تحفلُ أحاديثُ العراقيين عن معاناتهم عند مراجعة احدى دوائر الدولة، بالعديد من المواقف والنماذج التي تجعل اضطرارَ بعضهم لتعقيب معاملاتها شبه بكابوس ثقيل، يسعى بأية وسيلة للتخلص منه وذلك باللجوء الى طرق تسهل إنجاز المعاملة،قد تكون بدفع رشوة او الاستعانة بواسطة شخص ما ذي وجاهة واهمية بحسب مقاييس الدائرة والمعاملة طبعا!
شرع مجلسُ النواب بقراءة مشروع قانون الخدمة المدنية الاتحادي، في جلسته في الال من شهر نيسان، وشكّل لجنة مصغرة للتنسيق مع الامانة العامة لمجلس الوزراء لإعداد سلّم جديد للرواتب الخاصة بموظفي الدولة.
وقد اكدت اللجنة الاقتصادية البرلمانية على اهمية تشريع قانون الخدمة الذي سيسهم عند اقراره في تنظيم امور الوظيفة العامة وتحقيق العدالة في توزيع الدرجات الوظيفية. وتطوير النظام الاداري في العراق.
وأوضح عضو اللجنة هيثم الجبوري أن من شان القانون الغاء نحو 125 قانون وتعديل للقوانين الخاصة بالرواتب والموظفين منذ عام 1960 الى سنة 2015 إذ سيحل القانون الجديد محلها.
وكشف النائب هيثم الجبوري، خلال حديثه لإذاعة العراق الحر، عن أن مجلس النواب زاد عدد أعضاء "مجلس الخدمة الاتحادي"، وهو هيئة مستقلة، من سبعة ليكونوا تسعة اشخاص من ذوي الخبرة والكفاءة والتخصص يرأسهم موظف بدرجة وزير، ينتظر منهم تجاوز المحسوبيات الحزبية في التعيين واعتماد معايير الكفاءة والشهادة.
ويتوقع الجبوري ان ينجح القانون في توصيف الوظيفة ومواجهة التخمة الوظيفية بـ"تحويل الموظف المستهلك الى منتج"، وقبل هذا وذاك الحد المحسوبية والمنسوبية في التعيينات، بحسب توقع النائب.
مستشار: 4 ملايين موظف المنتجون منهم عدة الاف فقط
ويعترف المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي بان جسد الدولة العراقية ترهل بعدد كبير من الموظفين يصل الى أربعة ملايين موظف وهو رقم استثنائي في المعايير الدولية مقارنة بعدد سكان العراق.
من جانبه يعترف المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح بان هذا القانون بالغ الأهمية في بناء عراق حضاري ومن شانه الحد من اقتسام الوظائف وتوزيعها بحسب الانتساب الحزبي والسياسي والطائفي الذي دمر العراق بحسب تعبير صالح.
يكشف مراقبون عن ان جهات متضررة عملت بجهد خلال السنوات الماضية على عرقلة التوصل الى قانون الخدمة المدنية الاتحادي الذي من شأنه ان يحوّل الوزارات من "اقطاعيات" الى مؤسسات منتجة فعالة ومتحضرة، ويلغي حقيقة ان نحو أربعة ملايين موظف في الدولة العراقية لا يتجاوز عدد العاملين الفعليين منهم عدة الاف! بحسب المستشار الاقتصادي مظهر محمد صالح.
يذكر هنا أول قانون للخدمة المدنية صدر في العراق الحديث كان برقم (103) سنة 1931، اعقبته بضعة قوانين وتعديلات قبل أن يستقر عند القانون النافذ رقم 24 لسنة 1960 الذي يعد من القوانين المهمة، لانه يُعنى بشريحة واسعة من أبناء الشعب من "الموظفين" الذين يبلغ عددهم 4 ملايين موظفاً حكوميا، فضلاً عن عوائلهم التي تتأثر بأحكامه، من الناحيتين المادية والمعنوية مما يضاعف عدد المشمولين به.
وتنظم احكام القانون كل ما يتعلق بالوظيفة العامة من شروط التعيين والترفيع والعلاوة والمخصصات واحكام النقل والإجازات والاستقالة وغيرها من شؤون الوظيفة.
البعض يعتقد ان وظيفته ملك صرف حتى سنّ التقاعد!
غالبا ما يتعامل الموظف العراقي مع وظيفته على أنها امتياز خاص امتلكه بغض النظر عن طريقة وصوله اليها، وهو امر مفروغ منه وحقٌ دائم لا يغادره حتى سن التقاعد ضامنا التمتع بمكاسبه المالية والاجتماعية بغض النظر ان كان موظفا منتِجا مجدِّا، او كسولا خاملا معرقلا.
ويشير المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي في حديثه لإذاعة العراق الحر الى أن اللجوء الى التعيين الكيفي في دوائر الدولة خلال السنوات الاخيرة باعتباره حلّاً اقتصاديا للبطالة، ساهم بشكل كبير في استفحال المشكلة بالتزامن مع ضمور نشاط القطاعات الاقتصادية المختلفة.
وقد أصبحت الوعود بـ"التعيين" احدى الفخاخ التي تستدرج الناخبين اذ استخدمها العديد من السياسيين والمرشحين في حملاتهم الدعائية، لاصطياد اصوات الناخبين المتطلعين للحصول على الوظيفة وامتيازات الموظف، وتتمنى عضو اللجنة القانونية البرلمانية عالية نصيف أن يحد تشريع قانون مجلس الخدمة الاتحادي من تأثير تلك الشعارات. لذا فليس من المستغرب ان تجد بعض الجهات تقاطعا بين غايات القانون ورغباتها السياسية.
تضخم الجهاز الوظيفي في العراق بشكل كبير بعد عام 2003، خصوصا بعد التحسن الواضح في الرواتب ، وفتْح بابِ التعيينات بدون ضوابط ، فشاع تعيين اشخاص بدون كفاءات أو خبرات، والأدهى ان البعض منهم تسنم مواقع مهمة في مؤسسات الدولة ، وقد تحكمت الولاءات السياسية والطائفية والقومية في تعيين مئات الآلاف في مختلف وزارات الدولة، بضمنهم درجات وهميّة ممن اصطلح على توصيفهمبـ"الفضائيين" في مختلف القطاعات المدنية والعسكرية والأمنية،وقد مثلوا عبئا كبيرا على الميزانية العراقية فضلا عن تسبّبهم في تدني الإنتاجية وعرقلة العمل وشيوع البيروقراطية، وتناميمظاهر الفساد والرشوة، اضف الى ذلك تأخر اعتماد الحكومة الالكترونية وأتمتتة المعلومات، برغم الحديث عنها في العراق منذ اثنتي عشرة سنة.
من المؤمل ان يوفر القانون الجديد، في حال تشريعه، ضوابط للكفاءة والتخصص وفق الحاجة للكفاءات والخبرات في المستقبل، ولكن الخشية قائمة فيما لو اصطدم بصخرة المحاصصة الكأداء، بحسب النائبة عالية نصيف التي كشفت عن ان مشروع القانون كان مطروحا منذ الدورة السابقة للبرلمان الا أن قوى سياسية عديدة افشلت تمرير تسمية أسماء أعضاء مجلس الخدمة لغايات سياسية حينذاك..
وتعترف النائبة نصيف بان اغلب القوانين التي تشرع اليوم تواجه عقبات عند التطبيق وقد تُجمد بشكل كما بتأثيرات سياسية ولتضارب المصالح والمنافع.
ما الفرق بي الموظف العراقي والاجنبي؟
روى عراقيٌ انه راجع دائرة تتعلق بالمعونة الاجتماعية تخص الالاف من سكان مدينته في احدى الدول الاوربية فوجئ بوجود ثلاث موظفات فقط يقمن بترويج وإنجاز كل ما يحتاجه المراجعون منهن بضمن ذلك الإجابة التفصيلية على التساؤلات وتوجيه الرسائل وتحويل المبالغ وغير ذلك بيسر وسلاسة من خلال اعتماد برنامج حاسوبي يختزل الكثير من مفردات العمل الروتيني المتلكئ.
يخلص كثيرون ممن تسنى لهم العيش في الدول المتقدمة او حتى زيارتها الى أن القائم بالخدمة العامة يدرك تماما توصيف وظيفته ويلمُ بمتطلباتها والفنية والقانونية والمالية بشكل كامل،ويقوم بتأدية واجبه بكل مسؤولية ودقةاذ ليس من المقبول الخطأ او الإضرار أو التأخير في انجاز معاملات المراجعين والا فأن العقوبة وربما الطرد بانتظاره!
تكشف زيارة بعض دوائرنا الحكومية عن ارتباك في تنسيق العمل وبطء الإنجاز فضلا عن غلبة الاجتهادات الشخصية لبعض الموظفين وتحكمه الاستبدادي مع المراجع، و يلفت المحامي هافال وهاب من دهوك الى أن شفافية عمل المدير والموظف مع المراجعين تؤشر نزاهة ونظافة العمل في الدائرة المعنية وعكس ذلك فهو امر يثير الريبة.
برغم مساحة التفاؤل حول ما يمكن ان يحققه قانون الخدمة المدنية الاتحادي على صعيد كفاءة الموظف الجديد، الا ان التساؤل الذي يحتاج الى إجابة هو: ما العمل مع جيش الموظفين الحالي، وجلّهم من غير المنتجين الذين تضخمت بهم مؤسسات ودوائر الدولة؟ يخشى المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي من ان القانون لن يتسنى له معالجة هذه المشكلة على المدى القريب، فلا مناص من التوجه الى تنشيط القطاع الخاص كشريك مهم في التنمية، وتطوير القطاعات الاقتصادية المختلفة في الصناعة والزراعة والسياحة وغيرها. لمواجهة مشكلة البطالة التي تواجه الاعداد المتزايدة من الشباب وخصوصا الخريجين منهم.
بمشاركة مراسل إذاعة العراق الحر في بغداد رامي احمد