يعبر "بهاء علي" عن رأي غالبية عراقية تعتقد أن بعض المسؤولين والسياسيين استساغوا إطلاق الوعود بمشاريع وبرامج خلال السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة دون محاسبة برغم فشلهم في تحقيق تلك الوعود والاحلام المفرطة في ورديتها. ويرى بهاء ان تلك الوعود غالبا ما تنتعش قبيل مواسم الانتخابات.
في عام 2005 اتصل مسؤول إعلامي في مكتب أحد الوزراء عارضاً رغبة "السيد" الوزير في إجراء حوار معه من قبل إذاعة العراق الحر، فرحبتُ بخطوته حينها لكني اخبرته بانني سأعرض امام وزيره نُسخا من تصريحاته ووعوده التي أطلقها في الصحافة عن عزمه على تنفيذ مشاريع عملاقة وكبيرة لحل مشاكل المواطنين على صعيد البناء والإسكان والخدمات. والخ، ومساءلته عن أسباب عدم تنفيذ أي شيء من ذلك على ارض الواقع، فكان الرد بعد نحو ساعة موجزا: آسفين يعتذر الوزير عن إجراء المقابلة لانشغالاته الكثيرة!
ازدهار الوعود في مواسم الانتخابات
يتوقف الناشط المدني سعيد موسى عند ظاهرة إطلاق الوعود المفرطة والغير واقعية، ملاحظا أن السنوات التي أعقبت تغيير النظام عام 2003 شهدت تدنٍ في كفاءة وخبرة العديد من المسؤولين الذين تسنموا مناصبهم لاعتبارات سياسية ومحاصصة.
ومع الاخذ بالحسبان للعوامل الأمنية والسياسية التي أربكت أداء مؤسسات الدولة العراقية بعد التغيير وتفكك اغلب الأجهزة الحكومية، فان الناشط سعيد موسى يرى ان فشل السياسيين والمسؤولين في تنفيذ وعودهم يقترن بعدم معرفة أغلبهم ببيئة المجال الاداري او السياسي الذي يكلف به.
الى ذلك يشير عضو مجلس النواب هشام السهيل الى ان السياسيين في أغلب دول العالم يطرحون برامجهم ووعودهم للجمهور خلال الحملات الانتخابية، ولكن ضمن تصور واقعي للقدرات والآليات لتحقيق تلك البرامج، الا أن الأمر مختلفٌ في العراق فالكثير من السياسيين، يستغلون، بحسب السهيل، طيبة الجمهور فيطلقون الوعود ويناغون عواطفه واحلامه في مجالات تمليك الأراضي وإيجاد الوظائف و تنفيذ المشاريع مثلا غير آبهين بحقيقة أن دورهم كنواب ينحصر في تشريع القوانين ومراقبة أداء الحكومة.
يلاحظ البعض ان حالات الانتقاد لأداء وكفاءة بعضالسياسيين والمسؤولين تكاد تصبح ظاهرة يمكن رصدها في احاديث المواطنين اليومية فضلا عن صفحات الفيسبوك ومواقع التواصل المختلفة على شبكات الانترنت وبعض المنابر الإعلامية، ويتوقف عضو مجلس النواب هشامالسهيل عند تكرار انتخاب شخصيات سياسية برغم ما لاحقها من اتهامات بالتقصير وعدم الكفاءة والإخلاف في تنفيذ الوعود، السهيل يُرجع ذلك، خلال حديثه لإذاعة العراق الحر الى طيبة العراقيين وعاطفيتهم المفرطة، مستدركا بالإشارة الىوجود نسبة واضحة من نواب الدورة الحالية للبرلمان جديين في عملهم والتزامهم وحريصين على تأدية واجبهم كممثلين للشعب في مراقبة أداء الحكومة وتشريع القوانين.
هل من محاسبة عن تلك الوعود؟
لعله من الموضوعية أن يثير البعضُ السؤالَ التالي: هل من آثار قانونية ومحاسبة لعدم تنفيذ السياسي أو المسؤول لوعودٍ وعهود التزم بها لجمهوره؟
الخبير القانوني طارق حرب يوضح أن التمثيل البرلماني هو توكيل أخلاقي سياسي للنائب إزاء موكليه الناخبين، بمعنى أن اطلاقه الوعود والعهود ونكثه لها هو تراجع أخلاقي ووطني وربما ديني، لا يترتب عليه أجراء قانوني، بحسب قول حرب.
ربما أطلق سياسيون عراقيون وعودا مبالغة خلال السنوات الماضية بحُسن نية، لكنهم أدركوا لاحقاً صعوبة ذلك واستحالته وفشلهم في تحقيقه، وقد امتلك قليل منهم الشجاعة للاعتراف بذلك، ولكن بعد مغادرته كرسي المسؤولية أو مقعد البرلمان، حين لا ينفع الندم، كما تشخص الناشطة واستاذة علم النفس التربوي د نهى درويش خلال حديثها لإذاعة العراق الحر، والذي يمكن الاستماع اليه في الملف الصوتي المرفق.
برغم ذلك فان الواقع يشير الى أنه حتى لو كان المسؤول الحكومي كفء ومتخصصا الا أنه كثيرا ما يصطدم بإرادات ذات طابع سياسي أو كتلي تفرض سطوتها وارادتها في هذه الوزارة وتلك المؤسسة وهذا ما يحدّ من حرية الوزير أو المسؤول المعني، والحال ينسحب أيضا على قدرات المستشارين الذين جيء أغلبهم وفق معايير تحاصصية وليست تخصصية، بالتالي لم ينجحوا في تقديم استشارات على قدر ملموس من العلمية وطرح خطط ومُخرجات مدروسة لتطوير هذا القطاع او ذاك، بحسب الدكتورة الدرويش.
من جانبه لاحظ الكاتب الإعلامي سالم مشكور أن ظاهرة إطلاق السياسيين والمسؤولين قليلي الخبرة الوعود بدون مسؤولية، قد تراجعت بشكل ملموس في الكابينة الوزارية الحالية، ربما بتأثير وسائل الضغط والرقابة المختلفة ومنها الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
مشكور لم يُبدي استغراباً من تكرار تسنم بعض الشخصيات مواقع وزارية مختلفة في الحكومات العراقية المتعاقبة خلال العقد الأخير، لكنه أشر ظاهرة، قد تكون عراقية بامتياز، تلك هي تسنم القيادات الحزبية الرفيعة مواقع وزارية في حكومة حيدر العبادي، على غير ما هو شائع في دول أخرى من ان قادة الأحزاب غالباً ما يكتفون بمواقعهم القيادية ويراقبون أداء وزرائهم.
مشاريع لم تشهد سوى حجر الأساس، أين هي اليوم؟
في استعادة لبياناتٍ رسمية عن مسؤولين عسكريين أمريكيين مطلع كانون الأول ديسمبر 2004، ورد حينها أن عدد مشاريع إعادة البناء والإعمار في العراق بلغ 1051 مشروعا انشائياً، تضمن مشاريع مختلفة منها: اصلاح أو بناء 363 مدرسة، و41 عيادة صحية، و14 مستشفى، 58 محطة السكة الحديد، و67 مشروعاً لمياه الشرب، و58 مشروعا كهربائيا، وتنفيذ 66 طريقا ومئات أخرى من مشاريع الخدمات، لم تنعكس بوضوح على حياة المواطنين بما يتناسب والمبالغ والجهود التي استهلكتها.
وإذ يستعيد المواطن تقي محمد من بغداد تلك المؤشرات، يلاحظ أن السياسيين والمسؤولين العراقيين بالغوا، هُم أيضا، في الوعود بتنفيذ مشاريع لم تجد واقعا على الأرض، برغم أان بعضها شهد مراسيم وضع حجر الأساس ووضع لافتات في بعض المواقع تشرح طبيعة المشروع وحجمه، وكلفته وجهة التنفيذ ومُدته !
وإذ يدرك العراقيون اليوم صعوبة الأوضاع الاقتصادية والأمنية في أجواء المواجهة المسلحة لتنظيم "داعش" والانخفاض الحاد في أسعار النفط، يستذكر كثير منهم الفرص الذهبية التي أتيحت للبلاد لكي تنتعش وتشهد انجاز مشاريع كبرى في مختلف القطاعات منها الخدمية والاسكانية جرى الحديث عنها خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية، ويخلص تقي محمد الى أن المواطن هو من يتحمل مسؤولية اختيار ممثليه وساسته، وعليه الا ينجرف الى الوعود دون تيقن، وأن حُسنَ الاختيار هو الحل الأمثل.
شارك في الملف الصوتي مراسل إذاعة العراق الحرفي بغداد رامي احمد.