يحتفل العالم في 20 شباط من كل عام بـ"اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية"، من خلال استذكارها باعتبارها هدفاً يحقق التنمية ويصون كرامة الانسان، إذ ان البلدان المتقدمة هي من تنجح في تحقيق مفردات العدالة الاجتماعية لمواطنيها وتدفعهم نحو التطور والاكتفاء.
ويمثل غياب العدالة الاجتماعية العنصر المشترك في عدد كبير من المجتمعات، منها العراق، حيث لا تتوزع الثروات بشكل عادل وتنعدم المساواة بين الجنسين، فضلاً على الحواجز التي يواجهها المواطنون بسبب الجنس او السِن او العِرق او الانتماء الأثني والدين وغيرها..
ويرى مراقبون ان العراق يعاني منذ عقود من غياب واضح للعدالة الاجتماعية لاسباب سياسية وسوء تخطيط للحكومات التي كان ينبغي عليها ان تبدأ مع عهد سياسي جديد بعد عام 2003 من تحقيق ما طمح له المواطنون خلال حقبة النظام السابق الذي تميزت سياسته بالقمع والاضطهاد ومصادرة الحقوق، فلم تتمكن الحكومات من تحقيق التنمية وصون كرامة المواطن البسيط من العيش حياة كريمة تبعده عن شبح الفقر، غير ان انعدام التخطيط الاستراتيجي والعبث بالثروات وصلت نسبة الفقر في العراق الى مستويات خطيرة.
مصادرة الفرص
ويجد الناشط المدني علي العنبوري ان ما يؤكد غياب العدالة الاجتماعية في العراق هو تزايد نسبة الفقر والبطالة والأمية وتردي الخدمات الصحية وغيرها. ويقول انه لا يمكن ان نتأمل خيراً بتحقيق العدالة الإجتماعية في العراق في ظل وجود هذه الطبقة السياسية التي لم تأبه على سبيل المثال بانخفاض أسعار النفط وتقليص الميزانية، إذ ان تأثير ذلك جرى على المواطن وليس على السياسيين والمسؤولين في الدولة الذين ظلت رواتبهم وامتيازاتهم كما هي، وظل عدد كبير من العمال المتعاقدين والاجراء اليوميين بدون راتب منذ اشهر.
واتهم العنبوري الأحزاب المتنفذة في السلطة بمصادرة الفرص وعدم منحها بشكل متساوٍ للمواطنين بل أصبحت تستغل لاغراض انتخابية، هذا فضلاً عن مصادرة حقهم في الحصول على فرص اعلى للتعليم وتفشي الفقر.
وتؤكد عضو مجلس محافظة بغداد مهدية عبد حسن ان العدالة الاجتماعية تتطلب ارضية قوية لتتحقق في العراق وتستهدف الجميع، الرجل والمراة على حد سواء، فالجميع لديهم حقوق متساوية. وتشير حسن الى ان هناك العديد من مواده الدستور العراقي تؤكد على تحقيق العدالة الاجتماعية، وذلك من خلال تشريع القوانين، لافتة الى ان المشكلة لا تكمن في القوانين التي شرعت، ولكن في سوء تطبيقها.
لا عدالة في التعيين
وتؤكد الناشطة المدنية فاطمة سلومي غياب العدالة الاجتماعية في العراق في المرحلة الحالية من خلال انعدام فرص التعيين لالاف الطلبة الخريجين، حتى وان وجدت فلن تمنح بطريقة عادلة للشباب، فضلاً عن غياب العدالة والمساواة بين الجنسين، وما تزال المرأة تعاني من حقوقها، كما يعاني المعاق من ضياع حقوقه، بحسب سلومي.
العدالة وتراجع الاقتصاد
ويجد مراقبون ان من أهم عقبات انتقال الدول العربية الى رحاب العدالة الاجتماعية غياب الاستقرار السياسي بين الاطراف المتنازعة على الحكم، كما يعد انعدام الاستقرار السياسي والامني في البلدان العربية سبباً لهروب رؤوس الاموال الاجنبية المخصصة للاستثمار خوفا من غياب العقلية المؤسساتية للانظمة وغياب دولة القانون. وهذا ما يحصل فعلا في العراق، حيث ان العدالة الاجتماعية ترتبط في جانب كبير منها بالاستقرار الاقتصادي، لذلك من الصعوبة تحقيق العدالة الاجتماعية في العراق لاعتماد اقتصاده على النفط فقط، كما يقول استاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية عزيز جبر شيال الذي يضيف ان العراق يحتاج الى امور عديدة، منها البنية التحتية وهناك ازمة سكن وازمة مالية وهذا كله يرتبط بالجوانب الاقتصادية.
سطوة العشيرة
وتعد العدالة الاجتماعية مبدأ أساسياً من مبادئ التعايش السلمي وتحقيق الازدهار، فتحقيق المساواة بين الجنسين وتعزيز حقوق المواطنين يكون ذلك إعلاءً لمبادئ العدالة الاجتماعية، ولابد من التثقيف بهذه المفاهيم على المستويات الحكومية والمجتمعية.
ويؤكد المتحدث باسم وزارة حقوق الانسان كامل امين ان احتفال العالم بيوم العدالة الاجتماعية سيكون مناسبة لفتح الحوار وطرح ماهيم جديدة تعزز من ثقافة العدالة الاجتماعية في العراق. ويقرّ أمين بضعف البنية الاجتماعية العراقية نتيجة لتحديات عديدة، حيث طغت الصبغة العشائرية والسلوك القبلي في الكثير من مفاصل الحياة، وبرزت العديد من القيم العشائرية في المجتمع والتي معظمها قد يتعارض مع الدين ومع مفاهيم حقوق الانسان، فتمددت على حساب القانون والحياة المدنية.
ويؤكد امين ان العراق خطا في ايجاد بعض المؤسسات التي تحقق العدالة الاجتماعية ومنها شبكة الحماية الاجتماعية التي قطعت شوطاً كبيرا بعد تلكوء طال لسنوات، وتم تشريع قانون جديد للشبكة سيطبق في النصف الثاني من العام الحالي غير ان هذا مرهون بتحسن الميزانية وتوفر الاموال.
غير ان يقول استاذ العلوم السياسية عزيز جبر شيال ينتقد واقع عمل شبكة الحماية الاجتماعية التي تغطي 14 الف مواطن فقير فقط، في حين هناك مئات الالاف ممن يعيشون تحت خط الفقر غير مشمولين بالشبكة.