كان تنويع الاقتصاد العراقي وتقليل اعتماده على النفط شعارا رفعته الحكومات المتعاقبة في كل العهود. وشهد تاريخ العراق محاولات لترجمة هذا الشعار على أرض الواقع بتخصيص عائدات النفط للاستثمار في مشاريع تنموية كما في العهد الملكي بتشكيل مجلس الاعمار. وفي العهد الجمهوري رُفع شعار "الزراعة نفط دائم" في موقف مؤداه ان تطوير قطاعات اقتصادية أخرى أجدى على المدى البعيد من الاعتماد على النفط مصدرا اساسيا لتكوين الدخل الوطني.
ولكن سوء الادارة والاقتصاد الاوامري والتخطيط البيروقراطي والمغامرات الخارجية وما جرته من حروب وحصار كلها تضافرت لاجهاض أي محاولة هدفها وضع نهاية لادمان الحكومات العراقية على عائدات النفط في رفد خزينة الدولة بالمال.
وبدلا من العودة الى تنويع مصادر الدخل بتطوير القطاعات غير النفطية شهدت السنوات التي مرت منذ التغيير في عام 2003 تزايد الاعتماد على عائدات النفط لتمويل الانفاق العام. وما رُسم من خطط لتنويع الاقتصاد تكفل الفساد والصراعات السياسية والاوضاع الأمنية بالحيلولة دون اقلاعها.
وهكذا بقي الاقتصاد العراقي اقتصادا احاديا حيث يسهم النفط بأكثر من 90 في المئة من ميزانية الدولة. ويدفع الشعب العراقي اليوم ثمن الفرص التي ضاعت حين كانت خزينة الدولة مترعة بعائدات كانت كافية للاستثمار في تطوير القطاعات الاقتصادية الأخرى. إذ تسبب هبوط أسعار النفط في ضائقة مالية أملت على الحكومة اتخاذ اجراءات تقشفية لضغط المصروفات وتوجيه المتاح من الموارد نحو تمويل المجهود العسكري في مواجهة داعش على حساب المشاريع الاستثمارية.
في هذه الأوضاع جاء الاتفاق النووي مع ايران الذي يمكن ان يعيد النفط الايراني الى السوق العالمية بعد سنوات من الحظر والعقوبات الغربية. ويكفي لتكوين فكرة عن حجم الخسائر التي يمكن ان يتكبدها الاقتصاد العراقي بعودة النفط الايراني الى السوق ان اسعار نفط القياس برنت هبطت بنسبة تزيد على 5 في المئة فور اعلان الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة القوى الدولية الست في مدينة لوزان السويسرية. وهذا قبل ان يُضَخ برميل اضافي واحد من النفط الايراني الى السوق المتخمة حاليا بفائض قدره نحو مليوني برميل علما بأن لدى ايران 30 مليون برميل تراكمت في خزانات وسفن بسبب الحظر ويمكن ان تكون متوفرة في السوق ما ان تُرفع العقوبات عن ايران ، بحسب صحيفة فايننشيال تايمز . وقالت شركة فاكتس غلوبال انيرجي Facts Global Energy الاستشارية ان رفع العقوبات يمكن ان يزيد انتاج ايران من النفط بواقع 500 الف برميل في اليوم خلال ثلاثة الى ستة أشهر وبواقع 700 الف برميل في اليوم خلال عام.
وهذه كلها انباء سيئة للاقتصاد العراقي الذي اصلا تكبد خسائر جسيمة من هبوط اسعار النفط بنحو 50 في المئة منذ حزيران الماضي.
إذاعة العراق الحر التقت عضو لجنة النفط والطاقة النيابية زاهر العبادي الذي قال ان العراق لن يكون امامه من خيار سوى العمل على زيادة صادراته النفطية للتخفيف من الآثار السلبية الناجمة عن هبوط اسعار النفط بسبب عودة النفط الايراني الى السوق.
وأعرب زاهر العبادي عن قلقه من تداعيات الضائقة الاقتصادية على الشارع العراقي إذا تفاقمت الأزمة المالية بسبب عدم توفر القدرة على زيادة صادرات العراق النفطية حتى إذا تمكن العراق من زيادة انتاجه الى اربعة ملايين برميل في اليوم.
وحث عضو لجنة النفط والطاقة البرلمانية زاهر العبادي الحكومة على ايجاد مصادر دخل أخرى غير النفط الذي قال ان احتياطاته البالغة نحو 140 مليار برميل ستنضب في غضون خمسين سنة على صانع القرار ان يفكر في ما ستؤول اليه احوال العراق بعدها إذا استمر اعتماده على النفط.
ورفض النائب العبادي بشدة مقترح وزير المالية هوشيار زيباري الداعي الى رهن النفط من خلال البيع الآجل بقبض ثمنه الآن وتسديده لاحقا بشحنات من النفط لتوفير سيولة نقدية توظَّف للنهوض بالاقتصاد متسائلا ما الضمانة بأن تُستخدم هذه الأموال لدفع عجلة النمو الاقتصادي في ظل الفساد المتفشي في مفاصل الدولة.
عضو لجنة النفط والطاقة النيابية كاوا محمد لاحظ ان الآثار الاقتصادية للاتفاق النووي بين ايران ومجموعة 5 +1 ستمتد الى جميع البلدان المصدرة للنفط بعودة النفط الايراني الى السوق ولكن العراق سيكون الأشد تضررا بينها لاعتماد 90 في المئة من موارده المالية على عائدات النفط بخلاف الدول النفطية الأخرى التي خفضت اعتمادها على مبيعات النفط الى 50 أو حتى 30 في المئة على سبيل المثال.
وكرر النائب كاوا محمد الدعوة المعهودة الى تنويع مصادر دخل الدولة بتنفيذ استراتيجيات طويلة المدى لتطوير القطاعات الأخرى مثل الصناعة والزراعة وتنظيم جباية الضرائب وغيرها من الاجراءات التي تزيد موارد الدولة.
عضو مجلس النواب عن التحالف الوطني حسن خلاط رأى ان سعر النفط في السوق العالمية لا يحدده النفط الايراني أو العراقي وحده بل صادرات الدول النفطية بصفة عامة سواء أكانت الدول الأعضاء في اوبك أو غير المنتيمة الى المنظمة.
المحلل الاقتصادي ماجد الصوري لفت الى ان جملة عوامل دولية واقليمة تدخل في تحديد حجم العرض والطلب وبالتالي مستوى الأسعار في سوق النفط العالمية ولذا لا يمكن أخذ النفط الايراني وعودته بمعزل عن هذه العوامل الأخرى مثل نمو الاقتصاد العالمي أو تباطؤ نموه والاستقرار السياسي وحل النزاعات الاقليمية ، الخ.
وأوضح الصوري ان عدم وجود عوامل ثابتة لتحديد سعر النفط يجعل من الصعب التكهن باتجاه الاسعار في المستقبل لا سيما وان قوانين العرض والطلب ليست إلا عاملا واحدا من بين عوامل متعددة مثل المضاربات المالية والسياسية مشيرا الى التقديرات المتضاربة بين توقعات بارتفاع سعر النفط هذا العام الى 60 دولارا للبرميل والى 70 ـ 80 دولارا في 2016 ودراسات تتوقع هبوط السعر الى 30 دولارا وحتى أقل هذا العام.
واكد الصوري ان الحديث عن تنمية حقيقية لن يكون له معنى من دون التخلي عن النظرة الريعية التي تكرس الاعتماد على النفط واطلاق النشاطات الاقتصادية المنتجة بتفعيل القطاعين الخاص والعام وتوفير أجواء ملائمة للاستثمار.
واعرب المحلل الاقتصادي ماجد الصوري عن اقتناعه بأن لدى العراق ما يكفي من الموارد الطبيعية والطاقات البشرية والقدرات الفنية لانهاء اعتماده على النفط شريطة ان تتوفر لها الادارة الرشيدة.
أعلن وزير النفط عادل عبد المهدي في مطلع العام الحالي ان زيادة انتاج النفط من شأنها ان تُسهم في التعويض عن هبوط أسعار النفط. وكان نائب رئيس الوزراء روج شاويس قال في مؤتمر اقتصادي في لندن اواخر عام 2014 ان العراق قد يعيد النظر بخططه الطموحة لزيادة الانتاج.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي ساهم في إعداده مراسل اذاعة العراق الحر أياد الملاح.