في مختلف دول العالم التي تتبع النظام المسمى بالديمقراطي، عادة ما تكون هناك احزاب متعددة تتنافس فيما بينها في الانتخابات. الحزب الفائز في هذه الانتخابات والحاصل على اكبر عدد من اصوات الناخبين يدير في العادة شؤون البلاد إما لوحده إذا كان عدد الاصوات التي حصل عليها كبيرا او من خلال ائتلاف مع احزاب اخرى اقل شأنا. اما الاحزاب التي لا تفوز ولا تدخل في ائتلاف فتجلس في مقاعد المعارضة لتراقب اداء الحكومة وتنتقدها وتطرح بدائل وقد تؤثر ايضا على اعتماد القوانين داخل البرلمان.
هذا في دول العالم، اما في العراق فالامر يختلف.
نظام الحكم في العراق يوصف بأنه ديمقراطي. والديمقراطي تعني هنا ان هناك عملية سلمية لانتقال السلطة من شخص الى آخر او من حزب الى آخر.
ولكن الديمقراطية العراقية توافقية اي ان من حق اصغر كتلة او حزب ان يعترض وان يُفشل خطة كاملة او ان يوقف اقرار قانون إن قال لا. واذا ما تم تجاهل رأيه يتحدث عن تهميش وعن اقصاء وما شابه.
وفي اطار هذه الديمقراطية التوافقية هناك ما تعارف البعض على تسميته بالمعارضة. هناك ما يدعى بالمعارضة داخل العملية السياسية نفسها اي ان اطرافا داخل الحكومة توجه انتقادات حادة للحكومة، وهو امر يدعو الى الاستغراب. وهناك ما يدعى بالمعارضة من خارج العملية السياسية. ونعني بالاخيرة جهات تقيم خارج بغداد، في اربيل او في عمان في اغلب الاحيان، وهي توجه من مواقعها تلك انتقادات للسلطات في بغداد وتقيم عملها وتعلن رفضها او قبولها لهذا الفعل او ذاك.
وسؤالنا الان ما هي هذه المعارضة وهل تستحق بالفعل ان توصف بأنها معارضة واين موقعها من العملية السياسية في العراق؟
تحالف القوى الوطنية: لا معارضة سياسية في العراق
طرحنا هذه الاسئلة على عدد من النواب احدهم النائب عن تحالف القوى الوطنية طلال الزوبعي الذي قال: "لا توجد معارضة سياسية في العراق لان جميع الاحزاب السياسية مشتركة في السلطة. ثقافة المعارضة غير موجودة كما لا توجد ضوابط تحدد صلاحيات المعارضة او تمنح حصانة فعلية للمعارضة". واضاف النائب الزوبعي بالقول إن الاحزاب التي تعارض الحكومة يتم عزلها بشكل تام ويتم استهدافها بطرق مختلفة وعديدة.
أما بالنسبة لمن يسمون انفسهم بالمعارضة ممن يتواجدون في عمان وفي اربيل فقال الزوبعي إن هؤلاء ليسوا معارضة ثم فسر بالقول ان هناك مكون واسع مظلوم يسعى الى كسب حقوقه وهذا هو جزء من الحقوق كما قال إن هناك فرق بين معارضة تنبع من الاحزاب السياسية في الحكومة وشريحة جماهيرية تريد حقوقها ولها ممثلون في مجلس النواب. واتهم النائب الزوبعي الحكومة السابقة والحالية بمحاولة تجاهل هذه المطالب بطرق عديدة تسير على الضد من البناء الديمقراطي في العراق.
كتلة المواطن: الارتباط بآجندات خارجية تآمر وليس معارضة
عضو كتلة المواطن النائب سليم شوقي انتقد انسياق جهات تصف نفسها بانها من المعارضة السياسية، وراء جهات وآجندات خارجية معتبرا هذا النوع من المعارضة هداما وليس بناءا على الاطلاق وقال: "من المفترض بالمعارضة السياسية ان تنتهج سبلا ديمقراطية، اما المعارضة التي تصف نفسها بالسياسية وترتبط بآجندات خارجية فلا يمكننا اعتبارها معارضة سياسية بل يمكن ان نعتبر الامر تآمرا على العراق لاسيما إن كانت هذه الجهات مرتبطة بمنظمات ارهابية او أنها تمثل آجندة خارجية من اي دولة كانت".
شوقي اضاف بالقول إن المعارضة السياسية الحقيقية هي التي تنتقد اداء الحكومة باستخدام النقد البناء وليس النقد الهدام" ثم اكد عدم وجود معارضة سياسية تنتهج نهجا بناءا في الوقت الحالي في العراق.
شوقي كشف ايضا عن وجود اتفاق مع رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي لتشكيل هيئة جديدة للمصالحة الوطنية لتحل محل لجنة المصالحة الموجودة حاليا لكون الاخيرة لم تنجح في خلق اجواء تسهم في تحقيق المصالحة الحقيقية واكد ان الدعوة ستوجه الى طراف عديدة للمشاركة في هذه الهيئة الجديدة.
التحالف الكردستاني: مفهوم المعارضة مختلط في العراق
وقال النائب عن التحالف الكردستاني، ريناس جانو إن مفهوم المعارضة في العراق غير واضح على الاطلاق وشرح بالقول إن السياسيين العراقيين انفسهم لا يتفقون على معنى واضح ومحدد لمفهوم المعارضة. فهناك من يقول إن المعارض السياسي هو من لا يشترك في الحكومة وهناك من يقول إن المعارض هو من يختلف مع سياسات الحكومة، حسب قوله.
ورأى النائب جانو أن مفهوم المعارضة في العراق يمثل مزيجا من كل انواع المعارضة السياسية في العالم وحسب ما جاء في تعريفات علم السياسة.
غير ان النائب قسم المعارضة في العراق الى نوعين الاولى سلبية والثانية ايجابية. ثم شرح بالقول: "المعارضة السياسية الايجابية مكملة للعملية الحكومية وهي تتابع افعالها وتعيدها الى مسارها الصحيح إذا ما انحرفت عن طريق النقد البناء. اما المعارضة السلبية فهي توجه انتقادات متواصلة الى الحكومة دون أن تملك سياسة بديلة" ثم لاحظ النائب آسفا ان صوت المعارضة السلبية في العراق اعلى بكثير من صوت المعارضة الايجابية.
اما في ما يتعلق بالشخصيات التي تصف نفسها بأنها من المعارضة وتوجه انتقادات للحكومة من مقراتها في اربيل او في عمان فقال النائب جانو إن خلفية هذه المواقف طائفية احيانا او بسبب التهميش احيانا اخرى ووصفها بأنها معارضة "ردة فعل" واكد ان هذه المعارضة او هذه الجهات ليست حيادية وليست موضوعية إلا اذا استجابت الحكومة لمطالبها.
مراقب: لا معارضة ولا احد يرضى بأن يكون في المعارضة
وأخيرا رأى محلل سياسي هو استاذ العلوم السياسية حميد فاضل أن مفهوم المعارضة في العراق غير موجود اساسا لأن الديمقراطية توافقية ولأن الكل يشارك في السلطة ايا كان انتماؤه وحجمه. والنتيجة، حسب قوله، هي ان جميع المناصب الحكومية والمسؤوليات والوظائف طرحت للتقاسم والتشارك في ادارتها وهو ما قضى بشكل كامل على اي امل في ظهور معارضة سياسية تراقب عمل السلطة التنفيذية بشكل حقيقي وخال من مصالح كتلوية وسياسية.
ونبه حميد فاضل الى ان الكل يتحدث عن المعارضة ولكن لا احد يرضى في الواقع بأن يؤدي هذا الدور. وأذا لم يحصل طرف ما على ما يريد من الحكومة ذهب الى اتهام الحكومة بتهميشه وما الى ذلك.
اما بالنسبة لاولئك المقيمين خارج بغداد ممن يصفون انفسهم بالمعارضين العراقيين فرأى المحلل السياسي حميد فاضل أن علينا التمييز بين معارضة سياسية تتبع اصول الديمقراطية وضوابط الدستور وحالات التمرد والارتماء بحضن الاجنبي والعمل على محاولة تدمير العملية السياسية بسبب رفض هذه العملية جملة وتفصيلا، حسب قوله. فاضل اضاف ان هؤلاء لا يمثلون معارضة سياسية ولا يريدون المشاركة في العملية السياسية بل يريدون تغييرها والانقلاب عليها.
شاركت في الاعداد مراسلة اذاعة العراق الحر في بغداد ليلى احمد.