يمر العراق بمرحلة دقيقة سمتها الأبرز هي حجم التحديات التي تواجه حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي والعراقيين عموما. وكان تشكيل حكومة العبادي تزامن مع تطورات بالغة الخطورة في مقدمتها اجتياح تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" مناطق واسعة من العراق بينها مدن كبيرة مثل الموصل وتكريت. وفي وقت يحتاج العراق الى تعبئة كل موارده المادية والبشرية لمواجهة تهديد وُصف بأنه خطر وجودي، شهدت اسعار النفط هبوطا حادا أفقد هذه السلعة التي يعتمد عليها الاقتصاد العراقي وخزينة الدولة نحو نصف قيمتها منذ حزيران الماضي.
وتضررت في هذا الوضع نواحٍ متعددة من حياة العراقيين. إذ فُرضت اجراءات تقشفية لضغط المصروفات وأُرجئت مشاريع حيوية وتعطلت خطط تنموية ورُصدت اموال لتسليح قوات الحشد الشعبي وتموينها بدلا من انفاق هذه الأموال على التعليم أو الصحة مثلا. ويُعد اقتصاد العراق اليوم اقتصاد حرب فرضتها داعش.
وفي ظروف الحرب مع داعش تضررت حقوق الانسان ايضا الى جانب ما أُلغي أو أُرجئ من مشاريع استثمارية وخطط تنموية.
وتبدى التراجع الذي شهدته حقوق الانسان في الاعتداء على مواطنين وممتلكات واعمال قتل على الهوية واتهام ميليشيات بالضلوع في مثل هذه الخروقات.
وفي هذا الشأن دعت منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الانسان الى حماية المدنيين من الأعمال الانتقامية التي ترتكبها ميليشيات موالية للحكومة. وقالت المنظمة في تقرير انها تمكنت من توثيق فظائع عديدة ارتكبتها ميليشيات وقوات حكومية ضد مدنيين بعد استعادة بلدات كانت تحت سيطرة داعش. واعترف قادة سياسيون وشخصيات بارزة بوقوع هذه الانتهاكات. إذ دعا رئيس الوزراء حيدر العبادي خلال زيارته مقر قيادة عمليات سامراء الى اعطاء الأولوية في عملية تحرير محافظة صلاح الدين لحماية المدنيين وعدم ايذائهم. وقبله شدد رئيس مجلس النواب سليم الجبوري على ضرورة حماية المدنيين. وذهب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الى حد اتهام ميليشيات مسلحة بارتكاب عمليات ذبح واعتداء على اشخاص من غير الارهابيين مشددا على ضرورة دمج متطوعي الحشد الشعبي في تشكيلات الجيش والشرطة.
إزاء هذا الوضع الذي آلت اليه حالة حقوق الانسان في الأوضاع الاستثنائية التي يعيشها العراق التقت اذاعة العراق الحر عضو مفوضية حقوق الانسان مسرور اسود محيي الدين الذي اعترف بتراجع حقوق الانسان في العراق تراجعا خطيرا على حد وصفه منذ سيطرة داعش على نحو ثلث العراق ودعا الى تنفيذ برنامج تثقيفي واسع لتوعية فئات المجتمع كافة بحقوق الانسان.
ورأى محيي الدين ان عوامل متعددة مسؤولة عن تراجع حقوق الانسان بينها تلكؤ الجهود الرامية الى تحقيق المصالحة الوطنية وعدم العناية بذوي الضحايا وغياب الاتفاق على قانون العفو العام، من بين اسباب اخرى.
رئيس المركز العراقي لادارة التنوع الشيخ غيث التميمي عزا الخلل في وضع حقوق الانسان العراقي الى بناء العملية السياسية برمتها على اساس خاطئ هو المحاصصة الطائفية والاهتمام بالتمثيل المكوناتي على حساب تمثيل الفرد العراقي كمواطن وهذا بحد ذاته يشكل واحدا من اخطر انتهاكات حقوق الفرد، بحسب التميمي.
وحذر الشيخ التميمي من ان تعامل الدولة مع المجتمع على انه مكونات وليس جماعة من المواطنين انما يلغي ثلث قوانين حقوق الانسان رغم ان من اول حقوق الانسان على الدولة هو حق المواطنة.
وقال رئيس المركز العراقي لادارة التنوع الشيخ غيث التميمي ان من اسباب انكشاف حقوق الانسان في العراق للتراجع غياب فلسفة هذه الحقوق ومبادئ الديمقراطية الحقيقية لدى الأحزاب الرئيسية في الساحة السياسية التي أُنشئت على أسس دينية ومذهبية.
ولاحظ التميمي ان الثقافة المجتمعية السائدة تتحمل قسطا من المسؤولية عما يرتكب من انتهاكات ضد حقوق الانسان أكبر من مسؤولية اجهزة الدولة ومنظومتها عن هذه الخروقات داعيا الى برامج تأهيل مجتمعي ضد هذه الثقافة الاقصائية لكنه استبعد ان تكون النخبة السياسية العراقية مؤهلة لمثل هذه المهمة نظرا الى كونها نخبة لا مكان للديمقراطية وحقوق الانسان في مفرداتها ولوائحها الداخلية، بحسب تعبير الشيخ التميمي.
عضو لجنة حقوق الانسان النيابية اشواق الجاف كانت صريحة الى حد القول لاذاعة العراق الحر ان أبسط حقوق الانسان لم تُقدم الى المواطن العراقي مشيرة الى ان الدستور ينص على ضمان حقوق المواطن قبل مطالبته بواجبات في حين ان ما يحصل هو جباية رسوم وضرائب من المواطنين دون حقوق اساسية بالمقابل مثل حقهم في الأمن والخدمات.
وشكت النائبة الجاف من تهميش لجنة حقوق الانسان وتعدد الهيئات دون تنسيق بينها بالمستوى المطلوب فضلا عن الوضع الأمني المرتبط بالمواجهة مع داعش قائلة انها كلها عوامل تسهم في تراجع حقوق الانسان الى جانب عدم احترام بنود الدستور التي تنص على هذه الحقوق.
المتحدث باسم وزارة حقوق الانسان كامل أمين اوضح ان عقودا من الكبت ثم حدوث تغيير جذري نحو الحريات جعل سقف المطالبات في مجال حقوق الانسان عاليا في حين ان ما شاب العملية السياسية من سلبيات حال دون تطبيق جميع المواد التي ينص عليها الدستور في هذا المجال.
واستعرض امين ما حققه العراق في مجالات مهمة ترتبط بحقوق الانسان مثل الانتخابات والتداول السلمي للحكم والأحزاب وضمان الحقوق المدنية والاجتماعية والسياسية للمرأة والأقليات وحرية التعبير كما تتبدى في عدد المطبوعات ووسائل الاعلام المرئي والمسموع منوها بالدستور العراقي الذي يضمن حقوق الانسان في 32 مادة.
وعلى النقيض من التقدم المتحقق في مجال الحقوق السياسية والمدنية لفت المتحدث باسم وزارة حقوق الانسان كامل امين الى وجود مشكلة في توفير الحقوق الاجتماعية والاقتصادية مثل الصحة والبيئة النظيفة والعمل قائلا ان الفساد والصراعات السياسية ومحاربة الارهاب عرقلت تنفيذ المشاريع التي تهدف الى النهوض بواقع المواطن العراقي في هذه المجالات.
وشدد أمين على مفهوم الحقوق التضامنية الجديد نسبيا لاسيما ابعاده المتمثلة بالبيئة والتنمية المستدامة والسلم الأهلي وضرورة اقامة علاقات جديدة بين الأفراد والمنظمات المدنية وبينهم وبين الحكومة.
في باب الحقوق والحريات من الدستور العراقي تنص المادة 14 على ان العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس او العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين او المذهب او المعتقد أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي ساهم في اعداده مراسل اذاعة العراق الحر اياد الملاح.