قللّت اعمالُ التخريب والسرقة التي طالت عددا من منازل ومحال مدينة تكريت، من بريق مشهد النصر الذي حققته القوات العسكرية والامنية العراقية، بدعمٍ من الحشد الشعبي وأبناء العشائر، ضد مسلحي تنظيم "داعش" بعد نحو تسعة أشهر من سيطرتهم على المدينة خلال اكتساحهم الدراماتيكي لمساحات شاسعة من البلاد.
ففي الوقت الذي كانت الأنظار تتجه فيه للتركيز على خطط وإجراءات اعادة الحياة والخدمات في مختلف القطاعات، شهدت عدة احياء من مدينة تكريت الأسبوع الماضي عمليات نهب وحرق، ما ألقى بظلالها على تلك النوايا والخطط.
العبادي: أحرقوا 67 منزلاً و 85 محلا، وسنطاردهم
اتهم رئيس الوزراء حيدر العبادي يوم الاثنين من أسماهم بأعداء العراق بتشويه النصر في تكريت وتهويل الحوادث، وكشف خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني في أربيل عن أن عدد البيوت التي تعرضت للحرق في مدينة 67 منزلا وحوالي 85 محلا، مشددا على مطاردة الفاعلين وتقديمهم الى القضاء.
وكان رئيس مجلس النواب سليم الجبوري دعا الأحد من النجف الى اللجوء للقانون والقضاء في محاسبة القائمين بأعمال الحرق والنهب التي شهدتها مدينة تكريت، متهما إياهم بمحاولة إجهاض الانتصارات التي تحققت من قبل الجيش والقوات الأمنية والحشد الشعبي والعشائر. مشددا على ضرورة أن "لا تصرفنا هذه الأعمال عن النظر إلى الانجاز الكبير في تحرير تكريت والرغبة في تحرير الانبار ونينوى".
من جانبه تعهد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس مجلس النواب الجبوري الاحد بـ"إعادة المناطق المحررة وعلى رأسها مدينة تكريت إلى أهلها ومنع أعمال النهب أو الأعمال الطائفية"، معربا عن أمله بأن ينتصر الاعتدال في جميع المناطق.
في الوقت نفسه، أكد رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة صلاح الدين، خالد الخزرجي، في حديث لإذاعة العراق الحرأن الملف الأمني للمحافظة أصبح حاليا بيد قوات الشرطة المحلية وقيادة عمليات صلاح الدين، مستبعدا تمكن مسلحي داعش من العودة الى المدن المحررة.
رأيان حول المخاوف من توترات طائفية في تكريت
ردا على المخاوف من حصول تغييرات ديموغرافية أو توترات طائفية في المناطق المحررة، نفى عضو مجلس النواب، المحافظ السابق لمحافظة صلاح الدين احمد الجبوري ذلك عادا الحديثَ عنها محض دعايات ومؤكدا لإذاعة العراق الحر ان العديد من عائلات صلاح الدين بدأت العودة فعليا الى بيوتها ومناطقها المحررة متوقعا ان تكتمل العودة خلال بضعة أسابيع.
وحول ما ورد من عمليات انتقامٍ وثأر شهدتها بعض مناطق محافظة صلاح الدين بعد تحريرها، لفت المحافظ السابق الجبوري الى أن العديد من تلك الاعمال اقدم عليها بعض أبناء عشائر المحافظة في رد فعل انتقامي بحق عناصر في نفس المحافظة دعموا مسلحي داعش وانضموا اليهم فيما مضى.
لكن مستشارة رئيس مجلس النواب وحدة الجميلي ترى بان الأوضاع مركبة في تعقيدها بعد التخلص من "داعش"، حيث أن بعض أبناء العشائر في صلاح الدين كان قد انضموا للتنظيم، بينما تضرر اخرون من نفس العشيرة وواجهوا الويل من مسلحي التنظيم وقسوتهم، وحذرت الجبوري في اتصال مع إذاعة العراق الحر من فتن تعقب تحرير المناطق التي سيطر عليها داعش. ومخاوف من توترات طائفية نتيجة تصرفات بعض عناصر الحشد الشعبي.
من جانبه أوضح المتحدث باسم رئيس الوزراء سعد الحديثي ان الأوضاع في محافظة صلاح الدين تختلف عما هي عليه في ديالى، مشيدا بالتلاحم الواضح بين القوات المسلحة والحشد الشعبي والعشائر في مقاتلة تنظيم داعش، ما سيمهد لعودة النازحين، مستبعدا حدوث نزاعات عشائرية او اعمال ثار على خلفيات طائفية في المحافظة.
بيّن سعد الحديثي خلال حديثه لإذاعة العراق الحر(يمكن الاستماع اليه في الملف الصوتي المرفق) أن العوامل الإجرائية واللوجستية هي التي تؤثر في توقيت وحجم عودة النازحين والتمهيد لاكتمالها. مبيناً انه بقدر ما للانتصار في تكريت من أهمية عسكرية ومعنوية الا أن رجوع النازحين وإعادة الحياة وتفعيل مؤسسات الدولة وخدماتها تحتل أولوية كبيرة بنظر الحكومة، مشيرا الى إجراءات استباقية هيأت لها الحكومة من خلال تحشيد جهد مختلف الوزارات المعنية.
هل كان يمكن تحرير تكريت قبل 6 اشهر؟
يشخص عضو في لجنة الامن والدفاع البرلمانية النائب ماجد الغراوي أن التنسيق القتالي بين القوات المسلحة والامنية والحشد الشعبي وأبناء العشائر في عملية تحرير تكريت مثّل رسالة للجميع بان "داعش" لن يمكث في العراق، منوها بالإصلاح السياسي التي تنتهجه الحكومة والذي انعكس على المزاج العام ايجابا.
وفي وقت يتساءل عراقيون إن كان بالإمكان تحرير مدينة تكريت على هذا النحو قبل 6 اشهر؟ يرى مراقبون ان اسباباً عديدة كانت تقف دون تحقيق هذا الإنجاز، منها حصر قيادة وزارتي الدفاع والداخلية بشخص رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، واناطة ادارتهما بالوكالة ما أضعف أداء الوزارتين، وقد انعكس تفشي الفساد في مفاصل عديدة من المؤسسات العسكرية والأمنية ومن اشكاله ما سُمي لاحقا بـ" المنتسبين الفضائيين" على الأداء إجمالاً، فضلا عن تراجع مؤشرات التعاون والتنسيق بين القوات المسلحة والأمنية وعشائر المحافظات السنية،وهذا ما أشار اليه النائب ماجد الغراوي، متوقفا عند الدور الإيجابي لعشائر صلاح الدين وتعاونها مع القوات الحكومية والحشد الشعيبي في إنجاح تحرير تكريت من قبضة داعش.
وضمن فصل أعادة الحياة والاعمار في المناطق "المحررة"، أكد رئيس لجنة الخدمات والاعمار البرلمانية النائب ناظم الساعدي، أن السلطتين التنفيذية والتشريعية توليان اهتماماً خاصاً لمعالجة الاضرار الناجمة عن العمليات العسكرية وعودة النازحين، مشيرا الى تنسيقبين الحكومة الاتحادية، ومجالس المحافظات والاذرع الادارية المرتبطة بها. مبينا انه تم الطلب من المجالس المحلية بإعداد قاعدة بيانات للعقارات المتضررة ومحتوياتها والتوجه لتعويض أصحابها.
"صندوق اعمار المناطق المحررة" بانتظار الدعم الدولي
استدرك النائب ناظم الساعدي استدرك خلال حديثه لإذاعة العراق الحر بان الميزانية لا توفر مرونة كافية للتعاطي مع حاجة المدن والمناطق المستعادة من تنظيم داعش للخدمات والاعمار معولا على الدعم الدولي لصندوق إعادة اعمار تلك المناطق.
وكان رئيس الوزراء حيدر العبادي ناقش السبت مع مسؤولين أمنيين وحكوميين الإجراءات اللازمة لضمان أمن المناطق المحررة بالمحافظة وعودة اهلها النازحين الى مناطق سكنهم مع توفير الخدمات الأساسية بشكل سريع لاسيما الماء والكهرباء والطرق.
وفي حديث خاص لإذاعة العراق الحر كشف رئيس صندوق اعمار المناطق المحررة عبد الباسط تركي ( وهو رئيس ديوان الرقابة المالية في الوقت نفسه)، عن توّجه الصندوق للحصول على منح ودعم خارجي يضاف الى الـ 500 مليار دينار التي مثلت جزء من مساهمة الحكومة العراقية في الصندوق، تركي أكد العزم لتحاشي أي مظاهر فساد وتلكؤ في عمل الصندوق لتحقيق أهدافه المرتجاة، وتوقع تركي ان تنجح مؤتمرات يجري الاعداد لها باجتذاب دعم مالي دولي للصندوق كجزء من الدعم الاممي للعراق في مواجهته لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وتضرره البليغ نتيجة اعمال التنظيم على مختلف الصعد.
شارك في الملف مراسل إذاعة العراق الحر في بغداد رامي احمد.
