فيما أبدى أرفعُ قائد عسكري أميركي تفاؤلَه بالقدرة العراقية على استعادة تكريت من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية وجددت مقاتلاتٌ إماراتية ضرباتـِها الجويةَ على هذا التنظيم أعلنت كندا مقتلَ أحد جنودها بنيران صديقة في العراق ليكونَ أول عسكري لها يلقى حتفَه خلال مهمتها العسكرية هناك. هذا فيما انضمّت جماعة بوكو حرام النيجيرية المتشددة السبت إلى حركات جهادية أخرى حول العالم بإعلان مبايعتها لتنظيم داعش.
تُـــــسلّـطُ هذه الخطوة الرمزية الضوءَ على التنسيق المتزايد بين الجماعات المتطرفة في أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ما دفعَ حكومة نيجيريا إلى مناشدة المجتمع الدولي مساعدتها على نحوٍ أكبر في التصدّي لتمرد بوكو حرام التي قتلت وخطفت المئات خلال حملتها المتواصلة منذ ست سنوات لإقامة دولة إسلامية في شمال نيجيريا. وكـــثّـــفت هذه الجماعة أخيراً هجماتها عبر الحدود في الكاميرون وتشاد والنيجر.
رئيسُ هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي أجرى الأحد محادثات مع نظيره الفرنسي الجنرال بيار دو فيلييه قبل زيارتهما حاملة الطائرات شارل ديغول قبالة سواحل البحرين.
حاملةُ الطائرات الفرنسية تشارك من الخليج حالياً في مَهماتٍ للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية. ويدأبُ مسؤولون أميركيون على الإشادة بفرنسا لتدخلّها العسكري غير مرة في منطقة الساحل في إفريقيا ضد متشددي تنظيم القاعدة مع تقديم الولايات المتحدة دعماً لوجستياً لهذه العمليات.
وفي تصريحاتٍ أدلى بها على متن الطائرة التي كانت تُقلــّه الى البحرين والعراق، قال ديمبسي الجمعة إن استعادة مركز محافظة صلاح الدين أصبحت مسألة وقت. وأوضح أن "الأرقام تؤكد هذا الواقع"، مشيراً إلى أن عديد القوات العراقية والمسلّحين الموالين لها، وقدّره بنحو 23 ألف فرد، يواجههم "بضع مئات" من عناصر تنظيم داعش. وأضاف أن الضربات الجوية للتحالف في الأسابيع الماضية شمال تكريت زادت الضغط على التنظيم المتطرف ومهّدت للهجوم البري. وفي هذا الصدد، نُقل عنه القول "أعتقد أن الهجوم على تكريت بات ممكناً بسبب الضربات الجوية التي نُفذت في محيط بيجي"، القريبة من كبرى مصافي النفط في العراق.
وكالة فرانس برس للأنباء التي أوردَت هذه التصريحات أشارت إلى عدم مشاركة طيران التحالف الدولي في عملية تكريت في حين نشرت وسائل إعلام إيرانية صوراً لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني خلال تواجده في صلاح الدين لتقديم المشورة العسكرية للقوات العراقية والفصائل المدعومة من طهران.
ديمبسي أضاف أنه يتابع باهتمام ما وصفها بـ"التحديات" التي يطرحها دعم إيران لهذه الفصائل، مشيراً إلى أن تنامي نفوذ طهران يثير قلق أطراف في التحالف الذي يـــضمّ دولاً عربية أبرزها السعودية. وقال للصحافيين إنه سينقل للمسؤولين العراقيين "قلقه من تنامي النفوذ الإيراني".
وكان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل حذّر الخميس (5 آذار) خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأميركي جون كيري في الرياض مما وصفه بتنامي دور إيران في العراق متهماً طهران بفرض سيطرتها على بغداد من خلال مساعدتها في الحرب ضد تنظيم داعش.
كيري كان يزور الرياض لإطلاع وزراء خارجية الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي (السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات وعُمان) على نتائج المحادثات مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف حول التوصل إلى اتفاق بين مجموعة القوى العالمية وطهران في شأن برنامجها النووي المثير للجدل.
وفي أبو ظبي، أُعلن السبت (7 آذار) أن مقاتلاتٍ إماراتيةً متمركزة في الأردن شنّت ضربات جوية على مواقع نفطية يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية.
وأفادت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية (وام) بأن المقاتلات، وهي من طراز (إف 16)، نفّذت "ضربات جوية ليلية ضد مواقع تنظيم داعش الإرهابي الذي أظهر للعالم بشاعته وانتهاكاته لكل القيم الدينية والإنسانية." وأضافت أن الضربات الجوية "استهدفت عدداً من نقاط التشغيل والاستخراج الخاصة لأنابيب البترول الخام والخاضعة تحت سيطرة التنظيم لحرمانه من مصادر الدخل وتجفيف منابع التمويل لعملياته الارهابية"، مشيرةً إلى عودة المقاتلات إلى قواعدها سالمة.
في الأثناء، قالت إحدى الدول الأخرى الأعضاء في التحالف الدولي ضد داعش، وهي كندا، إن أحد جنودها قتل الجمعة (6 آذار) بنيران صديقة في العراق في حادث أسفر أيضاً عن إصابة ثلاثة جنود كنديين آخرين.
وأضافت وزارة الدفاع الكندية في بيانٍ السبت أن الجنود يتبعون قوة العمليات الخاصة بكندا وأن القوات الكردية العراقية اشتبكت معهم بطريق الخطأ إثر عودتهم إلى نقطة مراقبة خلف الخطوط الأمامية.
وكالة رويترز للأنباء أشارت إلى تبادل القوات الخاصة الكندية إطلاق النار مع مسلّحي داعش ثلاث مرات على الأقل منذ انتشارها لتدريب القوات العراقية وساهمت أيضاً في تحديد أهداف للضربات الجوية. ومن المنتظر أن تقرر كندا خلال بضعة أسابيع ما إذا كانت ستمدد التفويض الممنوح لمهمتها العسكرية في العراق ومدته ستة أشهر.
وبالإضافة إلى نحو 70 جندياً من القوات الخاصة الكندية العاملة في كردستان العراق تشارك كندا بست مقاتلات في مهام القصف التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وفي تقريرٍ منفصلٍ عن سير العملية العسكرية العراقية لاستعادة تكريت، أفادت رويترز بأن قوات الأمن المدعومة بالحشد الشعبي تواصل تقدمها لكن "الدفاع المستميت" من تنظيم داعش يعرقل التقدم. ونقلت عن المسؤول الأمني في ناحية العلَم ليث الجبوري قوله السبت إن هذه القوات تواجه مقاومة قوية من الجماعات الإرهابية فيما تحاول محاصرة مسلّحي داعش داخل العلَم والدور وقطع جميع طرق الإمدادات عنهم.
ولمزيدٍ من المتابعة والتحليل، أجريتُ مقابلة مع الباحث في الشؤون الإستراتيجية الدكتور أمير جبار الساعدي الذي تحدث لإذاعة العراق الحر عن آخر التطورات الميدانية الأحد (8 آذار) مشيراً "إلى صعوبة أن تسقط تكريت خلال هذين اليومين أو الأيام الثلاثة إذ أن هذا الموضوع يمكن تشبيهه بأذرع الأخطبوط..فما يزال رأس الأخطبوط يقبع في تكريت فيما أذرعه تمتد إلى منطقة الدور وألبوعجيل ثم العلَم...اليوم، وهذ المستجَد الأهم، وصلت القوات العراقية إلى منتصف منطقة ألبوعجيل ما يعني أنه لم يفصل بينها وبين منطقة العلَم سوى أربعة كيلومترات وهذه نقطة مهمة وتحوّل كبير." وأضاف الساعدي "هناك جانب مهم آخر وهو المعوّقات الإنسانية...إذ لحد الان لا توجد إحصاءات دقيقة عن مدى وجود سكان محليين في منطقة العلَم وما إذا كانت أُفرغت منهم أم أنها ما تزال تحتوي على بعض الدروع البشرية التي تستخدمها داعش بين الحين والآخر....".
وفي المقابلة التي أجريتها عبر الهاتف ويمكن الاستماع إليها في الملف الصوتي، تحدث الباحث العراقي في الشؤون الإستراتيجية عن موضوعات أخرى ذات صلة ومن بينها تصريحات الجنرال ديمبسي في شأن ما وصفه بالنفوذ الإيراني المتنامي في العراق وعزمه على نقل القلق الأميركي من هذا الأمر إلى المسؤولين العراقيين.
من جهته، تحدث أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإمارات العربية المتحدة الدكتور عبد الخالق عبد الله لإذاعة العراق الحر عن القلق الخليجي من تنامي النفوذ الإيراني في العراق بالقول إن الوقائع تشير "إلى أن إيران قد تمكنت من التغلغل عميقاً في العراق على الصعيد السياسي والأمني، والآن العسكري، وقبل ذلك الاجتماعي وحتى الاقتصادي، وهذا المسلسل مستمر منذ الغزو في عام 2003 بحيث أن التواجد العسكري الإيراني على الأرض العراقية بات اليوم أقوى من أي وقت آخر .. وعندما تدخل إيران في أي منطقة يصعب علينا تَــــــوقّع خروجها بسهولة، ومن هنا القلق الخليجي"، بحسب تعبيره.
وفي المقابلة التي أجريتها عبر الهاتف ويمكن الاستماع إليها في الملف الصوتي، أجاب الأكاديمي والمحلل السياسي الإماراتي عن سؤاليْن آخرين يتعلق أحدهما بفاعلية الضربات الجوية التي تواصل مقاتلات إماراتية متمركزة في الأردن شنّها على مواقع تنظيم داعش في العراق وسوريا في إطار التحالف الدولي، والثاني حول مغزى إعلان جماعة بوكو حرام النيجيرية المتشددة مبايعة التنظيم في هذا التوقيت تحديداً.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي يتضمن مقابلتين مع أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإمارات د. عبد الخالق عبد الله متحدثاً من أبو ظبي، والباحث في الشؤون الإستراتيجية د. أمير جبار الساعدي متحدثاً من بغداد.