عاد ملف المصالحة الوطنية الى الواجهة بدفع من تسارع التطورات وتلاحق الأزمات وتشابك التحديات التي تواجه العراق اليوم. ففي وقت كانت الحكومة تحتاج الى تعبئة كل طاقات البلد ضد خطر داعش الذي اجتاح مناطق واسعة من العراق منذ حزيران الماضي شهدت هذه الفترة هبوط اسعار النفط بنسبة زادت على 50 في المئة. وبذلك جاء هذا الهبوط والحكومة أحوج ما تكون الى موارد مالية لاعادة بناء الجيش وتنفيذ المهمات التي تتطلبها المرحلة.
ولكن ما يُلاحظ بشأن التحركات الجديدة لتفعيل عملية المصالحة ان الأمم المتحدة دخلت على الخط بقوة هذه المرة من خلال الجولات والحوارات التي أجراها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق نيكولاي ملادينوف في اربيل وبغداد وكربلاء. ويأتي هذا التحرك تمهيدا لعقد مؤتمر برعاية أممية حول المصالحة الوطنية في العراق. والتقى المبعوث الدولي في اطار هذا التحرك رئيس الجمهورية فؤاد معصوم الذي اعرب عن التقدير لدور بعثة الأمم المتحدة "يونامي" من إجل انجاح مشروع المصالحة الوطنية.
الدعوات الجماعية التي اطلقها المشاركون في الطاولة المستديرة لتعزيز التعايش السلمي والحوار الوطني والمصالحة دعوات مشجعة ... ملادينوف
وفي كربلاء ترأس ملادينوف المنتدى الأول في سلسلة من منتديات الطاولة المستديرة مع ممثلي المجتمع المدني والمواطنين وشيوخ العشائر ورجال الدين وباحثين شاركوا من كربلاء والنجف وبابل. وسيُعقد المنتدى الثاني لطاولة مستديرة مماثلة في البصرة خلال الاسبوع الأول من شباط المقبل. واعلن رئيس بعثة يونامي في ختام اعمال منتدى كربلاء "ان الدعوات الجماعية التي اطلقها المشاركون في الطاولة المستديرة لتعزيز التعايش السلمي والحوار الوطني والمصالحة دعوات مشجعة".
وأكد المشاركون في المنتدى أهمية تمتين التلاحم الاجتماعي ومعالجة الانقسامات الموجودة داخل المجتمع العراقي.
وكان ملادينوف حضر قبل ذلك مؤتمرا للحوار والمصالحة في اربيل ومؤتمرا مماثلا في بغداد حيث اعلن ان الأمم المتحدة مستعدة لمساعدة العراقيين على تحقيق المصالحة الوطنية مشيرا الى ان هذه المبادرات تأتي في وقت يواجه العراق تحديات كبيرة متعددة.
اذاعة العراق الحر التقت المتحدث باسم الحكومة سعد الحديثي الذي قال ان نشاط الأمم المتحدة وبعثتها في العراق يأتي تعبيرا عن دعم المنظمة الدولية للتحضيرات الجارية من اجل عقد مؤتمر المصالحة الوطنية من خلال الجهد الذي تنهض به هيئة المصالحة الوطنية في مجلس الوزراء والاجراءات التي اتُخذت وتُتخذ دليلا على وجود نية صادقة للخروج بنتائج من شأنها تعزيز لحمة الشعب العراقي.
ودعا الحديثي الى وضع هدف الوحدة الوطنية فوق كل اعتبار انطلاقا من قناعة راسخة لدى الحكومة بأن هذه الوحدة أمضى سلاح في مواجهة التحديات الراهنة، الأمنية والسياسية بل وحتى الاقتصادية.
واستعرض الحديثي الخطوات التي اتخذتها الحكومة لبناء الثقة وتوفير مستلزمات النجاح لمؤتمر المصالحة الوطنية الذي تساعد بعثة الأمم المتحدة في التحضير لعقده لا سيما موافقة مجلس الوزراء على مشروع قانون الحرس الوطني وملف المعتلقين، بما في ذلك تحديد ثلاث جهات حصرا يكون اختصاصها اعتقال المشتبه بهم مع أعداد سجل مركزي للمعتقلين وبياناتهم الشخصية والافراج عمن تثبت براءته بقرار قضائي في فترة اقصاها شهر اضافة الى خطوات أخرى مثل النظام الداخلي لمجلس الوزراء وسحب الطعن المقدم من الحكومة الى المحكمة الاتحادية بشأن تعديل قانون المحافظات.
عضو لجنة المصالحة في مجلس النواب محمد ناجي اكد ان هناك تفاؤلا عاما بما تبذله الحكومة والقوى السياسية والأمم المتحدة من جهود لعقد مؤتمر شامل هدفه اعادة الثقة بين مكونات الشعب العراقي التي اهتزت في الفترة السابقة سواء بين الكتل السياسية أو الطوائف والمذاهب المختلفة واصفا اطمئنان المواطنين الى نهج الحكومة بأنه عامل يساعد على اطلاق مبادرات ايجابية في هذه الاتجاه.
مستشارة رئيس مجلس النواب لشؤون المصالحة الوطنية وحدة الجميلي رأت ان الأجدى من عقد الندوات والطاولات المستديرة هو تنفيذ الحكومة لالتزاماتها تجاه الأطراف السنية المشاركة في العملية السياسية من جهة وفتح قنوات للتواصل مع اطراف سنية غير مشاركة في العملية السياسية من الجهة الأخرى.
دور الأمم المتحدة في جهود المصالحة هو دور الوسيط، لكنه ليس الوسيط الضامن ... وحدة الجميلي
ونوهت الجميلي بالاتصالات التي اجراها مسؤولون عراقيون على أعلى المستويات مع أطراف سنية خارج العملية السياسية وتجاوب هذه الأطراف مع يد المصالحة التي مُدت اليها ومن هذه الأطراف هيئة علماء المسلمين ورجال دين وبعثيون لم تتلطخ اياديهم بدماء العراقيين ولم يشاركوا في أعمال عنف ضد المواطنين، ولكنها دعت الحكومة الى تقديم ضمانات بأن عودتهم ستكون مأمونة، على حد تعبيرها.
وتناولت مستشارة رئيس مجلس النواب لشؤون المصالحة وحدة الجميلي دور الأمم المتحدة في جهود المصالحة قائلة انه دور الوسيط لكنه ليس الوسيط الضامن في حين ان الأطراف الدولية عموما سواء أكانت المنظمة الدولية أو قوى مثل الولايات المتحدة تستطيع ان تكون ضامنة لأي اتفاق بين الفرقاء العراقيين ، ولكنها لاحظت ان الأطراف الدولية والاقليمية أخذت تنأى بنفسها لأن خبراتها السابقة مع الفرقاء العراقيين لم تكن مشجعة ، كما في حالة اتفاق مكة على سبيل المثال. واستبعدت الجميلي ان يصمد أو يُنفذ أي اتفاق بين اطراف متخاصمة لكنها مشاركة في العملية السياسية من دون وسيط دولي يكون ضامنا لمثل هذا الاتفاق.
المصالحة تكون اساسا مع اطراف خارج الحكومة ولا يمكن ان تُعقد مع اطراف هي اصلا شريكة في الحكم ... محلل
استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد انور الحيدري اثار جملة تساؤلات عن الأطراف المعنية بالمصالحة لا سيما وان المصالحة تكون اساسا مع اطراف خارج الحكومة ولا يمكن ان تُعقد مع اطراف هي اصلا شريكة في الحكم واصفا عملية المصالحة بأنها ما زالت عملية يكتنفها الابهام بل تدور في فراغ وتتجه نحو المجهول، على حد تعبيره.
وذهب الأكاديمي انور الحيدري الى ان مفردات المصالحة والمحاصصة والشراكة والتوازن تُستخدم لتحقيق مكاسب لا تمنحها الديمقراطية وان هذه المصطلحات ازدادت التباسا لعدم ايمان من يرددونها بالديمقراطية التي لا يبدو ان المناخ في العراق اليوم مهيأ للتجاوب معها ، بحسب الحيدري.
المحلل السياسي جاسم الموسوي أيد عقد مؤتمر دولي للمصالحة الوطنية بمشاركة جماعات حملت السلاح أو محسوبين على النظام السابق لتحقيق مصالحة حقيقية بمبادرات جريئة على النقيض من الجهود الخجولة التي بُذلت حتى الآن في هذا الملف معترفا بأنه ملف في غاية الصعوبة.
وابدى المحلل السياسي جاسم الموسوي تفاؤله رغم جسامة المهمة قائلا ان دخول الأمم المتحدة بثقلها في هذا الملف الى جانب مبادرات أخرى تشجع على الأمل باختصار الزمن لتحقيق مصالحة تأخرت كثيرا لأن صانع القرار السياسي لم يتحرك في الوقت المناسب.
حذر سياسيون من ان التحرك الجديد لتفعيل ملف المصالحة وصولا الى مؤتمر وطني ناجح قد يكون الفرصة الأخيرة لانقاذ العراق وتحقيق السلم الأهلي واعادة علاقات التعايش والوئام بين مكوناته.
ساهم في الملف مراسل اذاعة العراق الحر في بغداد رامي احمد