يَـــــترقّــبُ العراقيون مآلَ عملية استعادة تكريت من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية وذلك في ضوء أحدث الأنباء التي أفادت الثلاثاء بأن بغداد "على وشك" أن تطلب مساعدة التحالف الدولي لمحاربة داعش من أجل حسم المعركة.
عمليةُ (لبيك يا رسول الله) التي بدأتها القوات العراقية المدعومة بالحشد الشعبي وأبناء العشائر قبل ثلاثة أسابيع تمكنت من تحقيق تقدم مطّرد قبل أن يتقرر وقفها بعد النجاح في تطويق المدينة. وعزا قادة ميدانيون التَــــريّـــث في التقدم نحو وسَط تكريت إلى تـَجنّب خوض معارك شوارع لا يمكن حسمها إلا بإشراك عناصر متدرّبة على هذا النوع من الاشتباكات إضافةً إلى إنجاز رفع آلاف العبوات الناسفة التي يُعتقد أن تنظيم داعش زرعها على جوانب الطرق وفي المنازل.
لكن صحيفة بريطانية بارزة أفادت الثلاثاء (24 آذار) بأن ما وصفتها بالعملية "المتعثرة" لاستعادة تكريت "شابَــــتها توترات بين الحكومة العراقية وإيران، الحليف العسكري الرئيسي في المعركة." واعتبرت صحيفة (تايمز) Times في تقريرها الموسوم "بغداد تفضّل الصدمة والرعب لاستعادة مدينة" بقلم هيو توملينسون Hugh Tomlinson أن هذه التوترات تهدد بوقوع الهجوم "في حالة من الفوضى"، على حد تعبيرها.
الصحيفة أشارت أيضاً إلى ما وصفتها بانقسامات بين الحليفيْن في شأن كيفية مواصلة العملية على خلفية خسائر تكبدتها القوات العراقية والإيرانية أثناء الاشتباكات لاستعادة تكريت من الجهاديين، بحسب تعبير (تايمز). وأضاف التقرير أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني الذي ينسّق الهجوم يريد محاصرة تكريت عن طريق تجويع الجهاديين إلى الهزيمة وتقليل الخسائر البشرية في صفوف رجاله. كما نقلت الصحيفة عمّن وصفتها بمصادر عسكرية إيرانية أن طهران تعهدت بمشاركة ألفيْن من جنودها لمساعدة العراق وأن ما يزيد عن أربعين من هؤلاء سقطوا قتلى في عملية تكريت. فيما قدّرت الخسائر البشرية بين صفوف الحشد الشعبي بالمئات، على حد تعبير صحيفة (تايمز) البريطانية.
في الأثناء، نقلت وكالة رويترز للأنباء عمّن وصفته بدبلوماسي كبير من دولة غربية عضو بالتحالف قوله الثلاثاء (24 آذار) إن العراق "على وشك" أن يطلب من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة توجيه ضربات جوية في الحملة التي تستهدف استعادة تكريت. لكن الحكومة العراقية لم تُصدر على الفور بياناً يؤكد فحوى هذا التصريح.
رويترز أشارت إلى عدم مشاركة التحالف الدولي لمحاربة داعش حتى الآن في هذه الحملة وهي أكبر حملة تقوم بها القوات العراقية والفصائل المدعومة من إيران منذ اجتياح تنظيم الدولة ثلث العراق العام الماضي. ونسَبت إلى الدبلوماسي قوله أيضاً إن الهجمات في تكريت ستكون على أساس النموذج الذي حدث في الشمال حيث نفذ التحالف هجمات جوية بالتنسيق مع قوات البشمركة الكردية. وأعرب الدبلوماسي عن اعتقاده بأن هجمات التحالف "ستستهدف مواقع المدافع الآلية."
وجاء في التقرير أنه في حال موافقة التحالف على الطلب فإن هذه الخطوة ستُـــعتبر أكبر تعاون بين القوات العراقية والفصائل المدعومة من إيران والولايات المتحدة وحلفائها في قتال تنظيم داعش.
وكان وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي أجرى الاثنين (23 آذار) محادثات مع الأميرال مارك فوكس معاون قائد القيادة الأميركية الوسطى الذي يزور بغداد حالياً. وأُفيد بأنه جرت خلال اللقاء "مناقشة العمليات العسكرية الجارية الآن في صلاح الدين وديالى والأنبار" إضافةً إلى"الإجراءات المتخذة للعملية العسكرية الخاصة بتحرير نينوى وتم أيضاً مناقشة الاستعدادات الخاصة بتدريب القوات العراقية وتجهيزها بالأسلحة والعتاد اللازم كذلك تم مناقشة الدعم الذي سيقدم من قبل قوات التحالف في هذه العملية"، بحسب تعبير البيان المنشور على موقع وزارة الدفاع العراقية.
ولمزيدٍ من المتابعة والتحليل، أجريت مقابلة مع رئيس المركز الأوروبي العربي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبار جاسم محمد الذي علّق أولاً على تصريح الدبلوماسي في الدولة العضو بالتحالف في شأن الطلب العراقي "الوشيك" قائلاً إنه "ضروري ويُعتبر حاجة دفاعية ملحّة في جهود القوات العراقية لتحرير صلاح الدين خاصةً وأن الخبراء يجمعون على عدم إمكانية تحرير مركز مدينة تكريت دون تأمين الغطاء الجوي اللازم للعملية البرية".
وفي المقابلة التي يمكن الاستماع إليها في الملف الصوتي، تحدث الباحث المتخصص في شؤون مكافحة الإرهاب عبر الهاتف من بون عن موضوعات أخرى ذات صلة بعملية (لبيك يا رسول الله) والمساعدة العسكرية الإيرانية للقوات العراقية المدعومة من الحشد الشعبي وأبناء العشائر في معركة استعادة تكريت من قبضة داعش. كما علّق في إجابته عن سؤال آخر على ما أوردَتهُ الصحيفة البريطانية البارزة الثلاثاء في شأن ما وصفتهُ بتوتراتٍ بين الحليفيْن العراقي والإيراني في شأن سيْر العملية والخسائر البشرية التي تكبّدها الطرفان، وفقاً لما نقَلته (تايمز) عن "مصادر عسكرية إيرانية".
من جهته، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد الدكتور حميد فاضل أن الطلب العراقي المحتمل لمساعدةٍ من التحالف الدولي في معركة استعادة تكريت "ربما يكون مرتبطاً بالرغبة الأميركية أكثر من كونه رغبة عراقية إذ من الواضح أن الولايات المتحدة لم تكن راضية ولم يكن لها أن تقبل بدور إيراني بارز في التوجّه العراقي لتحرير المناطق المحتلة من قِبل داعش"، بحسب رأيه.
وفي التعليق الذي أدلى به لإذاعة العراق الحر عبر الهاتف ويمكن الاستماع إليه في الملف الصوتي، أضاف الأكاديمي والمحلل السياسي العراقي أن واشنطن قد ترغب أيضاً "بأن يكون دورها موازياً أو متفوقاً على دور طهران" في العمليات العراقية لاستعادة المناطق التي يحتلها داعش، معرباً عن اعتقاده بأن معركة تكريت "تباطأت لأسباب سياسية وليس لأسباب عسكرية بالمجمل"، على حد تعبيره.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي يتضمن مقابلتين مع أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد د. حميد فاضل ورئيس المركز الأوروبي العربي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبار جاسم محمد متحدثاً من بون.