جدد شريطُ الفيديو الذي بثه تنظيم داعش والمتضمن مشاهدَ إحراق الطيار الاردني معاذ الكساسبه، مقرونا بنص فقهي يبرر القتلَ بهذا الشكل، جددَ الحديثَ عن براءة الدين الإسلام من الافعال الوحشية والارهابية البعيدة عما يوصف به الإسلام من التسامح.
وقد اثار شريط الفيديو موجةً من ردود الفعل الإقليمية والدولية على الصعيد السياسي والاجتماعي والديني، التي شجبت العملية والأسلوب البشع الذي أقدم عليه ما يعرف بالدولة الإسلامية (داعش) باعدام الطيار الأردني حرقاً. رافضة لصق مثل تلك الأفعال بالإسلام.
تعددت الاسباب والعنفُ والرعب واحدُ
اوضح الكاتب المتخصص بالجماعات الإسلامية محمود الهاشمي أن أحد اساليب الجماعات المتشددة، ومنها داعش، انتهاج العنف المفرط والوحشي لبث الرعب في الخصوم وقد بدا ذلك واضحا في سقوط بعض المدن والبلدات بيد مسلحي داعش من دون مقاومة تذكر.
وربط الهاشمي خلال حديثه لإذاعة العراق الحر تنامي نشاط التنظيمات المتشددة في العراق وسوريا وايغالها في العنف المفرط، بالدعم والتمويل والشرعنة التي تلقتها من جهات عربية وخليجية ذات نفس طائفي، ظناً منها ان تلك التنظيمات تخدم اتجاهاتها في مقاتلة الخصوم او المختلفين، لكن الواقع كشف عن ارتداد بعض تلك التنظيمات لتتحول الى مصدر خطر على داعميها ومؤسسيها.
ولفت أستاذ العلوم السياسية أنور الحيدري الى ان التنظيمات المتشددة تجد في أيديولوجياتها مسوغاً لأعمالها مهما كانت ذات طابع إرهابي.
ولاحظ الحيدري ان جذور العنف في الحركات الإسلامية في المنطقة العربية تتصل بتأثير الأنظمة الديكتاتورية في بلدانها في حقب سابقة، ما اشاع حالة الرعب والخنوع لدى مواطنيها.
الى ذلك نبه المحلل السياسي جاسم الموسوي الى أن ما يعرف بالدولة الإسلامية (داعش) وامثالَه من الجماعات المتشددة، لا تميل الى الحوار والإقناع للفوز بالرضا والقبول من قِبل الاخرين، بل أن العنف والقسوة هي اللغة والفلسفة السائدة لتلك التنظيمات، التي وجدت بيئة وموسما مشجعا لها.
ولفت الموسوي في اتصال اجرته معه إذاعة العراق الحر الى اقتران سمة العنف الدموي بالدين الإسلامي لدى العديد من الغربيين، وهم يربطون عمليات التفجير والقتل والذبح والحرق بالتنظيمات والجماعات التي تحمل العناوين والشعارات الإسلامية.
ويلاحظ معنيون الى ان جواز حرق الانسان وهو حي وارد في فتاوى بعض فقهاء المذاهب الاسلامية، وانه لا مناص من الاعتراف بان العديد من النصوص تبرر العنف والقسوة المفرطة، والتفنن في تعذيب الخصوم والمختلفين، وهي ما تستند اليها الحركات والمنظمات المتطرفة في اصدار قوانينها وشرائعها بالضد من مبادىء حقوق الانسان.
ونقلت وكالة رويترز عن لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة الأربعاء إن متشددي (داعش) يبيعون الأطفال العراقيين المختطفين في الأسواق كرقيق ويقتلون آخرين، وبينهم من يقتل صلباً أو يحرق حيا.
وقالت ريناتي وينتر الخبيرة في اللجنة في إفادة صحفية لوكالة رويترز "نشعر بقلق بالغ بحق، جراء تعذيب وقتل هؤلاء الأطفال خاصة من ينتمون للأقليات"، مضيفة "أن الأطفال من الطائفة الايزدية أو من المسيحيين وكذلك من الشيعة والسنة ضحايا".
نصوص فقهية تُشرعِن الوحشية في القتل
يربط البعض بين الإسلام والعنف تجاه الأخر، إلى بعض النصوص الفقهية التي تدعو إلى معاقبة وقتل المخالفين، وهذا ما عزز ظاهرة "الإسلاموفوبيا" في الغرب، لكن الواقع يكشف عن خشية كبيرة حاليا لدى شريحة من العراقيين اكتووا بنار الإرهاب والعنف الطائفي، من تحول هذه الظاهرة لتصبح واقعا مرادفا لنشاط الجماعات والتنظيمات الإسلامية الأصولية لا يعدم اغلبها من تبرير وشرعنة افعاله.
وقد رافق المشاهدَ الفيديوية لعملية إحراق (داعش) الطيار الاردني حيّاً، والتي بثت الثلاثاء، نصٌ فقهي لابن تيمية، الملقب بـشيخ الإسلام(المتوفى عام 728 هـ)، يبرر الفِعلَ حيث ورد على هذا النحو: "أما إذا كان في التمثيل الشائع دعاء لهم إلى الإيمان أو زجر لهم على العدوان فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد المشروع"، وقد اعترض منتقدو فلسفة تنظيم (داعش) بأن ابن تيمية قصد في الأمر الجهاد على المشركين، وليس المسلمين، مع الإشارة الى أن ابن تيمية ليس مصدرًا للتشريع الإسلامي فهو فقيه صاحب آراء يُخطئ ويصيب.
وفي الشأن ذاته توقف الكاتب حسين درويش العادلى عند مفارقة وهي ان العراقيين كبارا وصغارا، نساء ورجالا، الذين يواجهون وحشية إرهابية من فصائل ومجاميع متشددة عديدة منذ عام 2003 لم يجدوا من يحتج ويتضامن معهم، ويحشد القوى، كما وجدت جريمة حرق الطيار الاردني من قبل (داعش) مؤخرا.
وفي مقابلة أجريتها مع العادلي عبر الهاتف (يمكن الاستماع اليها ضمن الملف الصوتي ادناه) تحدث في البداية عن تأصيل العنف تاريخيا لدى بعض التنظيمات الاسلامية واستخدامه للترويع لتحقيق مصالح قد تنتفع منها جهات او دول.
وشدد العادلي خلال المقابلة على الحاجة الى إعادة انتاج ثقافة الامة وعصرنتها، وتحريرها من الغدد السرطانية، التي تشوهها اليوم، وتسيء الى تاريخها ودينها، محذرا من القراءة الناقصة للإسلام ومبادئه، ومن التنامي المريع لثقافة الكراهية والتكفير والقتل، التي ستمتد تأثيراتها الى مختلف دول المنطقة، ولن تنحصر على العراق الذي يكتوي بنارها منذ سنوات.
شارك في اعداد الملف مراسل إذاعة العراق الحر في بغداد رامي احمد.