بيروت
حتى كانون الثاني الماضي كان المبنى "ب" في سجن رومية المركزي الواقع شرق مدينة بيروت أشبه بـ "الدولة ضمن الدولة"، وكان السجناء داخله قد "اقتطعوا" مساحات لهم لا تدخلها القوى الأمنية. كان الوضع أشبه بإمارة خاصة يقوم فيها المحكومون والموقوفون بالتواصل مع الخارج عبر الهواتف الخلوية، وفي حوزتهم آلات حادة، وقد خلعوا الأبواب وفتحوا الغرف بعضها على بعضها الآخر.
وكان هذا المبنى يضمّ خصوصا الموقوفين الاسلاميين والمحكومين بعمليات إرهابية. وبلغ الفلتان حدّاً جعل عدداً من المساجين الخطرين يديرون عمليات ارهابية من داخل السجن ويتواصلون مع العناصر الارهابية في الخارج. وكانت هناك دلائل على ان عملية التفجير في منطقة جبل محسن في طرابلس تمّت ادارتها من داخل سجن رومية.
بُني هذا السجن ليستوعب ألفاً وخمسمائة سجين فقط، لكن عدد السجناء تضاعف مرّات عدة، حتى وصل الى ما يقارب التسعة آلاف سجين في الفترة الاخيرة. وهذا الاكتظاظ سمح بحالة التدهور التي وصل اليها السجن.
وقبل ثلاثة أشهر، تمكّنت القوى الأمنية من إنهاء ما وُصف بـ"أسطورة المبنى "ب" في سجن رومية"، حيث نُفذّت عملية متقنة، أدت الى اخراج المساجين من المبنى "ب" ونقلهم الى المبنى "د"، في انتظار اعادة ترميمه وتجهيزه. وبعد انهاء العملية ظهرت في المكان أمور لا تصدق، من أدوات حادة وأجهزة اتصال متطورة وأدوات كهربائية وما سوى ذلك.
"إمارة" جديدة؟
الجمعة الماضي، وفيما كانت وزارة الداخلية تسابق الوقت لإنجاز أعمال تأهيل المبنى "ب" لتوزيع المساجين عليه، قام السجناء بتنفيذ تمرد في المبنى "د" استمر حتى ساعة متأخرة من الليل. وسيطر السجناء على المبنى المؤلف من ثلاث طبقات، وحطّموا المحتويات، واحتجزوا حوالى 12 حارساً، قبل أن يقتادوهم الى النوافذ المطلة على الباحة ويهددوهم بسكاكين صنعوها بأنفسهم. وعندما شعروا أن القوى الأمنية تهمّ باقتحام المبنى قاموا بإضرام النار فيه. ولم ينته التمرد إلا بعد عملية تفاوض ترافقت مع عملية أمنية لفرقة الفهود في قوى الأمن.
مصادر أمنية تحدثت الى موقع "العراق الحر" لم تستبعد أن تكون لهذا التمرد علاقة بمقتل الارهابي أسامة منصور قبل أيام على أيدي الجيش اللبناني في مدينة طرابلس الشمالية، بحيث قام الاسلاميون داخل السجن بعملية التمرد تحت غطاء بعض المطالب بتحسين ظروف سجنهم.
ولكن مؤسس التيار السلفي في لبنان الشيخ داعي الاسلام الشهال طالب بـ"عفو عام يطال السجناء الاسلاميين"، كما اعتبر أن " وجود أغلب الشباب في السجن هو ظلم، وأغلبهم اعتقل من دون أن يثبت عليه القيام بأي عمل أمني أو جرمي"، ورأى أن "هؤلاء اعتُقلوا لأنهم أرادوا الحفاظ على هوية أهل السنّة في طرابلس ولبنان".
كذلك وصف أمير "كتائب عبد الله عزام" سراج الدين زريقات عبر تغريدة على "تويتر" "انتفاضة سجن رومية" بـ"الهبة المباركة من أسرى أهل السنّة الذين يعانون من ظلم شبّيحة النظام اللبناني العامل بأمر حزب ايران."
في أي حال، هذا التمرّد لم يكن الأول. فقد سبقته عمليات تمرد وعمليات فرار عدة. كما أحاطت عملية تأهيل السجن وترميمه فضائح فساد، اذ كشف وزير الداخلية آنذاك مروان شربل أن هناك عملية سرقة تقدر بتسعة ملايين دولار تحيط بأعمال التأهيل.
ولكن السؤال المطروح اليوم هو: هل عاد سجن رومية ليشكل قنبلة موقوتة من جديد، وليبرز مرة أخرى كبؤرة أمنية يصعب التحكم بها؟