بيروت
291 يوماً مرّت على لبنان من دون رئيس للجمهورية، ولا يبدو في الأفق أي مؤشر يوحي بحلّ قريب لهذا الاستحقاق. وسجّل مجلس النواب الاربعاء الجلسة العشرين التي يدعو اليها رئيس المجلس نبيه بري، والتي لم تختلف عن سابقاتها من حيث عدم اكتمال النصاب القانوني الذي يسمح بانعقاد الجلسة واجراء عملية الاقتراع لانتخاب رئيس للجمهورية.
ويقاطع الجلسات نواب تكتل "التغيير والاصلاح" برئاسة العماد ميشال عون ونواب "حزب الله" وآخرون من أحزاب محسوبة على فريق "8 آذار". ويصرّ هؤلاء على أنهم لن يؤمّنوا النصاب سوى في حالة واحدة، هي التوافق على انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية.
أمّا فريق "14 آذار" فيحضر الجلسات، ولكن عدد نوابه لا يكفي لتأمين النصاب المحدد بثلثي عدد أعضاء المجلس البالغ 128 نائباً. ولهذا الفريق مرشحه، وهو رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع الذي أبدى استعداده للانسحاب من السباق الى الرئاسة في حال توافق مع عون على مرشح يرضى عنه الطرفان.
ولكن جلسة الاربعاء التي لم تنعقد تميزت بالمواقف التي أطلقها عدد من نواب فريق "14 آذار"، الذين أبدوا تخوفاً من انهيار النظام اللبناني.
فقد طالب النائب أحمد فتفت، وهو أحد صقور هذا الفريق وينضوي في كتلة "المستقبل" التي يرأسها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، طالب "حزب الله" والنائب عون "بتحديد موقفهما من كلام علي يونسي مستشار الرئيس الايراني عن الأمبراطورية الفارسية وعاصمتها بغداد".
أما النائب المسيحي في كتلة "المستقبل" عاطف مجدلاني فأكد أن مقاطعة جلسات الانتخاب "هي ممارسة خاطئة وخطرة، لأنها تخالف الدستور وتهدد النظام اللبناني والتوزيع الطائفي للرئاسات الثلاث."
وحذر الوزير والنائب بطرس حرب من أن "الدولة ستسقط"، محمّلاً الطرف الآخر "مسؤولية انهيار النظام والدولة".
في انتظار اتفاق نووي بين طهران وواشنطن
وتزامنت هذه المواقف مع تحليلات وأجواء تهيمن على الساحة السياسية اللبنانية، مفادها أن ملف الانتخابات الرئاسية اللبنانية لن يتحرك إلّا بعد التوصل إلى اتفاق نووي ايراني. وأبدى رئيس مجلس النواب نبيه بري اعتقاده أن "لبننة الاستحقاق الرئاسي أصبحت متعذرة"، وأنه "صار لزاماً على اللبنانيين انتظار الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة".
ولكن المحلل والكاتب السياسي طوني عيسى يرى في حديث الى موقع "العراق الحر" أنّ "التوصل الى اتفاق نووي ايراني ربما لا تكون انعكاساته فورية وايجابية على موضوع الانتخابات الرئاسية في لبنان. فهناك ملفات اقليمية عديدة عالقة. وإذا لم يأتِ الاتفاق النووي في إطار تسوية اقليمية ترضي الدول المعنية، وعلى رأسها السعودية، فلن يكون انعكاسه على لبنان انفراجاً في الملف الرئاسي".
وثمة تحليلات أخرى تحفل بها الصحف اللبنانية ترى أن الاتفاق النووي سيكون اتفاقاً يطلق يد ايران في ملفّات عديدة في المنطقة، وستسعى ايران الى تثبيت نفوذها من اليمن الى العراق فلبنان الذي يسود تخوف من تعرضه للمزيد من الضغوط، وربما لاهتزازات أمنية.
حوارات الوقت الضائع
وفي انتظار الحلول التي ستأتي من الخارج، تدور حوارات داخلية لا تقدّم ولا تؤخر، إنما ربما تسهم في تخفيف الاحتقان وفي تمرير الوقت بأقل الأضرار الممكنة.
فحوار "المستقبل"- "حزب الله" أنتج تخفيفاً للاحتقان المذهبي من خلال ازالة الصور والشعارات من شوارع بيروت والتوافق على خطة أمنية للبقاع أتت نتائجها شكلية في الإجمال.
أما الحوار المسيحي- المسيحي بين "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" ، فمن الصعب، إن لم يكن من شبه المستحيل، التوصل خلاله الى توافق على انتخابات الرئاسة أو على اسم مرشح. فالعماد عون لا يقبل الا بشخصه رئيساً، ويدعمه في ذلك "حزب الله". وجعجع يعتبر أن وصول عون الى الرئاسة هو انتصار لفريق "8 آذار" حليف ايران وسوريا.
ومن هنا، فإن الحلقة الأضعف، أي الرئيس المسيحي الماروني، ستبقى في الفراغ إلى ما شاء الله، طالما أن المسيحيين مختلفون في ما بينهم، ولا يستطيعون بالتالي "فرض رئيسهم" على الآخرين، وما دام هؤلاء الآخرون غير مستعجلين على الإتيان برئيس إلا بعد أن تتغير الموازين الاقليمية وتُرسم التسويات.