في هذا الجزء الثاني من الحوار مع أحد المساهمين في بناء التصنيع العسكري في العراق منذ السبعينات المدير العام السابق سعدي أبو ركيبة، لنتعرف على تطلعات التوسع والتنوع في الأداء وتغيير المسارات عقب مفاصل تاريخية مر بها العراق مثل اندلاع الحرب العراقية الإيرانية وتوقفها بعد ثمان سنوات في اب 1988، وقرار احتلال الكويت عام 1990 وتداعياته العنيفة.
نتوقف خلال الحوار عند محطات مهمة في تاريخ هذه الصناعة، التي بدأت تحت عنوان مموّه وهو "مشروع اسكندرية 1" ، ثم تحولت الى "المؤسسة العامة للصناعات الفنية" قبل ان تُدمج المنشآت المختلفة لتصبح "الهيئة العامة للتصنيع العسكري" أواسط الثمانينات، ويبرر ضيف برنامج حوارات، سعدي أبو ركيبة، ماعُرف عن نظام العمل في منشآت الهيئة من صرامة وشدة ومبالغة في الاحترازات الانضباطية الأمنية والعسكرية،بانها بديهية نظرا لطبيعة الصناعة وخطورة وحساسية اسرارها وأمنها وأمن العاملين فيها.
عن تطوير الصواريخ وقواعدها وإرضاع طائرة ميغ 23
ويتطرق الحوار الى دور صهر الرئيس الأسبق صدام حسين وأحد اقوى مقربيه، حسين كامل، في قيادة التصنيع العسكري منذ منتصف الثمانينات، فيوضح أبو ركيبة ان كامل لم يكن يتوفر على ثقافة صناعية لكن الصلاحيات المطلقة والدعم الكامل له من رأس الدولة حينذاك عزز دوره في دعم الكوادر الهندسية والبحثية، ما ساهم في تعزيز أداء منشآت ومعامل التصنيع العسكري، معترفا بأن تطبيق نظام العقاب عند الخطأ والتقصير، كان يرافقه نظام الثواب والمكافأة عند الإنجاز والتميز والابتكار.
ونفي سعدي أبو ركيبه وجود تدخل في جزئيات العمل الفني الهندسي للهيئة من قبل القيادات العليا في الدولة وبضمنها الرئيس صدام حسين، مشيرا الى أن "فريق التكنوقراط" من الخبراء والعلماء العراقيين هو من كان يضع اتجاهات وخطوط إدارة استراتيجيات هيئة التصنيع العسكري، وان رئاسة الدولة كانت متفهمة وواثقة من مقدرة ذلك الفريق ووطنيته، بحسب تعبيره.
استقطب "مركز البحوث العسكرية" التابع للهيئة الكثير من الخبرات والقدرات الهندسية والعلمية العراقية حيث مثل الجسر الرابط بين التصنيع العسكري والجامعات، من ناحية استيعاب بعض مخرجاتها التعليمية في منشات التصنيع المختلفة، والتعاون والتنسيق في الجهود البحثية العلمية من ناحية أخرى.
وكشف ضيف "حوارات"، المدير العام السابق في التصنيع العسكري سعدي أبو ركيبة، عن أن الكوادر العلمية والهندسية العراقية نجحت في تطوير العديد من الأسلحة والمعدات، ومثال ذلك تطوير منظومة صواريخ ارض أرض التي كان مداها التصميمي 270 كم، فقد نجح الخبراء العراقيون بزيادته الى 600 كم. وذلك بتعديل صواريخ السكود تحت مسميات "الحسين والعباس" بعد أن زادت مدى طيرانها وذلك عن طريق تقليل حجم الرأس الحربي، وقامت أيضا بإنتاج منصات إطلاق محليه لها ملحقه بشاحنات "سكانيا" السويدية.
وكذلك نجح مهندسو التصنيع العسكري في تصنيع منظومة إرضاع جوي للطائرة السوفيتية ميغ 23 بحيث أضاف لها امتيازا قرّبها من طائرة F1 -ميراج الفرنسية وغيرها من الطائرات النظيرة.
أبو ركيبة: بعد 1988 توجهنا نحو الأغراض المدنية، وتصدير السلاح
ونتوقف عند الفترة التي أعقبت وقف الحرب العراقية بين آب 1988- آب1990 حين بلغت قدرات التصنيع العسكري أعلى مدياتها و امتلأت مخازن الأسلحة والمعدات والذخيرة بمختلف أنواعها ، حينها واجهت "القيادة التكنوقراطية" هذا الواقع فاقترحت على الحكومة حينذاك التحرك باتجاهين:
الأول: تحويل جوانب من الصناعة العسكرية الى صناعة ذات طبيعة مدنية، لتطوير القطاع الصناعي العراقي عموما، مستفيدين من بيوت الخبرة العالمية في هذا المجال ومنها الاتحاد السوفيتي الذي[AM1] [AM2] لجأ الى ذلك بُعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية ونجح الى حد كبير بهذا الشأن في تحوير القدرات الصناعية العسكرية الى مدنية.
أما الاتجاه الثاني فكان توجه العراق لدخول سوق السلاح العالمية كمصنّع ومسوّق لمنتجاته العسكرية من أسلحة ومعدات وعجلات وذخائر، وفعلا اثمرت تحركات" دائرة المبيعات الخارجية" التي حصلت على صلاحيات واسعة بإجراء اتصالات وزيارات مع عدد من الدول الإقليمية لهذا الغرض، فتم الاتفاق مع احدى الدول الخليجية على تزويدها بمنظومة صواريخ أرض أرض مع تدريب كوادرهم على استخدام المنظومة، وأخرى في شمال افريقيا وافقت على شراء منظومة صممها الخبراء العراقيون للإرضاع الجوي لطائرة الميغ 21 وقد تم عرضها في مناسبة وطنية لتلك الدولة.
وقبل أن نتوقف عند الحدث الفصل بقرار احتلال الكويت في 2 آب 1990 نشير الى أن التصنيع العسكري استنفد نسبة كبيرة من موارد العراق خلال العقود الثلاثة السبعينات والثمانينات والتسعينات، الا ان سعدي أبو ركيبة يعتقد (خلال الحوار الذي يمكن الاستماع اليه في الملف الصوتي المرفق) انه برغم ضخامة الأموال التي استنزفها التصنيع العسكري خلال ثلاثة عقود، الا أنها بمجموعها تعادل تقريبا المبالغ المخصصة للقطاع العسكري والأمني في ميزانية هذا العام 2015 .