أثار قرارٌ أصدره القضاء العراقي باعتبار السب والشتم والقذف على مواقع التواصل الاجتماعي جريمة يعاقب عليها القانون، ردود أفعال متباينة من جهات إعلامية وناشطين مدنيين فضلا عن رجال قانون.
فقد كشف المتحدث باسم مجلس القضاء الأعلى، القاضي عبد الستار بيرقدار، في السابع من الشهر الجاري عن أن الهيئة التمييزية في محكمة استئناف الرصافة رأت في دعوىً أن تجاوزاً عبر "الفيسبوك" أوجبَ العقاب لأنه سبّب التحقير للمشتكي في الوسط الاجتماعي والمهني، ولذلك قررت تصديقَ حكم الإدانة، كما اعتبرته ظرفاً مشددّاً. مشيراً إلى أن موقع التواصل هذا تندرج عليه القوانين التي تنظم وسائل الاعلام الأخرى.
القانون العراقي: الحبس والغرامة لمن يهدد ويقذف
يأتي هذا القرار القضائي ليُنعش ويفعّل دور قانون العقوبات العراقي بشأن السب والقذف والتحقير، اذ تنص المادة 433 من القانون على "أن القذف هو إسناد واقعة معينة الى الغير بإحدى طرق العلانية من شأنها احتقاره عند أهل وطنه، لو صحّت، أن توجب عقاب من أسندت اليه، ويعاقب من قَذفَ غيره بالحبس و بالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين، وإذا وقع القذف بطريق النشر في الصحف او المطبوعات او بإحدى طرق الاعلام الأخرى عدّ ذلك ظرفا مشدّدا".
ومع الإقرار بصعوبة اثبات جريمة القذف او التشهير في منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، فان الخبير القانوني طارق حرب يلفت الى موضوعية ضم الفيسبوك الى وسائل الاعلام والنشر التي يشير اليها قانون العقوبات العراقي. ودعا حرب، في مقابلة مع إذاعة العراق الحر الى ان تواكب التشريعات العراقية التطورات المتسارعة في عالم الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وتحديد الموقف القانوني، مبديا خشيتهمن أن يحظى بعض المسؤولين والسياسيين والإعلاميين بخصوصية عندما ينظر القضاء في دعاواهم، قد لا تتوفر لغيرهم من المواطنين.
من جانبها تكشف عضو لجنة الثقافة والإعلام البرلمانية سروة عبد الواحد عن دعوات تطالب بتشريع قوانين تنظم آليات التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، وتجريم المسيء بالشتم والقذف عبر هذه الوسائل، مع الحفاظ على حق التعبير عن الراي وحرية النشر والإعلام. وتوضح عبد الواحد بانهم في اللجنة يسعون لمناقشة الموضوع مع الجهات المعنية وخبراء قانونين للخروج بقانون معاصر ينظم آليات التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي ويشخص محددات حق التعبير والتظاهر دون تضيق للحريات.
مثّل قرار المحكمة العراقية صدمة للعديد من مستخدمي مواقع التواصل، الذي يعتقدون أنهم بمنأى عن المساءلة القانونية برغم إفراطهم في استخدام الكلمات المسيئة او التعابير البذيئة والتشهير بحق افراد وجماعات على تلك المواقع، من جانب آخر يخشى المدافعون عن الحريات العامة من ان يمثل تفعيل مواد قانونية تعاقب على منشورات او بوستات وتعليقات على الفيسبوك، تحجيما للحريات العامة، ويقول هادي جلو مرعي رئيس مرصد الحريات الصحفية ان هناك قلقا من التشريعات التي قد تساهم في خنق الحريات والتضييق عليها، مشيرا في حديثه لإذاعة العراق الحر الى ضرورة التنسيق مع اللجان البرلمانية للخروج بصيغة تتلاءم مع ما جاء به الدستور العراقي فيما يخص ضمان حرية التعبير عبر مختلف الوسائل.
يدور الجدلُ في أوساط عراقية حول اخضاع المواد المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي ومنها "الفيسبوك" الذي يحظى بشعبية واتساع بين العراقيين، حيث يلجأ بعضهم إلى انتقاد السياسيين او الشخصيات العامة، أو دول أو جماعات، بأسلوب ساخر جداً عبر تعليقات مكتوبة ونعوت جارحة ومسيئة أو من خلال رسومات كاريكاتورية وتحوير للصور الفوتوغرافية لذات الأهداف. فضلا عن كونه فضاء مفتوحا للتعبير عن الرأي وطرح الافكار واطلاق المبادرات الاجتماعية المختلفة.
في شان ذي صلة أصدرت محكمة أمن الدولة الأردنية في 15 شباط 2015 حكمًا بسجن أحد وجوه المعارضة لمدة 18 شهرًا بسبب توجيهِه انتقادات إلى الإمارات العربية المتحدة على صفحته في الفيسبوك. فقد أدانت المحكمة زكي باني ارشيد، وهو مسؤولٌ بارز في جماعة الإخوان المسلمين، بموجب قانون الإرهاب الذي يتضمن حكماً يُجرّم ما يوصف بـ"تعكير صلات الأردن بدولة أجنبية". وأعتمد الادعاء على تعليقٍ كان قد نشَره بني ارشيد على موقع فيسبوك قبل ثلاثة اشهر إنتقد فيه تصنيفَ السلطات الإماراتية للإخوان المسلمين كـ "منظمة إرهابية".
وإذ نسوق هذا المثال، وهو ليس الوحيد في محيط الدول الإقليمية والمجاورة للعراق، تتجدد الإشارة الى دقة وحساسية الحد الفاصل بين الحريات العامة وحق التعبير عن الرأي، وبين احترام حقوق الاخرين وعدم التجاوز بالكلمات والنعوت والإساءة مما يمثل إضراراً بالحق العام والخاص بحسب التوصيف القانوني.
هل "الفيسبوك" وسيلة اعلام أم لا؟
يميل الإعلامي حميد الكفائي الى اعتبار مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها الفيسبوك، جزءً من منظومة وسائل الإعلام والنشر، لذا فان ما يُنشر عليها ينبغي التعامل معه قانونيا مثلما يجري التعامل مع ما تبثه او تنشره او تذيعه اية وسيلة اعلامية أخرى.
أطاحت ثورة المعلومات وازدحام الشبكة العنكبوتية الأنترنت بمواقع التواصل الاجتماعي، خلال العقدين الأخيرين، بالكثير من القيود والمحددات وحتى اخلاقيات العمل الصحفي والنشر وأوجبت أسسا ومقاسات جديدة في توصيف تلك القواعد، هذا ما طرحته على الكاتب والإعلامي سالم مشكور في مقابلة هاتفية اجريتها معه (يمكن الاستماع اليها في الملف الصوتي المرفق) تحدث خلالها عن الجدل الذي أثاره قرار المحكمة التمييزية الأخير والذي جاء بناءً على اجتهاد في النص القانوني العائد الى عقد الستينيات.
وبيّن مشكور أن القرار القضائي إذا ما تحول الى سابقة، فانه سيفتح البابَ أمام التوسع في الاجتهاد بما يتعارض مع متطلبات حرية التعبير والمعايير التقنية لهذا النوع الجديد من وسائل الاتصال بينها أن عملية القذف والسبّ ربما تتم من قبل مخترقي صفحات غيرهم، ما يجعل من محاسبة صاحب الصفحة أمرا غير عادل.
ويحذر الإعلامي سالم مشكور الى أن العديد من صفحات التواصل الاجتماعي باتت وسيلة للتشهير والسب والشتم والتسقيط، وسيلة منفلتة لا تحكمها قيود، وانفلاتها هو انفلات بعض مستخدميها من كل قيود أخلاقية وقانونية. من هنا بات ضروريا سن (قانون جرائم المعلوماتية).
ويشير الى مسودة قانون كانت قدمت الى البرلمان قبل بضع سنوات، لم تراعِ الموازنة بين مكافحة الارهاب والحفاظ على حرية التعبير، لذلك واجه معارضة شديدة من الصحافيين والناشطين المدنيين آنذاك أدت الى سحب المشروع من البرلمان.
وبخصوص الموقف من "الفيسبوك" وفيما اذا كان يمثل وسيلة اعلام تنطبق عليه مواصفات وشروط ومعايير وسائل الإعلام،يرى سالم مشكور ان الامر محل نقاش واسع منذ سنوات إلاّ ان الرأي الغالب هو أنه ليس من وسائل الإعلام بالمعنى المتعارف عليه، وبما تعنيه من معايير مهنية وتسجيل لدى جهة رسمية ومدير مفوض تتم محاسبته عند أي انتهاك يتم في وسيلته لضوابط النشر أو البث. منبها الى الضوابط التي تمنع التحريض على العنف والطائفية، وعدم ازدراء العقائد والقيم الاجتماعية والدينية والانتماءات الدينية والقومية، وعدم السبّ والقذف والتشهير وعدم الاستهزاء بأصحاب الاعاقات وغيرها من المعايير المتفق عليها دوليا والمنصوص عليها في الاعلان العالمي لحقوق الانسان.
شارك في الملف مراسل إذاعة العراق الحر في بغداد عماد جاسم.