تتواصلُ معاناة النازحين العراقيين الذين اضطُروا للفرار من مناطق سكناهم الأصلية إلى محافظات أخرى بسبب الأوضاع الأمنية المتردّية ولا سيما في أعقاب سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على الموصل وأجزاء واسعة من محافظة نينوى في حزيران الماضي.
الأمم المتحدة حذرت أخيراً من أزمة إنسانية وشيكة في جنوب العراق حيث لجأ عشرات آلاف النازحين واصفةً أوضاعهم في ثلاث محافظات بالتحديد بأنها في "مستوى حرج".
وفي أحدث جولة من المحادثات بين مسؤولين عراقيين وأميركيين، تصدّر ملف النازحين اجتماع السفير الأميركي في العراق ستيورات جونز مع نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الخدمات صالح المطلك في بغداد الأحد (1 شباط 2015).
بيان إعلامي لرئاسة مجلس الوزراء أفاد بأن المطلك ركـّـــز خلال اللقاء على ملف النازحين مشيراً الى "أهمية ايجاد البيئة والظروف المناسبة لجذب النازحين وحملهم للعودة الى مدنهم وقراهم المحررة لاسيما وأن هناك ما يمنع عودتهم لأسباب مختلفة منها ما يتعلق بتنظيف المنازل من المتفجرات والعبوات الناسفة ومنها ما يتعلق بتدمير دور المواطنين والبنى التحتية لمدنهم"، بحسب تعبيره.
كما شدد المطلك "على ضرورة الانتباه الى مخاطر ما بعد داعش ومحاولات البعض تأجيج روح الانتقام والثأر من الأهالي بعد تحرير المناطق التي كان يحتلها داعش موضحاً أنه يتلقى الكثير من الشكاوى خلال لقاءاته المباشرة وغير المباشرة بالمواطنين النازحين أكد أصحابها أن قراهم وبيوتهم قد تدمرت تماماً وتعرضت ممتلكاتهم للتخريب في أثناء وجود عناصر داعش وبعضها تدمر بعد انسحابهم من تلك المناطق أيضاً."
من جهته، أكد السفير الأميركي حرص بلاده على مساعدة العراق "في حربه ضد الإرهاب وتقديم العون العسكري والاستخباراتي للقوات العراقية مضافاً الى المعونات الإنسانية للنازحين"، بحسب ما ورد في نصّ البيان الذي تلقت إذاعة العراق الحر نسخةً منه الأحد.
يأتي التعبير الجديد عن الاهتمامات الرسمية بملف النازحين بعد بضعة أيام من نشر نتائج أحدث تقييم أجراه برنامج الأغذية العالمي WFP التابع للأمم المتحدة عن أوضاع الأُسر النازحة في وسط العراق وجنوبه.
وخلص التقييم إلى أن الوضع الإنساني للعراقيين الذين نزحوا خلال الفترة الأخيرة إلى ثلاث محافظات جنوبية هي النجف وكربلاء وبابل قد وصل إلى "مستوى حرج"، على حد وصفه.
بيان صحفي لبرنامج الأغذية العالمي أوضح في نشره خلاصة التقييم الثلاثاء (27 كانون الثاني 2015) أن هذا البرنامج يساعد خمسين ألف أسرة نازحة في محافظات "البصرة وذي قار والقادسية وميسان وواسط والمثنى والنجف وكربلاء وبابل"، مشيراً إلى قيامه بتوزيع مساعدات غذائية في كل المحافظات الثماني عشرة والتي وصلت إلى نحو مليون وأربعمائة ألف نازح عراقي في عام 2014.
ونُـــــقل عن جين بيرس Jane Pearce الممثل والمدير القُطري لمكتب برنامج الأغذية العالمي في العراق القول إنه رغم مخاطر وتحديات الوصول إلى هذه المنطقة فإن البرنامج التابع للأمم المتحدة يتواجد في محافظات العراق الجنوبية والوسطى منذ بداية الأزمة في البلاد في عام 2014.
وأوضح البيان أن العديد من النازحين يعيشون الآن في "المباني العامة غير المأهولة والمساجد والحسينيات التي وفرتها لهم السلطات المحلية كمأوى أو مع المجتمعات المضيّـــفة." وينسب إلى غالبية الأسر النازحة التي انتقلت إلى المنطقة القول إنها أنفقت ما كان لديها من مدخرات محدودة على وسائل النقل للوصول إلى الأماكن التي لجأوا إليها من محافظاتهم الأصلية. ومن بين مَــن قابَــــــــلَتهم بعثة التقييم من أفراد العوائل النازحة الذين يكافحون من أجل إطعام أُسرهم أو معرفة من أين ستأتي وجبتهم المقبلة أم لستة أطفال تدعى نجاة حسين (36 عاماً) ذكرت أنها فقدت زوجها قبل سبعة أشهر خلال المعارك في تلعفر وانتقلت الى كربلاء مع أطفالها بعد سماعها أن المحافظة تساعد النازحين. وأضافت "الوقت قد توقف بالنسبة لنا. لا يوجد عمل، لا توجد مدارس ولا مستقبل."
الناطق الإعلامي باسم برنامج الأغذية العالمي لمنطقة الشرق الأوسط عبير عطيفة أوضحت في تصريحات لإذاعة العراق الحر أن العديد من النازحين "لم يتمكنوا من العثور على ملجأ في إقليم كردستان العراق المزدحم، الذي يستضيف نحو نصف العائلات العراقية النازحة داخلياً، في حين قال آخرون لبعثة التقييم إن العيش في الشمال مكلف للغاية".
وفي مقابلة أجريتها عبر الهاتف ويمكن الاستماع إليها في الملف الصوتي، تحدثت عطيفة عن جوانب أخرى من معاناة النازحين العراقيين والأسباب التي دفعت بعثة التقييم التابعة لبرنامج الأغذية العالمي إلى الاستنتاج بأن الوضع الإنساني لهذه الشريحة بلغ "مستويات حرجة" في ثلاث محافظات جنوبية بالتحديد. كما أجابت عن سؤالين آخرين يتعلق أحدهما بطبيعة الحصص الغذائية التي تُوزّع على أفراد الأُسر النازحة وما إذا كانت كافية لسد حاجاتهم والثاني حول المصاعب التي تواجه الوكالات التابعة للأمم المتحدة في تمويل برامج مساعدة النازحين العراقيين.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي يتضمن مقابلة مع الناطق الإعلامي باسم برنامج الأغذية العالمي لمنطقة الشرق الأوسط عبير عطيفة.