يحلّ الشتاء قاسياً على لبنان هذا العام للمرة الأولى منذ سنوات. انخفضت درجات الحرارة، واشتدت الرياح، وتساقطت الثلوج على ارتفاعات لامست الـ300 متر فوق مستوى البحر. هذا "الخير" الذي أغدقته السماء كان وبالاً على اللاجئين السوريين، الذين ذاقوا الأمرّين من العاصفتين المتتاليتين "زينة" و"ويندي".
يحتضن لبنان، هذا البلد الصغير، ما يقارب المليون ونصف المليون لاجئ سوري، أي ما يوازي ثلث السكان تقريباً. وهم يتوزعون في شكل عشوائي على مختلف المناطق اللبنانية، ويعيش عدد كبير منهم في خيام من الصفيح أو القماش ويستفيدون من تقديمات المفوضية العليا للاجئين.
وتنتشر مخيمات عشوائية عديدة في مناطق مرتفعة في الجبال التي لفحتها العاصفة الآتية من سيبيريا. الخيام المتداعية في سهل البقاع الأوسط وفي محافظة عكار الشمالية أثقلتها الثلوج الكثيفة. وقد صارع ساكنوها كي لا تسقط فوق رؤوسهم. المياه والثلوج داهمت الخيام ودخلت من بين الشقوق التي خلّفتها الرياح العاتية، ما جعلها أشبه بثلاجات لا تدفئها النيران المشتعلة من بقايا الحطب القليل. وحيث ندر الوقود اضطر اللاجئون الى إشعال القمامة والأحذية وأكياس النايلون. ولكن كل جهود التدفئة هذه لم تكن كافية لإبعاد البرد والمرض عن الأطفال الذين عانى الكثير منهم من نزلات البرد والسعال.
وفي كانون الثاني الماضي، حين ضربت العاصفة "زينة"، توفي أربعة لاجئين سوريين في شبعا في البقاع الغربي، بينهم طفل وطفلة، جراء الأمطار والبرد.
وتقول ممثلة مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان نينيت كيلي إن عملية تقديم مساعدات الشتاء شكلت تحدياً لوجستياً كبيراً، بهدف ضمان الدفء والحماية لللاجئين طوال أشهر الشتاء، "ولتوفير الموارد الكافية لتحمُّل العواصف الشديدة"، مشيرة الى "الظروف السيئة التي يعيش فيها اللاجئون في لبنان".
ويعيش في سهل البقاع الأوسط ما يقرب من 350 ألف لاجئ سوري موزعين على عدد كبير من البلدات، في ظروف إنسانيةتزداد صعوبة يوماً بعد يوم. وهم يسكنون في الخيام التي يشغلها عدد كبير منهم أو في كاراجات مخصصة لركن السيارات أو في منازل مستأجرة. وفي محافظة عكار، ثمة أكثر من 150 مخيماً تضم 300 الف لاجئ سوري.
اب وام شاهدا اطفالهم يموتون حرقا
ليس البرد وحده ما يقلق اللاجئين. فالمعونات المقدمة لهم غير كافية، ولا تتوافر دائماً البنى التحتية المطلوبة من كهرباء وسوى ذلك.
وقال وزير شؤون المهجرين رشيد درباس لموقع "العراق الحر" إن "لبنان يؤمن بعض الخدمات العامة لللاجئين، لكن رعايتهم تجري تحت رعاية المفوضية السامية. وقد تمّ تأمين بعض المساعدات من قبل دول وجهات عربية بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية".
واشار درباس الى "نقص كبير في المساعدات التي تراجعت من 53% من الحاجات في العام 2013 الى44% في العام 2014"، وسأل: "كيف يمكن أن نحتفل باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، فيما يشهد أب وأم سوريان موت اطفالهم حرقاً أمام أعينهم في إحدى الخيام، وفيما المجتمع الدولي يتفرّج على المأساة، بل يزكّي الصراعات".
لبنان كان يستقبل لاجئا كل دقيقة
ولكن مشكلة اللاجئين تشكل عبئاً كبيراً على لبنان أيضاً، من النواحي الأمنية والديموغرافية والاقتصادية. وفي محاولة للتخفيف من هذا العبء، بدأت السلطات اللبنانية مع بداية العام الجديد تطبيق اجراءت للحد من دخول السوريين. وأوضح وزير الداخلية نهاد المشنوق أن الهدف من هذه الإجراءات"هو الحد من دخول السوريين إلى لبنان إلا بهدف محدد"، لافتاً إلى أنها "إجراءات ستحقق انخفاضاً للوجود السوري غير المبرَّر في لبنان. فهذا البلد لم تعد لديه قدرة على إستقبال المزيد من النازحين".
ويقول الوزير درباس "إن مجلس الوزراء اتخذ قراراً بوقف اللجوء، لأن لبنان لم يعد يتحمّل كثافة النزوح الذي كان بوتيرة لاجىء في الدقيقة، وأصبح بعد القرار صفراً. فالكثافة السكانية في لبنان بلغت 570 نسمة في الكيلومتر المربع، وهذه نسبة عالية، علماً بأن المناطق السورية التي تدور فيها المعارك والمحاذية للبنان باتت شبه خالية من السكان".
ووفق تقرير للبنك الدولي فإن كلفة النزوح السوري على لبنان تفوق الـ 7 مليارات دولار، وقد تسبَّبت في زيادة العجز في المالية العامة خلال العامين 2013- 2014 بنسبة تقارب 6% من الناتج المحلي، فيما تقدر الكلفة على البنى التحتية بحوالى 600 مليون دولار، وهي تطال الكهرباء خصوصاً.