بعد التدمير الذي تعرضت له مواقع أثرية تاريخية في العراق على يد ما يُعرف بمسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، تصاعدت التحذيرات من الخطر الذي يهدد الآثار في سوريا بسبب داعش وإستمرار الصراع بين قوات النظام السوري والمعارضة المسلحة.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" فان الأضرار أصابت الآثار والتراث السوري في أغلب المحافظات السورية، وبشكل خاص في المناطق الشمالية والجنوبية الخاضعة لقوات المعارضة.
أكثر من 150 موقعاً أثرياً تضرر في حلب ... مسؤول سوري
مآمون عبد الكريم مدير عام الاثار والمتاحف في سوريا أكد لإذاعة العراق الحر أن أكثر من 150 موقعاً أثرياً تعرض الى أضرار في مدينة حلب وحدها فضلاً عن تضرر أكثر من ألف محل تجاري في سوق حلب القديم، كاشفاً عن دخول عصابات آثار مسلحة عبر الحدود قامت بنهب وتدمير الكثير من المواقع الأثرية كما حدث في وادي فرات ودير الزور والرقة.
وفيما يتعلق بخطر إستهداف تنظيم "داعش" للآثار في العراق وسوريا خاصة بعد تدميره لمدينة نمرود الاثرية ومتحف الموصل، قال عبد الكريم إن المديرية إتخذت عدة إجراءات منها إخلاء المتاحف وحماية المقتنيات المتحفية، مؤكداً أن 99% من المواقع والمتاحف هي بأمان الآن لكن المواقع الأثرية البعيدة في خطر، وتحدث المسؤول السوري عن تدمير التنظيم لمواقع عديدة في سوريا بدافع من أفكاره السلفية المتطرفة.
وتثير الأفكار السلفية المتطرفة التي يتبناها تنظيم "داعش" قلق السوريين لما تشكله من خطر على التراث الثقافي السوري، لكن الخطر الذي يهدد تاريخ وحضارة سوريا، لا يأتِ فقط من "داعش"، فمع إندلاع الصراع الدائر في سوريا تحولت العديد من المواقع الأثرية إلى ثكنات عسكرية.
تاريخ سوريا في خطر حقيقي والمشكلة تكمن في قصف النظام للمواقع الاثرية ... سماح هدايا
وتحذر سماح هدايا وزيرة الثقافة في الحكومة السورية المعارضة المؤقتة من أن تاريخ سوريا في خطر حقيقي، بسبب إستمرار الصراع، مؤكدة أنّ الوزارة تعمل على توثيق الأضرار والدمار الذي لحق بالآثار السورية، والمشكلة تكمن في تعرض هذه المناطق الأثرية للقصف من قبل النظام واستباحتها من قبل عدد من الأهالي وإستغلال الاماكن الأثرية لسكن النازحين، فضلاً عن ظاهرة الإتجار بالآثار، حيث لا تملك حكومة المعارضة المؤقتة سلطة قانونية قوية ولا سلطة تنفيذية قوية على الارض لمنع الإتجار بالآثار.
وشددت هدايا على أن العالم يجب أن يتحمل مسؤولية حماية الآثار والتراث السوري، مؤكدة أن الوزارة ستتخذ عدة إجراءات منها مخاطبة المنظمات الأممية المختصة من أجل حماية ما تتعرض له الآثار في البلاد، وتعيين قاضي كمدير في قسم الآثار لإدارة الملف القانوني لموضوع الآثار، وإطلاق حملة إعلامية لتوعية المواطنين بأهمية الحفاظ على آثار بلدهم وحمايتها.
وتقوم الجمعية السورية لحفظ الآثار والتراث وهي جمعية مدنية مستقلة تضم مجموعة من الشباب المتطوعين والمهتمين بالآثار في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة، بتوثيق الدمار الذي لحق بالمواقع الأثرية في هذه المناطق، وقامت بحماية مباني في حلب القديمة، ونقل لقى أثرية إلى أماكن آمنة، بعيداً عن ساحات المعارك.
تحييد المناطق التي تضم مواقع أثرية هو الحل الوحيد لحمايتها ... أحمد المصري
رئيس الجمعية أحمد المصري رئيس يقول لإذاعة العراق الحر "إنّ من أهم أعمال الجمعية توثيق الوضع الراهن في حلب القديمة، ونحن في القسم المحرر منها من حارات ومنازل، نقوم بزيارات دورية على نفس المبنى ونرى ماذا حل به من تغييرات، فضلاً عن مشاريع الحماية، حيث هناك أشياء لا يمكن منعها مثل القصف بالبراميل والقصف المدفعي"، مضيفاً: "هناك أشياء يمكن حمايتها، مثل منبر الجامع الأموي الكبير في حلب، حيث تم نقل المنبر إلى مكان آمن، وأيضاً تم بناء حائط حول الساعة الشمسية من أجل حمايتها من الشظايا، وفي المدرسة الحلوية بحلب قمنا بحماية المحراب الخشبي الذي يعود إلى عهد الأيوبيين كما تم نقل كل اللقى والمخطوطات الى أماكن آمنة".
ويقترح المصري تحييد المناطق من طرفي النزاع في سوريا، منتقداً في الوقت نفسه المؤتمرات الدولية التي تُعقد بشأن سوريا، والمنظمات الدولية المعنية بحفظ التراث لأنها لم تتحرك حتى الآن ولم تفعل أي شيء، على حد تعبيره.
وكان مجلس الامن الدولي تبنى منتصف شباط الماضي بالاجماع قرارا يهدف الى تجفيف مصادر تمويل الجماعات الإرهابية مثل تنظيم "الدولة الاسلامية" و"جبهة النصرة" يهدف لحظر المتاجرة بالآثار العراقية والسورية.
الكشف عن الآثار رزقة من الله ... منقّب
وتعتمد الكثير من فصائل المعارضة المسلحة على تهريب الآثار لتمويل عملياتها، كما أن هذه التجارة بدأت تغري الهاوين أيضاً والباحثين عن رزق لعائلاتهم. ويعتبر أبو محمد هاوي ومنقب عن القطع الأثرية منذ قبل اندلاع الصراع في سوريا، العمل في الكشف عن الآثار رزقة من الله ويتحدث لإذاعة العراق الحر عن عملية التنقيب قائلاً: "يتم التنقيب عن الآثار عبر جهاز كاشف للألغام والمعادن، حيث يكشف عبر 30 سم، ولكل معدن نغمة معينة خاصة به، وأثناء بحثه استخرج عدد من النقود المعدنية الرومانية التي كانت في السابق تباع بأسعار جيدة، لكنها الآن فقدت قيمتها بسبب كثرة العرض".
داعش لا يُحرّم تهريب الآثار لكننا ندفع زكاة الخُمس ... مهرّب آثار
محمد مواطن سوري حضر عدد من صفقات بيع الآثار التي يقول إن أغلبها انتهى بالفشل، أكد إنتشار ظاهرة التنقيب عن الآثار في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، مشيراً الى ان التنظيمات الكبيرة ومنها تنظيم "الدولة الإسلامية" داعش يمتلك أجهزة حديثة وغالية للكشف عن المعادن لإستخراج القطع الأثرية القديمة، وتحدث محمد عن آلية عقد الصفقات الغير شرعية التي تجري داخل سوريا وتركيا للآثار السورية، عن طريق سمسار وخبير للآثار، ويرتفع سعر القطعة الأثرية إذا ما تم تسليمها في تركيا. كما لفت محمد الى أن المحاكم الشرعية لـ "داعش" لا يُحرم التنقيب عن الآثار ويعتبره كنزاً يحق للمواطن الحصول عليه على أن يدفع زكاة الخُمس للتنظيم.
يُذكر أن تقريراً للأمم المتحدة في تشرين الاول الماضي أكد أن داعش ينهب الآثار في سوريا والعراق وأن التنظيم يشجع نهب وتهريب الآثار ثم يَجني ضرائب من سارقيها.
وكان تنظيم "داعش" دمّر تماثيل وقطع أثرية في متحف مدينة الموصل، كما قام بتدمير وتجريف مدينة نمرود الأثرية ومدينة الحضر في محافظة نينوى.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في عددها الصادر الإثنين أن السكان في المناطق الواقعة تحت سيطرة تنظيم داعش في سوريا والعراق يصورون خلسة بهواتفهم أثار الدمار التي ألحقها التنظيم الإرهابي بالتحف الأثرية، وأشارت الصحيفة إلى أن المواقع الأثرية السورية ليست فقط ضحايا لداعش ولكن أيضا لأربعة أعوام من الصراع بين قوات الحكومة والمعارضة، حيث تم قصفها واستخدامها للاختباء.
وذكرت الصحيفة أن فريقا غير رسمي من السوريين يلقب برجال الأثار يقومون الأن على توثيق الأضرار والنهب التي يقوم بها داعش، من أجل منع وصولها إلى السوق السوداء.
داعش يستهدف المناطق الأثرية بشكل ممنهج ... مدير المتحف الوطني في سوريا
يعرب عبدالله مدير المتحف الوطني في سوريا ومدير اثار دير الزور سابقاً أكد في حديث لإذاعة العراق الحر أن داعش ومنذ سيطرته على مناطق داخل سوريا، يستهدف وبشكل ممنهج المناطق الأثرية لتخريبها وتدميرها، خاصة في مناطق دير الزور والرقة والحسكة، كما يقوم عناصر داعش بالتنقيب عن الآثار لتهريبها، فضلاً عن تكسيرهم وتدميرهم للكثير من اللقى الأثرية والتماثيل أمام مرأى الناس كما حصل في موقع تل عجاجه الأثري.
مواطن سوري كان يتحدث لإذاعة العراق الحر عن عمليات نهب وتهريب الآثار السورية أكد أن أطراف الصراع يتحملون مسؤولية ضياع تاريخ وحضارة سوريا، وعلى كافة الأطراف حماية هذه الآثار لأنها تعبر عن هويتهم ولن يستطع أحد أن يحمي الآثار والتراث السوري إلا الشعب السوري نفسه.
بمشاركة مراسلَي إذاعة العراق الحر في سوريا خليل حسين ومنار عبد الرزاق.