بيروت
رغم الاستقرار الأمني النسبي في لبنان، وما يتردَّد في العديد من الأوساط السياسية عن وجود غطاء دولي يصون هذا الأمن، فإن الأجهزة الأمنية منشغلة بمحاولة سدّ بعض الثغر التي قد تفجر الوضع من جديد.
فالمسؤولون الأمنيون يتخوّفون من محاولات قد تقف وراءها جهات متضررة لخربطة الوضع اللبناني المستقر منذ فترة. ويمكن لهذه الجهات أن تدخل عبر بؤر كثيرة، من عرسال في سلسلة جبال لبنان الشرقية، مروراً بالمخيمات الفلسطينية والمناطق الحدودية في البقاع الشرقي، وصولاً الى طرابلس في الشمال.
مخاوف من عودة الاغتيالات
فبعد أيام من عودة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الى بيروت، على أثر غياب دام أربع سنوات في الخارج لأسباب أمنية، نشرت صحف لبنانية تقارير تحذّر من احتمال عودة الاغتيالات، ومن تعرُّض نواب في كتلة "المستقبل" التي يرأسها الحريري للاغتيال، بغية ضرب الحوار القائم بين الكتلة و"حزب الله" وإحداث فتنة مذهبية. كما أشارت هذه التقارير إلى أن مجموعة تنتمي إلى تنظيم "خراسان" المتطرِّف تتحرك في لبنان وتخطط لإستهداف رئيس مجلس النواب نبيه برّي.
في الموازاة، يكثر الحديث عن أن تنظيم "داعش"، المتحصّن في جرود بلدة عرسال في جبال لبنان الشرقية على الحدود مع سوريا، يحضّر لشنّ هجمات بدءاً من الربيع بعد ذوبان الثلوج. وقد لمّح إلى ذلك الأمين العام لـ"حزب الله"السيد حسن نصر الله، عندما دعا الى الاتفاق على استراتيجية لمكافحة الارهاب، سائلاً الحكومة اللبنانية عمّا ستفعله عندما يذوب الثلج على القمم.
وبالتزامن، تقول المعلومات إن الحكومة اللبنانية تكثّف المفاوضات، بعيداً عن الأضواء، مع خاطفي العسكريين اللبنانيين الـ25، أي "جبهة النصرة" وتنظيم "داعش". وتشمل المفاوضات على الأرجح دولة قطر، من أجل تسريع الإفراج عن هؤلاء، خوفاً من تطورات قد تطرأ في الربيع، ربما تؤدي الى تعريضهم للخطر.
إلا أنّ مصادر في فريق "14 آذار" قالت لموقع "العراق الحر" إن "الحديث عن معركة في الربيع المقبل قد يكون مبنياً على محاولة تهديد الواقع اللبناني والمتاجرة بموضوع الارهاب".
بؤرة جديدة في البقاع الشرقي؟
وليس بعيداً من عرسال وجرودها، إتجهت الأنظار في الآونة الأخيرة الى منطقة حدودية أخرى مع سوريا في البقاع الشرقي بين قريتي عين كفرزبد وقوسايا. ففي هذه المنطقة يقوم منذ سنوات موقع لـ"الجبهة الشعبية- القيادة العامة"، وهي فصيل فلسطيني لطالما كان حليفاً للنظام السوري، وكان يقال إن كميات من السلاح كانت تدخل عبره الى "حزب الله"، بواسطة أنفاق تصل الى الداخل السوري.
وتؤكد مصادر أمنية لموقع "العراق الحر" أن انشقاقات حصلت في الفترة الماضية بين عناصر الجبهة على خلفية الحرب في سوريا، وأن "حزب الله" وضع يده على هذا الموقع خوفاً من سقوطه في أيدي المعارضة السورية، وتحوُّله بالتالي الى ثغرة مفتوحة على الداخل اللبناني، وتحديداً على مناطق نفوذ "حزب الله" في البقاع.
كما أقام الجيش اللبناني خط دفاع متقدماً، وهو في جهوزية عسكرية تتيح له التحرك الفوري ميدانياً، عند حصول أي هجمات أو عمليات تسلل في اتجاه البقاع اللبناني.
خطة البقاع دون المرتجى
في هذا الوقت، وضعت الخطة الأمنية التي نُفذت في البقاع الشمالي في 12 من الشهر الجاري أوزارها. فتوقفت عمليات الدهم للمناطق التي تؤوي مطلوبين، ولكن المفارقة هي عدم توقيف أي من المطلوبين الكبار ورؤساء عصابات الخطف والسرقة وتجارة المخدرات. فالإعلان المسبق عن الخطة سمح لهؤلاء المطلوبين بالفرار عبر مسارب، قيل إنها تؤدي الى الداخل السوري، بغضِّ طرف مقصود، تماماً كما جرى عند تنفيذ خطة طرابلس، حيث "سُمِح" للمطلوبين في باب التبانة وجبل محسن بالفرار، بطريقة غير مباشرة.
وقبل يومين، أصدرت المحكمة العسكرية حكماً غيابياً قضى بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة في حق الأمين العام لـ"الحزب العربي الديموقراطي" رفعت عيد المنتمي الى الطائفة العلوية بجرم التحريض على الإقتتال وتوزيع الأسلحة والحضّ على القتل في طرابلس. في المقابل، هرب في حينه أيضا مطلوبون كانوا يديرون محاور القتال في المناطق السنّية في المدينة. وأحدهم، ويدعى شادي المولوي، ملاحق الآن بتهمة الارهاب والانتماء الى تنظيم "داعش". ويقال إنه يختبئ في مخيم عين الحلوة الفلسطيني في مدينة صيدا الجنوبية.
كل هذه الهواجس الأمنية يعيشها لبنان، فيما مسؤولوه غارقون في حوارات ومحاولات لتسيير أمور الدولة، في ظلّ التعطيل المستمر لإنتخاب رئيس للجمهورية، منذ أن إنتهت ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان في 25 أيار من العام الماضي.