط إستخبارات سابق وهو شخصية ذكية من عشيرة البوخليفة من عشائر الرمادي، إنضم الى القاعدة أيام أبو مصعب الزرقاوي وسُجن في سجن بوكا مرتين، وأرسله ابو بكر البغدادي نهاية 2011 الى سوريا ليؤسس تنظيماً في سوريا، وهو الذي دفع البغدادي للتمرد على الظواهري، ودعا الى مشروع دولة الخلافة، وقُتل حجي بكر على يد مسلحي أحرار الشام شرق سوريا في عام 2013.
ويؤكد الهاشمي أنه لا توجد اي صلة تنظيمية بين داعش وحزب البعث، إذ أن قيادات داعش من البعثيين كلهم ثبتت توبتهم وتحولوا الى المنهج السلفي الجهادي التكفيري، حتى حجي بكر تبنى الفكر السلفي الجهادي في فترة متأخرة من حكم النظام السابق.
ووفقاً للهاشمي فأن تنظيم داعش قتل أكثر من 604 من مسلحي رجال الطريقة النقشبندية في الفترة الممتدة من 17 حزيران 2014 الى 1 آذار 2015.
ويقول الهاشمي إن مقتل عزة الدوري يُفرح داعش الذي كان يضيق على الدوري الذي لم يعد يتحرك بحرية في مناطق تواجد التنظيم، وهناك معلومات مؤكدة تشير الى أن سبب لجوء الدوري الى مزرعة قريبة من شارع تكريت كركوك حيث قُتل هو هروبه من مناطق الزاب بسبب داعش.
وبحسب الهاشمي، فان تأثير مقتل الدوري سيكون كبيراً على ثلاثة فصائل مسلحة، وهي "جيش رجال الطريقة النشقبندية"، و"القيادة العامة للقوات المسلحة"، و"جبهة الجهاد والتحرير والإصلاح".
وقال انهم "يسيطرون على المجلس العسكري والمجلس الأمني والمجلس الإستخباراتي. ووجودهم مهم نائبين من نواب البغدادي هم من الضباط البعثيين وقيادات عسكرية من الجيش السابق، لكن البغدادي حذر من البعثيين ولم يسلمهم كل مفاتيح ومناصب التنظيم".
وعن دور البعثيين داخل تنظيم داعش، أوضح الهاشمي أن قيادات الخط الأول تضم 43 قائداً بينهم 15 قيادياً بعثياً، وان نسبة البعثيين في القيادات الميدانية ليست أقل من 50%، وان عدد المقاتلين البعثيين داخل صفوف داعش يصل الى اكثر من 12 ألف مقاتل، بينهم خمسة آلاف مقاتل بعثي داخل محافظة الأنبار وحدها.
ويلفت الهاشمي الى أن السر وراء صعود تنظيم داعش في العراق هو تمكنه من مزج خليط من الخبرات الجهادية للجماعات المهاجرة والخبرات الامنية والعسكرية والمعرفة بجغرافية العراق لدى البعثيين.
بمشاركة مراسلة إذاعة العراق الحر في بغداد ليلى أحمد.