تزامن المجهود الوطني لتعبئة موارد البلاد المالية وطاقاتها البشرية في مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" مع اسوأ ضائقة اقتصادية يمر بها العراق منذ سنوات عديدة. وكان السبب المباشر للأزمة الاقتصادية هبوط اسعار النفط الذي يوفر نحو 90 في المئة من خزينة الدولة العراقية بنسبة تزيد على 50 في المئة منذ حزيران الماضي. وبذلك تكون عائدات النفط التي تمول أنشطة الدولة بكل جوانبها العسكرية والخدمية والتشغيلية فقدت أكثر من نصف قيمتها في غضون أقل من عام.
وفي مواجهة هذا الوضع أقر مجلس النواب موازنة بلغت 105 مليارات دولار. ويعني هذا خفض الانفاق بنسبة 16 في المئة. كما حاولت الموازنة ايجاد مصادر دخل أخرى بفرض ضرائب على الهواتف الخلوية والانترنت وتذاكر السفر الجوي والسيارات والكحول والسجائر. ورغم هذه الاجراءات فان العجز المتوقع يبلغ 25 ترليون دينار أو نحو 9 في المئة من اجمالي الناتج المحلي، كما قالت مجلة الايكونومست البريطانية في تقرير عن الاقتصاد العراقي.
وقال التقرير ان العجز حتى بهذه النسبة العالية يبدو تقديرا متفائلا لأن الموازنة أُعدت على اساس 56 دولارا لسعر البرميل من النفط وتفترض تصدير 3.3 مليون برميل في اليوم. ولكن صادرات العراق في كانون الثاني بلغت 2.4 مليون برميل في اليوم بسعر متوسطه 41 دولارا للبرميل، بحسب وحدة معلومات الايكونومست.
إزاء هذا الوضع اتخذ البنك المركزي العراقي اجراءات تهدف الى الحفاظ على ما يملكه العراق من عملة صعبة يحتاجها لتمويل المواجهة مع داعش وإعادة بناء القوات المسلحة واستيراد احتياجات المواطن العراقي من المواد الضرورية والسلع الأساسية.
وكان الطلب على الدولار الاميركي سجل زيادة حادة تسببت في هبوط قيمة الدينار العراقي. وجاءت اجراءات البنك المركزي في احد أهدافها لكبح هذا الطلب باستخدام الأدوات المتاحة له، بما فيها المزاد اليومي الذي من خلاله يتحكم البنك بسعر صرف الدينار مقابل العملات الأجنبية وخاصة الدولار. واللافت في اجراءات البنك المركزي هو فرض ضريبة ورسم كمركي على كل دولار يشتريه التاجر من المصارف لدفع أثمان ما يستورده من بضاعة.
اذاعة العراق الحر التقت مدير عام الاصدارات في البنك المركزي احسان الياسري الذي قال ان البنك استحدث بهذا الاجراء آلية تحقق هدفين رئيسيين هما ايجاد نظام معلومات وطني والآخر توفير مصدر تمويل جديد يرفد به خزينة الدولة من عائدات الرسوم والضرائب التي تفرض على كل دولار يُشترى لغرض الاستيراد وتقوم المصارف بتحويل هذه العائدات الى مصلحة الضرائب ودائرة الكمارك.
وأوضح الياسري ان هذه الآلية تخدم اغراضا متعددة الى جانب تعظيم الايرادات الضريبية والكمركية بينها ضمان ان التاجر الذي يشتري الدولار يعيد الى الاقتصاد ما يعادله في شكل بضاعة لأنه لم يعد لديه مصلحة في اخراج الدولار بعد ان دفع عنه ضريبة ورسما كمركيا، الى جانب مكافحة تبييض الأموال والتهريب وجمع معلومات مفيدة عن طبيعة المواد المستوردة واستخدامها في الحسابات القومية ، الخ.
المستشار الاقتصادي في رئاسة مجلس الوزراء عبد الحسين العنبكي نوه بأهمية الخطوة التي بادر اليها البنك المركزي بفرض ضريبة ورسم كمركي على الدولار الذي يخرج من العراق قائلا انها تضبط حركة رؤوس الأموال وخاصة النقد الأجنبي داخل العراق وفي المبادلات التجارية مع الدول الأخرى.
ولكن المستشار العنبكي لاحظ ان جباية الرسوم والضرائب لا تكون عادة من مهمات المصارف التي مسؤولتيها فتح اعتمادات مستندية مشيرا الى العمل من أجل معالجة العيوب الموجودة في هذا النظام الذي أناط بالمصارف مهمة ليست من اختصاصها.
وفي حين ان المستشار الاقتصادي في رئاسة مجلس الوزراء عبد الحسين العنكبي اشاد بالنظام الجديد من حيث التمويل لما يوفره من ايرادات اضافية تحتاجها الدولة فانه تساءل عن آثاره السلبية المحتملة على الأداء الاقتصادي وخاصة ما قد يثيره من مخاوف لدى المستثمر الذي يريد دخول الاقتصاد العراقي باجباره على الافصاح سلفا ولكنه أكد امكانية سد الثغرات في هذا النظام من خلال الحوار.
ودعا العنبكي الى دراسة الأسباب التي تكمن وراء حركة رؤوس الأموال من العراق الى الخارج وليس العكس قائلا ان صاحب رأس المال لا يحتاج الى البحث عن فرص لاستثماره في الخارج لو كانت البيئة الاستثمارية العراقية بيئة ملائمة تعده بمردود مجزٍ على استثماره.
المدير العام في هيئة الضرائب ناطق عردان قال ان الآلية التي استحدثها البنك المركزي تتضمن تفاصيل فنية متعددة ولكن الأساس فيها ان البنك المركزي بوصفه الجهة التي تمد المستورد بما يحتاجه من عملة صعبة عليه ان يضمن دخول بضاعة مقابلها.
وأعترف عردان بأن ضعف تحصيل الضرائب من التصريحات الكمركية هو الذي فرض استحداث الآلية الجديدة بجباية هذه التحصيلات لدى بيع الدولار مشيرا الى ان أكثر من 700 الف تصريحة كمركية صدرت العام الماضي كانت التحصيلات الحكومية كضرائب منها 50 في المئة في أحسن الأحوال.
مدير عام هيئة الكمارك اللواء حكيم جاسم أوضح ان السبب الأساسي في ضعف استحصال الرسوم الكمركية وبذلك ضياع ايرادات كبيرة هو غياب الربط الالكتروني بين المنافذ الحدودية واستخدام طرق يدوية في تفتيش الحاوية والباخرة والشاحنة مؤكدا ان هيئة الكمارك ستعالج هذه المشكلة بالتعاقد مع شركات عالمية لتطبيق نظام الكتروي خاص بالكمارك.
الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم وصفت الآلية التي استحدثها البنك المركزي العراقي لاستحصال الضريبة من الدولار بأنها وسيلة اعتمدتها الحكومة لزيادة مصادر تمويلها من أجل تقليل العجز المالي وليست نابعة عن سياسة ضريبية متكاملة مبينة ان الضرائب المباشرة وغير المباشرة محفوفة بالمطبات التي يمكن ان يدفع المواطن ثمنها إذا لم تكن موجهة بحيث لا تؤدي الى زيادة في تكاليف الانتاج تُنقل الى المستهلك أو تثقل كاهل ذوي الدخل المحدود.
وحذرت الخبيرة سميسم من إشهار سلاح الضربية بوجه القطاعات الانتاجية التي تحتاج الى تشجيع لا تثبيط مقترحة التحلي بالمرونة في الرؤية الضريبيةلتحقيق التوازن في الاقتصاد بحيث لا تضر بالطبقات الوسطى التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد نظرا لارتفاع مستوى استهلاكها وان تستهدف البضائع الكمالية والترفية والدخول العالية.
قالت مجلة الايكونومست ان الحكومة العراقية في اطار بحثها عن مصادر تمويل جديدة تعتزم بيع سندات وإرجاء تسديد بعضالمدفوعات واللجوء الى مدخراتها وانها تبحث مع مصرف ستي غروب ودويتشة بنك الالماني اصدار سندات بقيمة ستة مليارات دولار.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي أعده مراسل اذاعة العراق الحر اياد الملاح.