استقبل العراقيون العام الجديد بلغة متفائلة سمعوها من القادة السياسيين الذين تعهدوا بأن يكون 2015 عام انتصارات وبناء ومصالحة. إذ أعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي في كلمته بمناسبة العام الجديد "ان ملامح غد أفضل ومستقبل أكثر أمنا واستقرارا وازدهارا للعراقيين بدأت تلوح في الأفق". وأكد العبادي تصميم حكومته على "ان يكون 2015 عام تطهير كامل الأراضي العراقية وإعادة النازحين الى ديارهم وانهاء معاناتهم والبدء بعملية بناء المدن المحررة واعمارها".
وترددت اصداء هذا التفاؤل في اربيل حيث اعرب رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني عن الأمل بأن يكون 2015 "عام دحر الارهابيين نهائيا وان يعم السلام والاستقرار والاعمار المنطقة والعراق والاقليم".
وبمناسبة عيد الجيش العراقي في 6 كانون الثاني تعهد وزير الدفاع خالد العبيدي للشعب العراقي "بغدٍ أفضل وتطهير جميع اراضيه من دنس العصابات الارهابية". ولكن العبيدي اعترف في الوقت نفسه بأن الفساد آفة تنخر جسد المؤسسة العسكرية وتهدر مواردها وتجهض فرصها في البناء على مستوى التسليح والتجهيز والتدريب والادارة والدعم اللوجستي. واشار الى ضعف الأداء وترهل القيادات وتولي عناصر غير كفؤة سُلَّم القيادة وقلة الانضباط وضعف التدريب وسوء الأداء وانفراط عقد الثقة بين الشعب والقوات الأمنية بوصفها كلها اسبابا أساسية قدمت الى داعش خدمة كبيرة أتاحت له اجتياح مناطق واسعة من العراق والسيطرة على مدن كبيرة مثل الموصل وتكريت وتهديد الرمادي.
لذا اعلن وزير الدفاع اطلاق عملية جذرية لاعادة بناء الجيش بدء بالقيادات العليا واستبدالها بعناصر وقيادات يكون اختيارها باعتماد معايير الوطنية والمهنية والكفاءة.
وتتطلب مهمة جسيمة كهذه تستأصل الفساد المعشعش وتعيد بناء المؤسسة العسكرية لمواجهة عدو شرس مثل داعش ، صبرا وعملا دؤوبا وزمنا يتناسب مع حجمها. ولعل هذا ما كان يقصده الاميركيون حين اعلنوا في أكثر من مناسبة ان تدمير داعش يحتاج الى سنوات.
لذا رأى مراقبون ان التفاؤل الذي ابداه قادة عراقيون بتحرير الموصل والمناطق الأخرى الواقعة حتى سيطرة داعش في العام الجديد يُراد به رفع المعنويات وشد العزائم واستنهاض الهمم أكثر منه تقييم واقعي لامكانية الانتصار المؤزر وانهاء التهديد الوجودي الذي يمثله داعش ضد العراق خلال الأشهر المقبلة. ولكن آخرين حذروا من ان وضع العراق لا تسري عليه الحسابات الاميركية طويلة الأمد.
إزالة آثار سيطرة "داعش" وإعادة الأمن تتطلب حشد قوات بمستوى هذه المهمة وتوافقا سياسياً ... نائب
اذاعة العراق الحر التقت عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية ماجد الغراوي الذي اعترف بصعوبة المهمة في محافظة نينوى ذات المساحة الشاسعة والمحاذية للأراضي السورية مع اتصالها الجغرافي بمحافظة الانبار واقليم كردستان، التي كلها سمات تفرض على المخطط العسكري تحشيد قوة كبيرة فضلا عن الوقت الذي يستغرقه تدريب قوات الشرطة المؤلفة من ابناء المحافظة وتسليحها للقيام بدورها في تحرير الموصل ومدن المحافظة الأخرى.
ولفت الغراوي الى جانب آخر هو مسك الأرض بعد التحرير مشيرا الى ان نينوى تحت سيطرة داعش منذ حزيران الماضي وبالتالي فان إزالة آثار هذه السيطرة وإعادة الأمن تتطلب حشد قوات بمستوى هذه المهمة وتوافقا بين القوى السياسية المختلفة في المحافظة والبرلمان بما يساهم في تطبيع وضعها.
ولكن الغراوي أكد ان الاستعدادات جارية على قدم وساق لتحرير الموصل الذي اعلن القادة السياسيون انه سيكون ايذانا بنهاية داعش مشيرا الى تدريب الكثير من ابناء المحافظة في المناطق المجاورة وتسليحهم للمساهمة في معركة تحرير محافظتهم.
أعداد المشاركين في المعسكرات التي يتدرب فيها ابناء المحافظة ليست كافية، والدعم الذي تقدمه الحكومة لهم ليس بالمستوى المطلوب ... نائبة
عضو مجلس النواب عن محافظة نينوى نورة البجاري لفتت الى ان وضع محافظة نينوى يختلف عن وضع المحافظات الأخرى مثل الانبار وصلاح الدين وديالى نظرا لوقوع المحافظة برمتها، مركزا وأقضية، تحت سيطرة داعش وتغلغله في مناطقها المأهولة كأنه دولة بمقرات ومكاتب في الأحياء السكنية وحتى جباية ضرائب. وقالت نائبة الموصل ان أعداد المشاركين في المعسكرات التي يتدرب فيها ابناء المحافظة ليست كافية والدعم الذي تقدمه الحكومة اليهم ليس بالمستوى المطلوب لتحرير الموصل الذي يتحدث الجميع قائلين انه سيكون نهاية داعش.
وطرحت النائبة البجاري جملة تساؤلات تتعلق بارادة الحكومة العراقية او التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لتحرير نينوى وقدرة الجيش بوضعه الحالي ومستوى تسليحه اليوم على تحريرها بمفرده واصفة تحديد المواعيد بأنه إنشاء كثيرا ما يكون بلا اساس.
استمرار الحرب مشتعلة يحقق للولايات المتحدة مصالح مادية مثل شراء اسلحتها وهبوط اسعار النفط ... محلل
المحلل السياسي جاسم الموسوي حذر من تداعيات بقاء الموصل تحت سيطرة داعش على الوضع الأمني في العراق بأكمله، متكهنا بأن تكون وراء الأطر الزمنية التي يجري الحديث عنها لتحرير الموصل حسابات ذات صلة بانجاز تحضيرات أو حث اطراف اخرى على مشاركة العراق في تحريرها.
واشار الموسوي الى اعتبارات جيوسياسية ليضع علامات استفهام على موقف الادارة الاميركية من تحرير الموصل، متوصلا الى ان استمرار الحرب مشتعلة يحقق للولايات المتحدة مصالح مادية مثل شراء اسلحتها وهبوط اسعار النفط مع ربطها قضية تحرير الموصل بترتيبات تخطط لها في سوريا والعراق والعراق والمنطقة عموما، بحسب الموسوي.
المحلل الأمني احمد الشريفي توقع ان تكون ثلاثة الى اربعة أشهر كافية لتحرير الموصل شريطة ان يتوفر الغطاء الجوي الأميركي الذي يؤمن للقوات العراقية امكانية توجيه ضربات نوعية الى داعش.
واعرب الشريفي عن اقتناعه بقدرة القيادة العراقية على تأمين دعم الولايات المتحدة لخططها الهادفة الى تحرير المناطق الواقعة تحت سيطرة داعش في غضون ثلاثة أشهر رغم حديث الادارة الاميركية عن ثلاث سنوات لحسابات خاصة بها في المنطقة حيث لا تنظر الى الحرب في العراق بمعزل عن سوريا في حين ان لدى العراق ازمة انسانية يعيشها النازحون وسكان المناطق الواقعة تحت سيطرة داعش وهؤلاء لا يمكن ان ينتظروا حرب استنزاف تدوم ثلاثة سنوات لانهاء معاناتهم.
هزيمة داعش يُمهد لها باجراءات وتحضيرات معقدة ودراسة متأنية للامكانات ... خبير عسكري
الخبير العسكري اللواء السابق عبد الكريم خلف رفض فكرة تحديد مواقيت وجدوال زمنية اصلا لدى التخطيط لعمليات استراتيجية كبرى مثل تحرير الموصل تحتاج الى توفر عناصر متعددة لضمان تنفيذها، وخاصة الحشد البشري والتسليح والغطاء الجوي والجهد الاستخباراتي ورصد قوات العدو لتقدير حجمها وإعداد ما يكفي لتدمير قدراته في ضوء ما يجمعه من معطيات نتيجة العمل الاستخباراتي، وهذه كلها مستلزمات يجب ألا تكون مربوطة بموعد مفروض قد يؤدي الى التحرك قبل استكمالها.
وانتقد اللواء خلف السياسيين الذين ليس لديهم اختصاص بالعلوم العسكرية لكنهم يتسابقون فيما بينهم على تحديد المواعيد بشأن عمليات كبيرة مثل هزيمة داعش يُمهد لها باجراءات وتحضيرات معقدة ودراسة متأنية للامكانات قبل وضع الخطة النهائية أمام القائد العام ليتخذ القرار النهائي بشأنها.
اقترح وزير الدفاع خالد العبيدي في كلمته بمناسبة عيد الجيش ان يكون شعار المرحلة "قادمون يا نينوى" مؤكدا ان معركة الموصل ستكون معركة الحسم مع داعش.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي ساهم في اعداده مراسل اذاعة العراق الحر رامي احمد.