ت ركت شخصية "عبد القادر بيك"، التي لعبها الفنان الكبير خليل شوقي في مسلسل النسر وعيون المدينة، والذي تلاه: الذئب وعيون المدينة، التلفزيونييَن في الثمانينات، أثراً كبيراً في ذاكرة جمهور واسع من العراقيين تابع اعمال هذا الفنان خلال رحلة فن ومسرح وتمثيل وتلفزيون وسينما زادت على الستة عقود من السنوات.
رحل شوقي مؤخرا في مهجره بهولندا تاركاً لوحة منوعة بتلاوين عطائه المميز كمؤلف وكاتب سيناريو وممثل تعوّد أن يجسد شخصيات حافلة بعراقيتها لا يصعب التقاطها على مسرح الحياة.
ولد الفنان والمخرج خليل شوقي عام 1924 وارتبط بالفن مبكرا، إذ دخل قسم التمثيل في معهد الفنون الجميلة ببغداد مع بداية تأسيس هذا القسم، وعمل موظفًا في دائرة السكك الحديد حيث أشرف علي وحدة الأفلام فيها وأخرج لها العديد من الأفلام الوثائقية والإخبارية، ويعدّ رائدا من رواد العمل التلفزيوني في العراق، فقد عمل في تلفزيون بغداد منذ عام 1956 وهو عام تأسيسه، مخرجا ً وممثلا ً بعد أن مر َ بفترة تدريب فيه.
يعتبر الراحل شوقي فنانًا شاملاً، فقد جمع بين التأليف والإخراج والتمثيل وغطى نشاطه الفني مجالات المسرح والتلفزيون والسينما والإذاعة.
في اتصال مع ابنه، الفنان فارس شوقي، تحدث لإذاعة العراق الحر عن ايام والده الأخيرة في هولندا وتعلقه المتجذر بوطنه العراق وأهله وجمهوره، فقد كان خيار ارتحاله الاجباري عن الوطن في التسعينيات أشبه باقتلاع شجرة كبيرة ونقلها من تربة الى أخرى، حيث ظل يقاوم (هو وأمثالُه من المبدعين العراقيين المغتربين) واقع الانفصال المكاني الإجتماعي عن جذوره العراقية الراسخة في شخصيته وذاكرته، مواجها بصعوبة، وهو المتقدم بالعمر، تأقلمه مع مجتمع الهجرة الجديد.
وبرغم ذلك لم يفقد خليل شوقي الامل وروح العطاء، فقد شارك خلال تلك السنوات في أكثر من تجربة وعمل ومساهمة فنية تركت بصمة خصوصا تجربته مع المخرج الراحل عوني كرومي، ولم يبخل بالتشجيع والدعم والتوجيه ل من كان يحتاج استشارته او الاغتراف من خزين خبرته وتجاربه وثقافته المتنوعة.
يصف الفنان فارس شوقي، في وقفة توديعٍ طافحة بالعواطف والدَه بعد ساعات من رحيله، بانه "صديقٌ ومعلم وأبٌ وحبيبٌ وخليل.. زرع في أبنائه وبناته حبَ الفن والانسان والوطن، ورسخ فيهم روح الاصرار على النجاح والتوازن وعدم التعصب والانحياز".
ينتمي خليل شوقي إلى طائفة من الممثلين الأثيرين إلى قلب المشاهد العراقي، فهو ممثل يتمتع بعبقرية لها طعم خاص يترك أثراً في النفس، فحين تشاهده تشعر وكأنك تقرأ كتابا ممتعا، ويضيف الكاتب علي حسين في مقالة له في صحيفة المدى يوم السبت "عندما يقف "الخال خليل" على خشبة المسرح يكون عقله وقلبه وأعصابه جزءً من الأداء، فيعطي كلَ ما عنده، فتراه عندما يبكي على المسرح هو الذي يبكي فعلاً، وعندما يضحك هو الذي يضحك وعندما يبدع الشخصية لم يكن يتوارى خلفها وإنما يقف بالندّ منها...".
نعم.. رحل "عبد القادر بيك"، لكن خليل شوقي الفنان والانسان يبقى في ذاكرة أجيال عاصرت مرحلة عطاء وإنتاج استحق التوقف والاعتبار، لأنه ارتبط بصدق وعمق بأهله وشعبه وبيئته.