بيروت
بالتزامن مع عاصفة ثلجية تضرب لبنان غطّت جباله وبقاعه بالوشاح الابيض، انطلقت فجر الخميس خطة أمنية في منطقة البقاع الشمالي والهرمل في شرق البلاد بهدف انهاء حالة الخروج عن القانون في هذه المنطقة، حيث تسرح وتمرح عصابات سرقة السيارات والمخدرات، وحيث ازدهرت أخيراً تجارة الخطف في مقابل فدية.
في السنوات الماضية، تحوّلت قرى وبلدات في البقاع الشمالي والهرمل إلى مناطق خارجة عن القانون ترتع فيها عصابات السرقة والمخدرات. وكانت يد الدولة قصيرة في هذه المناطق التي تخضع لنفوذ "حزب الله" وتعتبر معقلاً مهماً له. ومن هنا، فإن العصابات هذه كانت تشعر بأنها في مأمن، ويقال إنها كانت تتمتع بغطاء غير مباشر من القوى السياسية المهيمنة.
وفي السنتين الأخيرتين، بلغ التفلّت الأمني مستويات مرتفعة، خصوصا حين بدأت ظاهرة الخطف في مقابل فدية، حيث كان أفراد هذه العصابات يعمدون إلى خطف شخص أو طفل من عائلة مقتدرة مالياً، ليطالبوا بفدية مالية. وقد جمعوا جرّاء ذلكمبالغ مالية كبيرة.
والمثير في الأمر أن الرؤوس الكبيرة في هذه العصابات معروفة بالأسماء من قبل جميع الأطراف ومن قبل القوى الأمنية، حتى أن مفاوضات كانت تجري معهم أحيانا لإطلاق سراح هذا المخطوف أو ذاك. وقد أصبح اسم بلدة بريتال البقاعية مرادفاً لعمليات سرقة السيارات، حتى أُطلقت النكات الكثيرة في هذا الاطار، وكان يقال لكل من فقد سيارته مثلاً إن عليه البحث عنها في بريتال ودفع مبلغ للسارقين من أجل استعادتها.
في هذا الوقت، كانت البؤر الأمنية منتشرة في أماكن عدة في لبنان من طرابلس عاصمة محافظة شمال لبنان، إلى مخيم عين الحلوة الفلسطيني في صيدا عاصمة الجنوب، وصولا إلى السجن المركزي في بلدة رومية في جبل لبنان، الذي تحوّل أحد المباني فيه إلى مكان عصي ّعلى الدولة يسيطر عليه الموقوفون الاسلاميون ومتّهمون بعمليات إرهابية، حتى أنه تبيّن أن عمليات تفجير انتحارية ضربت لبنان أخيرا أديرت من داخل السجن.
أمام هذا الواقع، اتُخذ القرار بضرورة وضع حدّ لكل ما يهدد استقرار لبنان، خصوصا أن ضغوطاً غربية مورست لابقاء التوتر تحت السقف خوفاً من انفجار فتنة مذهبية.
وانطلاقًا من ذلك، نُفذت العام الماضي خطة أمنية في مدينة طرابلس أدت الى اعادة الهدوء الى المدينة. كما نُفذت خطة مماثلة داخل سجن رومية، وصفت بأنها إنجاز للقوى الأمنية ولوزير الداخلية نهاد المشنوق المنتمي الى "تيار المستقبل" برئاسة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري.
واستكمالاً لهذا المسار، تقرر تنفيذ خطة أمنية لمنطقة البقاع. وقد اتفق عليها في الحوار الدائر منذ فترة بين "تيار المستقبل" و"حزب الله" بهدف تخفيف الاحتقان المذهبي.
الخطة انطلقت وتُستكمل في الأيام المقبلة، وتنفّذها وحدات من الجيش وقوى الأمن الداخلي وحوالى 500 عنصر من الأمن العام وباقي الأجهزة الأمنية. وعُلم بأن المرحلة الأولى منها تشمل إثنين من المربّعات الأمنية، هما بلدتا بريتال وحورتعلا اللتان شهدتا عمليات دهم وتفتيش بحثا عن مطلوبين.
وأشارت قيادة الجيش في بيان أصدرته الى أنّ العملية ستستمرّ أياماً عدة، وقد شملتتنفيذَ عمليات دهم وإقامة حواجز وتسيير دوريات، وأسفرَت عن توقيف 10 أشخاص مطلوبين وضبط 18 سيارة مسروقة، في ما يمكن وصفه بالتوقيفات المتواضعة جداً.
ولكن، وعلى غرار ما جرى في مدينة طرابلس حيث تمكن المطلوبون الرئيسيون من الفرار قبل بدء الخطة، بغض طرف من القوى السياسية، قال مصدر أمني لموقع "العراق الحر" إن فقدان عامل المباغتة في ظل اعلان الخطة قبل الشروع في تنفيذها ساهم في فرار عدد كبير من المطلوبين بجرائم مختلفة الى بعض قرى منطقة القصير السورية على الأرجح.
وحسب معلومات حصل عليها موقعنا، فإنه تمّ ايضاً اخفاء العديد من السيارات المسروقة وكميات كبيرة من الممنوعات عن أنظار القوى الأمنية.
من هنا فإن خطة البقاع على المحك. الجيش انتشر، والمطلوبون اختفوا،ولكن هل سيُضبط الفلتان فعلا وهل سيُرفع الغطاء السياسي عن المطلوبين؟
يشار إلى أن الجيش يخوض منذ مدة مواجهات في محيط بلدة عرسال البقاعية على الحدود الشرقية مع سوريا مع الارهابيين من مسلحي تنظيم داعش وجبهة النصرة الذين يحتجزون منذ اشهر عددا من الجنود وقد قتلوا أربعة منهم.