فيما أبدت الأمم المتحدة قلقاً إزاء بدء لبنان تطبيق إجراءات جديدة لوقف تدفق مزيد من اللاجئين من سوريا أعلنت أنقرة أنها وواشنطن ستمضيان قدُماً في برنامج تدريب المعارضين السوريين المعتدلين وأكدت موسكو مواصلة استعداداتها لاستضافة مؤتمرٍ يجمع طرفيْ النزاع السوري.
أعداد اللاجئين من سوريا إلى دول الجوار تجاوزت ثلاثة ملايين فرد إضافةً إلى نزوح أكثر من 6,5 مليون آخرين داخل البلاد منذ آذار 2011. وقالت المنظمة الدولية إن هذه الأعداد المتزايدة تعني أن نحو نصف السوريين أُجبروا على ترك بيوتهم والنجاة بأرواحهم. فيما وصف مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين انتونيو غوتيريس الأزمة في آب الماضي بأنها "أكبر حالة طوارئ إنسانية في حقبتنا، ومع ذلك أخفق العالم في توفير احتياجات اللاجئين والدول التي تستضيفهم."
وفي تطورٍ يُعتقد أنه قد يفاقم معاناة الفارّين من النزاع بحثاً عن النجاة في لبنان وتركيا والأردن والعراق، بدأت السلطات اللبنانية الاثنين (5 كانون الثاني) تطبيق إجراءات جديدة لضبط حركة الدخول من سوريا المجاورة عند المعابر الحدودية.
السوريون مُــطالَـــــبون وفقاً لهذه الإجراءات الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات بين البلدين بالحصول على سمات دخول إلى لبنان الذي يقلّ عدد سكانه عن خمسة ملايين نسمة ولكنه يؤوي أكثر من مليون لاجئ سوري.
المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة دعت الحكومة اللبنانية إلى توضيح وضع "اللاجئين" بموجب الإجراءات الجديدة. وقال الناطق الإقليمي باسمها رون ردموند في مقابلة أجرتها معه رويترز في بيروت الاثنين:
"إن وجود مليون ومائة ألف لاجئ سوري ممن نزحوا إلى لبنان على مدى السنوات الأربع الماضية يشكّل عبئاً هائلاً للغاية ذلك أن هذا العدد يعني أن ربع سكان البلاد الآن هم لاجئون. لذلك فمن المفهوم أن السلطات تريد اتخاذ إجراءات في محاولة لتنظيم عملية النزوح إذ أنهم لا يريدون لبنان يمتلئ بمزيد من اللاجئين. ونحن في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين نتفهم هذا ونفهم الأسباب التي ذكروها لاتخاذ هذه الإجراءات."
وأضاف الناطق الإقليمي باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة:
"ما يثير قلقنا هو عدم ذكر اللاجئين في هذه الأنظمة الجديدة. لقد صدَرت خلال الأيام القليلة الماضية تصريحات علنية مِن قِبل الحكومة اللبنانية بما في ذلك ما أعلنه وزير الشؤون الاجتماعية بأنهم سوف يواصلون الإجراء السابق الذي يسمح بدخول الفئات الأكثر ضعفاً. وما تريده المفوضية ببساطة هو الحصول على نوعٍ من البيانات الرسمية التي تؤكد ذلك خطّياً. كما نرغب بالحصول على بعض المعلومات حول كيفية تطبيق الإجراءات الجديدة للتأكد من أن الأشخاص الأكثر عرضة للخطر سيتمكّنون من الاستمرار في دخول لبنان"، بحسب تعبيره.
في غضون ذلك، ذكر مسؤول رفيع بوزارة الخارجية التركية الاثنين أن بلاده والولايات المتحدة تسعيان لوضع اللمسات النهائية على اتفاق لتجهيز وتدريب المعارضين السوريين المعتدلين هذا الشهر في إطار حملة دولية تقودها واشنطن ضد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال المسؤول التركي إنه من المتوقع أن يبدأ التدريب في آذار بالتزامن مع برامج مماثلة في الأردن والسعودية بهدف تدريب خمسة عشر ألف معارض سوري على مدى ثلاثة أعوام. وأضاف "يتوقع تدريب بين 1500 و2000 شخص في تركيا (في العام الأول)"، موضحاً أن "عدداً محدوداً" من الجنود الأميركيين سيأتون إلى تركيا للمساعدة في تنفيذ التدريب المشترك.
وفي عرضها للتصريحات، ذكرت رويترز أن تركيا "تشارك على مضض في الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد المسلّحين وترفض القيام بدور عسكري في خط الجبهة الأمامي رغم انها تشترك في حدود تمتد 1200 كيلومتر مع العراق وسوريا. لكنها وافقت من حيث المبدأ على تدريب وتجهيز معارضين سوريين وتقوم بالفعل بتدريب مقاتلي البشمركة الأكراد في شمال العراق. كما أبدت أنقرة استعدادها لتقديم مساعدات مماثلة للجيش العراقي وإرسال أسلحة."
وفي تعليقه على أهمية الدور التركي، قال الدكتور عماد رزق مدير (مركز الاستشارية للدراسات الإستراتيجية) في بيروت لإذاعة العراق الحر إن "التصدي للإرهاب بحاجة إلى تضافر جهود كل الدول التي تجاور سوريا والعراق، ومن هنا أعتقد أن دور تركيا أساسي في وقف تدفق المسلحين ودخولهم عبر مختلف الأقطار في العالم إلى الداخل السوري..".
إعلانُ أنقرة عن برنامج التدريب المزمع للمعارضين السوريين المعتدلين تزامنَ مع التصريحات الأولى التي أدلى بها الرئيس الجديد للائتلاف الوطني السوري المعارض خالد خوجة إثر انتخابه في مدينة اسطنبول التركية حول التحركات الدبلوماسية الرامية لعقد حوار بين النظام والمعارضة في موسكو. ففي ردّه على سؤال حول مساعي روسيا الدبلوماسية، قال خوجة خلال مؤتمر صحافي الاثنين:
"بالنسبة لما يقال عن مبادرة روسية نحن نسميها تجاوزاً مبادرة وهي مجرد أفكار. أولاً، لم يتم توجيه دعوة من روسيا للائتلاف، وإنما تم توجيه دعوة لشخصيات معارضة، وبهذا الإطار الائتلاف غير مدعو إلى موسكو كأكبر مظلّة لقوى الثورة والمعارضة في سوريا."
وأضاف خوجة "ثانياً، حسب ما تدعو موسكو، الحوار مع النظام، وهذا غير وارد، نحن نتحاور مع أطراف المعارضة الأخرى، أما ما بيننا وبين النظام هو عملية انتقال سياسي، عملية تفاوضية، لتحقيق انتقال سلمي للسلطة إلى هيئة انتقالية ذات صلاحيات دستورية كاملة، غير هذا الإطار لا يمكن الجلوس مع النظام على طاولة واحدة"، بحسب تعبيره.
وكانت مديرة (مركز آسيا والشرق والأوسط) في معهد الدراسات الإستراتيجية الروسي الدكتورة ييلينا سوبونينا أوضحت في مقابلة سابقة مع إذاعة العراق الحر موقف موسكو من الدعوة لعقد حوار بين النظام والمعارضة السورييْن بالقول إن مبادرة الدعوة لحوار لا تحتوي على نقاط محددة إذ "باعتقاد دبلوماسيين روس فإن مثل هذه النقاط لن تؤدي إلى نتائج لأننا جربناها سابقاً مع الخطة التي طرحها السيد كوفي أنان (المبعوث الأممي الأسبق إلى سوريا) ولم نرَ أي نجاح". وأضافت سوبونينا أن موسكو تعتقد "أن على المعارضة السورية نفسها أن تجتمع من جديد، وهناك شروط للمعارضة يمكن لروسيا تقريباً أن تقبلها، إحداها أن الجولة الأولى من هذا اللقاء ستجمع مختلف منظمات المعارضة وذلك لكي تتفق فيما بينها على النقاط الأساسية التي يريدون مناقشتها في جولة لاحقة مع ممثلي النظام..."، بحسب تعبيرها.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي يتضمن مقاطع صوتية من تصريحات الناطق باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة رون ردموند ورئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض خالد خوجة إضافةً إلى مقابلتين مع مدير (مركز الاستشارية للدراسات الإستراتيجية) في بيروت د. عماد رزق ومديرة (مركز آسيا والشرق الأوسط) بمعهد الدراسات الإستراتيجية الروسي د. ييلينا سوبونينا.