أثار الهجوم الذي شنه مسلحون على مجلة شارلي إبدو الأسبوعية التي تنشر رسومات ساخرة تتناول فيها الإسلام وأديان أخرى، جدلاً واسعاً في الأوساط العربية والإسلامية حول تأثيرات هذا الهجوم على وضع المسلمين في أوروبا وحرية التعبير.
وكان مسلحون ملثمون هاجموا في باريس صباح الأربعاء المجلة الفرنسية الساخرة ما أسفر عن مقتل 12 شخصاً على الأقل من بينهم اثنان من ضباط الشرطة، وأربعة من أشهر رسامي الكاريكاتير في فرنسا.
جواد بشارة: الهجوم سيُزيد مشاعر الخوف وكُره الإسلام
وفيما تزداد المخاوف من مخاطر الحضور الإسلامي في فرنسا، وأسلمة المجتمع الفرنسي، يؤكد الإعلامي العراقي جواد بشارة المقيم في باريس منذ سبعينيات القرن الماضي، أن هذا الهجوم سينعكس سلباً على حياة الفرنسيين من اصول إسلامية أو مهاجرة، لأنها ستعزز الإسلاموفوبيا ومشاعر الخوف وكره الإسلام، لكنه يستبعد أن يكون لهذا الهجوم تأثير على حريات التعبير والصحافة في فرنسا أو الدول الأوروبية.
لكن بشارة لا يخفِ مخاوفه من أن تقع المزيد من الهجمات المشابهة على نطاق واسع في فرنسا ودول غربية أخرى، مع إزدياد نفوذ التنظيمات الإرهابية كتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والنصرة وغيرها، ووصول شظايا الحرب والصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط الى أوروبا والتي يتحمل الغرب جزءاً من مسؤولية إستمرارها.
وقال الإعلامي العراقي جواد بشارة في مقابلة أجرتها معه إذاعة العراق الحر عبر الهاتف من العاصمة الفرنسية باريس،
عن تغطية الإعلام العربي لحادثة الهجوم على المجلة الفرنسية، إن بعض وسائل الإعلام أكتفت بعرض الحدث ولم تعلق عليه، بعضها الآخر تشمتت وأعتقدت أن هذا ثمن تدفعه فرنسا واوربا الغربية، لأن فرنسا تجاوزت حدود مرسومة لها بعدم المس بالمقدسات في اشارة الى نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للإسلام، بينما وسائل الإعلام العراقية كانت أكثر تعاطفاً لأن العراق يومياً يواجه الإرهاب ويُقتل العراقيون بالمئات والآلاف والعالم يتفرج ولا يحرك ساكناً.
طرفة بغجاتي: هجوم باريس كان انتقاما للبغدادي وليس للنبي
من جهته يرى طرفة بغجاتي، رئيس مبادرة المسلمين النمساويين، وعضو اللجنة الإدارية للهيئة الإسلامية في ڤيينا، "أن تداعيات الهجوم على المجلة الفرنسية، ستكون خطيرة جداً على مسلمي أوروبا، مشدداً على أن المسلمين الاوروبيين يرونه أعتداءً ليس فقط على المجلة الفرنسية، بل إعتداء على الوجود الإسلامي في أوروبا، وإعتداء بل وإغتصاب لشريعة الإسلام السمحاء، وضربة قوية ضد القيم الإسلامية المعروفة بالرحمة، وهؤلاء (المهاجمون على المجلة) بدلاً من أن يكونوا رحمة للناس، يذهبون ليقتلوا الناس في عقر ديارهم لذلك نعتبرها أكبر خطراً من هجمات لندن ومدريد."
ويضيف بغجاتي (الصورة)متحدثاً لإذاعة العراق الحر عبر إتصال هاتفي من فيينا، "أن داعش أعلنت حربها على أوروبا والهجوم على المجلة الفرنسية
الذي وصفه البغجاتي بـ"الجريمة النكراء"، هو أول إعتداء رسمي من داعش ضد أوروبا وهذا يعني أن الحرب نُقلت من سوريا والعراق ضد المسلمين هناك الى أوروبا ضد الأوروبيين والوجود الإسلامي في اوروبا."
ويُعرب بغجاتي عن أمله أن لا تتكرر مثل هذه الهجمات في فرنسا وأوروبا، مشيراً الى أنه الآن آخر مرحلة لإيجاد حل سياسي وقوي للأزمة السورية في العراق وبعض المناطق في العراق. الأمن والسلام في أوروبا مقترن بحل سريع للأزمة السورية.
وتمكنت السلطات الفرنسية من تحديد هوية منفذي الهجوم الذي استهدف مجلة "شارلي إبدو"، وأوقع 12 قتيلا بينهم ثمانية صحافيين و11 جريحا بينهم أربعة بحالة الخطر.
ونقلت الشرطة عن أحد الناجين من الهجوم أن المهاجمين ظهروا في قاعة اجتماع أسرة تحرير الصحيفة وهم يصرخون "انتقمنا للنبي محمد، الله أكبر".
ويؤكد طرفة بغجاتي، رئيس مبادرة المسلمين النمساويين أن الإنتقام لم يكن للنبي ولم يكن لدعم الإسلام ونصرة قيمه بل كان دعماً لتنظيم داعش الإجرامي ولزعيمه أبو بكر البغدادي، لأن المجلة سخرت من البغدادي في رسوماتها.
بغجاتي لفت الى "أن ما يُنشر من رسوم كاريكاتيرية لا يُبرر أي جريمة قتل، ويجب أن نعرف ونفهم الصحافة الساخرة والرسوم الكاريكاتيرية، التي تنتقد قبل الإسلام المسيحيين والأديان الأخرى وحتى بابا الفاتيكان والرئيس الفرنسي."
ويُعرب فنانون في مختلف أنحاء أوروبا عن مخاوفهم من أن يؤدي الهجوم على مجلة شارلي إبدو إلى رقابة ذاتية على السخرية من الأديان وخاصة الإسلام.
وفي تقرير تحت عنوان "الرسامون يبدون جرأة بعد هجوم باريس لكنهم يخشون الرقابة"، ذكرت وكالة رويترز للأنباء أن رسامين وكتاب سويديين ودانماركيين دافعوا عن حرية التعبير بعد الهجوم على المجلة الفرنسية الساخرة، لكن الواقع لبعض الفنانين المتهمين بالإساءة للإسلام ظل الاختباء لسنوات وحماية من الشرطة.
ومنهم الرسام السويدي لارس فيلكس، الذي أدت رسومه الكاريكاتيرية لنبي الإسلام عام 2007، إلى تهديدات بقتله وإعلان جماعة عراقية مرتبطة بتنظيم القاعدة مكافأة 100 ألف دولار لمن يقتله.
ويقول فيلكس إن حياته المهنية تأثرت سلبا بسبب المخاوف الأمنية من عرض أعماله حتى تلك التي لا علاقة لها بالإسلام.
أما رسام الكاريكاتير الدنمركي المتقاعد كورت فسترجارد، الذي كان نشر صور للنبي، فقال لمحطة تي.في 2 التلفزيونية الدنمركية عقب هجوم باريس "أرجو ألا يكون لهذا الحادث أي تأثير سلبي على وسائل الإعلام.. ألا ينتابها الذعر".
وخلال السنوات العشر الأخيرة كانت السويد والدنمارك محور ضجة عالمية بسبب الرسوم التي تصور الرسول وتعتبر مسيئة لمشاعر المسلمين.
عصام حنفي: هجوم باريس إعتداء صريح على الصحافة
فنان الكاريكاتير المصري عصام حنفي، وصف الهجوم على مجلة شارلي إبد الفرنسية بالإرهابي المدان بأشد العبارات لأنه نال من زملاء في الريشة آمنين وأعتبره إعتداء صريح على الصحافة الساخرة منها خصوصاً.
وأشار حنفي في حديثه لإذاعة العراق الحر من القاهرة، الى ضرورة تضامن كل الصحفيين مع الصحفيين الفرنسيين وإدانة هذا العمل الإرهابي، لكنه أكد في الوقت نفسه على ضرورة توجيه أصابع الإتهام لحكومات غربية ومنها الحكومة الفرنسية التي دعمت علناً إرهابيين يتحدثون بإسم الإسلام في شرقنا العربي ومارسوا قطع الرؤوس وسبي النساء وإسالة دماء رفاق في مهنة الصحافة، بحسب تعبير حنفي.
عبد الرحيم ياسر:هجوم باريس عمل بشع ولا يمكن تبريره
رسام الكاريكاتير العراقي عبد الرحيم ياسر، يرى أن الهجوم الدامي على مقر مجلة شارلي ابدو الفرنسية، عمل بشع ولا يمكن تبريره باي حال رغم تحفظه على تناول الرموز الدينية الإسلامية وغير الإسلامية.
ويلفت ياسر الذي تتصدر أعماله السياسية الساخرة كبريات الصحف العراقية، الى أن المتطرفين والمتشددين يستهدفون الصحفيين والإعلاميين لأن استهدافهم يكون أكثر إثارة وهذا ما يريدون لتخويف وترهيب كل من يخالفهم في الرأي.
وكانت رسومات ياسر اختيرت من قبل صحيفة الأوبزرفر البريطانية ضمن أفضل 10 أعمال فنية عرضت في "بنيالة فينيسيا الدولية" لعام 2013.
ويؤكد الفنان عبد الرحيم ياسر أنه رغم الحرية التي كفلها الدستور العراقي للعراقيين ومن ضمنهم الصحفيين والفنانين، إلا أن المحاذير والتابوات كثيرة في عراق اليوم، البلد الساخن الذي يشهد يومياً عمليات قتل وإختطاف، ومساحات واسعة من أراضيه مستباحة، بينما الحكومة عاجزة عن توفير الحماية.
ويأتي العراق في المرتبة الرابعة كأخطر دول العالم للعمل الصحفي، وأفاد تقرير أصدرته لجنة الحريات الصحفية في نقابة الصحفيين العراقيين، بأن عام 2014 ، شهد مقتل 14 صحفيا، ليرتفع بذلك العدد الاجمالي للصحفيين الذين قتلوا في العراق منذ 2003 إلى أكثر من 400 صحفي.
ويرى رسام الكاريكاتير عبد الرحيم ياسر أن الإرهاب الذي يعاني منه العراق منذ سنوات أنتشر ووصل الى كل دول العالم والإرهابيين اصبحوا يستهدفون الصحفيين والإعلاميين في كل مكان حتى في الدول الأكثر استقرار أمنياً كفرنسا والدول الأوروبية.
بمشاركة مراسل إذاعة العراق الحر في القاهرة أحمد رجب